رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نقطة ساخنة

الحملة الشرسة التى يتعرض لها الأزهر مقصودة.. وتهدف إلى هدمه فوق رؤوس شيوخه وأساتذته وطلابه

 

لم يكن الشيخ محمد عبده «1849 ـ 1905» مجرد مصرى حافظ للقرآن قبل أن يتخرج فى الأزهر حاصلاً على العالمية ـ تساوى الليسانس الآن ـ.... ولم يكن ـ أيضاً ـ مجرد مصلح دينى.. يريد إصلاح الأزهر من ناحية.. وإصلاح مفاهيم دينية واجتماعية مغلوطة توارثتها الأجيال.. وأدخلت شيوخ الأزهر والمجتمع فى جدل لا فائدة منه.. بل يقود الأمة الى التخلف.. ولم يكن الشيخ مجرد ثائر ضد استبداد السلطان توفيق وأطماع الإنجليز.. الذين قرروا الانتقام منه بسجنه وتعذيبه لثلاثة أشهر.. ثم نفيه الى لبنان.. ولم يكن أيضاً الشيخ محمد عبده مجرد رئيس لتحرير جريدة «الوقائع المصرية» التى حولها من نشرة رسمية الى جريدة تراقب أعمال الحكومة وتقاوم الاحتلال الإنجليزى.. بل كان الشيخ  محمد عبده إضافة الى هذا وذاك صاحب رؤية لوضع دستور جديد لمصر.. حدد فيه السلطات الثلاث.. على أن يكون لكل سلطة استقلاليتها.. وهى المرة الأولى التى يطالب فيها مصرى بوضع دستور على هذا المستوى يحفظ للمصريين حقوقهم ويعطى للشعب المصرى الحق فى أن يحكم نفسه بنفسه.. وكأن الشيخ محمد عبده فقيهاً دستورياً.

وثيقة عمرها 112 عاماً عثرت عليها من بين عشرات الوثائق التى كشفت دور الشيخ محمد عبده فى المطالبة بدستور لمصر يحقق لها ولشعبها التحرر من سيطرة الإنجليز على كل مقدرات البلد.. ويفتح الطريق أمام مصر وشعبها للانطلاق نحو الحرية والديمقراطية لبناء الدولة المصرية الدستورية المعاصرة.

الوثيقة هى رسالة بعث بها الشيخ محمد عبده فى يوليو من عام 1904 ـ أى قبل وفاته بعام ـ الى السير «ولفريد سكاون بلنت» وهو ثرى بريطانى كان دبلوماسياً فى الخارجية البريطانية وقرر الاستقالة لدراسة أحوال الشرق العربى.. ولعب «بلنت» دوراً مهماً فى السياسة البريطانية ليس فى مصر وحدها ولكن فى منطقة الشرق العربى.. وقد أقام فى مصر سنوات طويلة وصارت بينه وبين الشيخ محمد عبده صداقة دامت 26 عاماً.. وهذا نص الوثيقة:

من الشيخ محمد عبده الى السير بلنت:

صديقى العزيز المحترم.. أرسل لك خالص تحياتى، وأعتذر عن التأخير فى الرد على رسالتك.. لقد فكرت كثيراً فى موضوع رسالتك واستشرت الكثيرين من المصريين البارزين، ووصلت الى نتيجة مفادها فيما يتعلق بالدستور، فإن الموضوعات التالية هى ما يجب التركيز عليها فى مثل هذا الدستور.

1ـ إن كل شئون الحكم يجب أن تعتمد على سلطة من السلطتين..

أولاً: على السلطة التشريعية التى سيوكل إليها سن القوانين القضائية والإدارية.. وثانياً: على السلطة التنفيذية المكلفة بتنفيذ القوانين.. يجب أن تكون السلطة التشريعية متمثلة فى مجلس النواب بحيث يزيد عدد أفراده عن عدد المجلس الاستشارى الحالى.. وأن تكون له سلطات أوسع من سلطات المجلس الحالى، ويجب احترام قرارات هذا المجلس وأن تكون ملزمة فيما يتعلق بالتنفيذ، على ألا يسمح للوزراء أو الخديو بتعطيل هذه القرارات والقوانين أو بالتغاضى عنها تحت أى ظرف من الظروف.. ويجب أن يختص هذا المجلس وحده بإصدار القوانين كلها.. ويجب أيضاً اختيار الوزراء من بين أعضاء هذا المجلس.. وأن تكون السلطة التنفيذية بيد الوزراء.. هؤلاء الوزراء يصبح من حقهم التقدم بمشروعات القوانين، على أن يكون لهم الاستقلال فى تمرير هذه القوانين، و يجب أن يكون ذلك الحق مقصوراً فقط على المجلس النيابى.

