رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لم يكن أردوغان الذى رأيناه فى الايام الماضية وليد ما أطلق عليه انقلابا؛ ولكنه سليل «رؤيا الملة»، الميليشيا الإسلامية التى كانت تدعم الجهاديين فى روسيا فى تسعينيات القرن الماضى، والتى دبرت انقلاب عام 1999. وهو إفراز فوزه بالانتخابات فى العامين 2007 و2011، فلقد تحوّل على أثرهما إلى حاكم محافظ ومستبد للغاية. فبات يفرض قيودًا على حريّة التعبير والتجمّع وتكوين الجمعيّات، وأغلق وسائل الإعلام أو استولى عليها؛ مع منعه استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، وحبس الصحفيين ؛وارسال القوى الأمنيّة لمضايقة التجمّعات المعارضة.

وبعد الانقلاب جدّد شرعيّته وفاز بحليفٍ جديد وهو الحماسة الدينيّة فى الشارع. واستخدم أردوغان هذا الزخم ليشجّع القوى الدينيّة على السيطرة على البلد، فيعلن نفسه زعيمًا إسلاميًا. ففى سويعات قليلة نجح فى حثّ مناصريه على شنّ انقلاب مضاد. وبناءً على تعليماته، أذّنت جوامع تركيا التى يزيد عددها علي الثمانين ألفاً للصلاة عند الساعة الواحدة والربع ليلًا، وهى ليست أحد مواقيت الصلاة. ونجحت استراتيجيّة أردوغان، إذ حثّ الأذان للصلاة على العمل السياسى، فنزلت ميليشيات أردوغان المدنية إلى الشارع مناهضين الجيش العلمانى، ونجحوا إلى جانب القوى الأمنيّة المؤيّدة للحكومة فى التغلّب على جهود الجيش غير المتقنة.

ومنذ ذلك الحين بقيت المواقف المؤيّدة لأردوغان على أشدّها، وبدلًا من الأذان للصلاة فى مواعيدها الخمسة، لا يبارح صوت الأذان أجواء تركيا، فيكون بمثابة تذكير للأتراك المتديّنين بواجبهم السياسى، وهو الوقوف إلى جانب الرئيس. الجميع يعلم أن أردوغان سياسى ذو خلفيّة اخوانية، كان قد دخل دوائر السلطة فى العام 2003، عندما تولّى منصب رئيس الوزراء ورئاسة حزب العدالة والتنمية. وهو يعزف على منظومة التدين والدين باقتدار، ففى ديسمبر 2014 أصدر مجلس التعليم العالى فى تركيا، توصيةً بإعطاء صفوف دين إلزاميّة فى المدارس التى يموّلها القطاع العام، لتعليم كلّ التلاميذ الإسلام السنّى.

والجميع يعلم أن أردوغان المستبد المتعطش للسلطة عمل فى خطى ثابتة لتعديل منصب الرئيس. والآن سيتذرع بالانقلاب للمضى فى خططه لحشد أغلبيّة برلمانيّة، إذ ينوى تعديل الدستور التركى والاستيلاء على منصبى رئاسة الوزارة ورئاسة حزب العدالة إلى جانب منصب رئاسة البلاد. ليصبح أقوى رجال تركيا منذ أن أصبحت البلاد دولةً ديمقراطيّةً متعدّدة الأحزاب فى العام 1950. محققا أحلامه، مهما شكّلت تلك الأحلام خطرًا عليه.

ولكن ربما تأتى الرياح بما لا يشتهى أردوغان، فبالرغم من أنّ شعبيّة الرئيس ارتفعت منذ فشل الانقلاب، لكن ليس من المضمون أن تبقى كذلك حتّى الانتخابات القادمة التى قد يدعو إليها أردوغان بعد الكثير من الوقت، ربما السنة القادمة. وهذا ما سيجعل أردوغان مصرا على اللجوء لمؤيديه والعمل على الحشد الجماهيرى فى كلّ أنحاء الدولة. وخاصة أن الغوغائيّين المؤيّدين لأردوغان ليسوا من مناصرى حزب العدالة الاعتياديين بل إسلاميون وجهاديون قريبو التصرفات بما يفعله داعش.

ولسوء الحظ، أصبحت الآراء الجهاديّة أكثر وضوحًا فى تركيا فى الآونة الأخيرة. وينجم جزء لا بأس به منها عن سياسة أردوغان التعليميّة وسياسته ضد النظام السورى، اللتين سمحتا للإسلاميين المتطرّفين باعتبار تركيا منطقة تجمّع. ويستطيع أردوغان الآن استغلال هذه القوى للقيام بثورة إسلاميّة. ولكن تلك الثورة ستجرّد تركيا من عضويّة الناتو، فتغدو بذلك عرضة لهجوم أعدائها القريبين منها، بما فيها روسيا؛ إلى جانب انهيار اقتصادى ممّا سيضر بمصدر قوّة أردوغان الذى قد يغدو فى أي من الاحوال خسرانا؛ فالقادم قد لا يحمد عقباه.