رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مواجهة

مهنة التجارة من أشرف وأنبل المهن، الانتقاص من شأنها مرفوض، ولا يصح لنا أن نزدرى أصحابها بصورة غير مباشرة عن طريق التنديد ببعض المهن الأخرى كالطب والتعليم والمحاماة كمهن تستهدف التربح بالدرجة الأولى، التربح ليس عيبا، شريطة ألا يكون مقصدنا منه هو التربح الجشع لبعض التجار الذى لا يتوقف عند حد. تظل المهنة فى ذاكرة الوجدان المصرى وأدبياته مقترنة بالتاجر البسيط الشريف، نعرفه عن قرب، ونتعامل معه وجها لوجه فى المدن والقرى والكفور والنجوع، نلتقى به كصديق، نتحاور معه ويشاركنا احزاننا وأفراحنا.

كان هذا قبل أن تعرف المولات والسلاسل التجارية الكبرى طريقها إلى حياتنا لتقطع الصلة المباشرة بيننا وبين ملاكها، شأنها شأن بقية منتجات الحداثة فى حياتنا. مهنة التجارة كأي مهنة فيها الصالح والطالح، تنوعت وتوسعت وتوحدت فى كيان واحد يسمى الاتحاد العام للغرف التجارية، يتولى شئون المهنة ورعاية أصحابها ويضع من اللوائح والمواثيق والأعراف ما يحفظ كرامة المهنة ومصداقيتها ومحاربة كل مظاهر الاحتكار والاستغلال البشع الذى يضر بالمهنة قبل أن يضربنا.

وأعتقد أن من مهام الاتحاد منع الدخلاء من الانضمام إليها، وهنا أتساءل ما هى مسئولية الاتحاد تجاه أنواع أخرى من التجارة استحدثها أصحاب مهن أخرى تنتمى إلى نقابات واتحادات وكيانات ليست من صميم مهنة التجارة المتعارف عليها، ولم يكتف هؤلاء الدخلاء بمنافسة التجار فى أرزاقهم بل توحشوا وانحرفوا فى أنشطتهم بصورة قد لا نجد لها مثيلا فى مهنة التجارة التى تمسحوا بها. فالجماعات والتيارات الدينية المتطرفة التى توهمت انها وحدها لها حق احتكار الدين والتحدث باسمه لحسابها الخاص بتأويلاتها المغلوطة واجتهاداتها المغرضة، تعاملت مع الدين كسلعة تروج لها وتتاجر بها وتتربح عن طريقها الثروة والسلطة بلاحدود. وبعض الدعاة ممن فرضوا أنفسهم على الفضائيات ودور النشر فى ظل الواقع الراهن الذى جعل من العالم العربى ساحة للمعارك والحروب والفتن الطائفية بدلا من أن تكون ساحة للعمل الجاد والتعاون والاكتشافات العلمية اكتشفوا فى النشاط الدينى فرصة سانحة للثراء والشهرة يجنبهم شبح البطالة والكساد، والمعلم الذى يتربح من الدروس الخصوصية ويتفرغ لها بصورة تكاد تكون كاملة على حساب الوزارة التى من المفترض أنه يعمل بها ويتقاضى أجره منها، أحال الوزارة وأحال التعليم كله إلى سلعة يتاجر بها، والطبيب الذى تنكر لمقومات وأخلاقيات مهنته كطبيب يعالج المرضى، وبدلا من ذلك تعامل معها كتجارة هدفها الوحيد هو التربح ليس إلا، من المؤكد أنه اساء إلى مهنته بقدر ما أساء إلى مهنة التجارة.

والتاجر الذى اكتشف فى النشاط الفنى مجالا خصبا للتربح يفوق تجارة المواشى والأراضى، وأقدم بكل جرأة على إحالة الحس الجمالى والمنتج الفنى إلى سلعة مادية لاعلاقة لها من بعيد أو قريب بدلالة الفن بقدر ما أهان الفن أهان التجارة التى كان ينبغى أن يخلص لها. والمثقف الذى لا يدرك المعنى الحقيقى للثقافة ولا يجد فيها سوى فرصة للمتاجرة والتربح والحصول على وظيفة أو لقب شأن بقية الألقاب، طبيب، مهندس، معلم، هو أبعد ما يكون عن الثقافة. التجارة مهنة محترمة، لكن المجتمع المصرى لا ينبغى أن يتحول إلى مهنة واحدة، فالعائد السريع يعجز عن تأسيس دولة وتأسيس مجتمع.