2ـ يجب أن تكون كل أمور الحكم غير المتصلة بإصدار القوانين، من اختصاص الوزراء، بما فى ذلك منح الدرجات والأوسمة، ويجب عدم وضع أى شأن من شئون الحكم فى يد الخديو، وكف يده عن التدخل فى شئون المؤسسات الدينية والتعليم العام، وكذلك إدارات الأوقاف والمحاكم الشرعية، والمحاكم المدنية، ،كذلك منح الدرجات والأوسمة.

3ـ يتعين أن يكون الموظفون والمسئولون من المصريين، ويتعين أيضاً أن يكون المدراء ونوابهم، وقضاة المحاكم الوطنية، سواء على مستوى الاستئناف أو أول درجة، يتعين أن يكونوا جميعاً من المصريين، ويتعين أن يكون أعضاء البلاط وسواهم من المصريين، لن يمكن السماح بتعيين الإنجليز مفتشين، وفى بعض الوظائف فى الإدارات الهندسية والتعليمية، وفى وظائف الأعمال الصناعية التى يتطلب معارف خاصة لا يمكن العثور عليها بين المصريين، لكن فى كل الأحوال يكون عمل هؤلاء المسئولين الأجانب تحت إشراف الوزراء، ويجب ألا يكون لمثل هؤلاء المسئولين أية سلطات إدارية أو قضائية حتى لا يضعف ذلك تأثير المسئولين الوطنيين.

4ـ يكون من حق أعضاء مجلس النواب مساءلة الوزراء عن تنفيذ القوانين، ويكون من حقهم أيضاً انتقاد الوزراء فى أعمالهم غير النظامية وغير المسئولة، كما يتعين على الوزراء تبرير أعمالهم إذا ما نشأ نزاع بين النواب والوزراء.

5ـ يتعين شغل الوظائف العسكرية فى الجيش للمصريين.

«محمد عبده»

هكذا كانت رؤية الشيخ محمد عبده لوضع دستور للبلاد.. وهى رؤية لها احترامها.. حيث وضعت فى ظل احتكار الأسرة الخديوية العثمانية للسلطة فى مصر.. وتحكمها فى رقاب الناس وإذلالهم وفرض المكوس.. وفى ظل ـ أيضاً ـ الاحتلال البريطانى الذى سيطر على كل مقاليد الحكم فى مصر بدءاً بالخديو نفسه حتى أصغر موظف مصرى.

بعد سنوات تحولت رؤية الشيخ محمد عبده الى مطالب.. والمطالب حملها تلاميذ محمد عبده بعد رحيله وحولوها الى حقوق يطالبون بتحقيقها.. الحق فوق القوة.. والأمة فوق الحكومة.. ثم كبرت كرة النار وتدحرجت وسقطت فى قلب الشوارع والميادين. وانتقلت الى القرى والنجوع والحوارى والأزقة.. وكانت ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول أحد تلاميذ الشيخ محمد عبده.. لتضع مصر بعدها دستور 1923 الذى لم يخرج كثيراً عما طالب به الشيخ الجليل محمد عبده.

أقول هذا الآن بمناسبة الحملة الشرسة التى يتعرض لها الأزهر خلال الأشهر الأخيرة.. وهى حملة المقصود منها ليس إصلاح الأزهر كمؤسسة دينية ليعود اليها عصرها الذهبى.. لكنها حملة تهدف الى هدم الأزهر فوق رؤوس شيوخه وعلمائه وأساتذته وطلابه.. وهى حملة خبيثة لابد أن ننتبه لها جيداً.

صحيح أننا فى حاجة الى إصلاح حقيقى للأزهر جامع وجامعة.. وصحيح أن هناك بعض الكتب تحتاج الى تنقيح.. لكننى فى ذات الوقت على يقين بأن الأزهر الآن يضم رجالاً قادرين على إحداث نهضة كبيرة وإصلاح حقيقى للأزهر لكى يعود الى مكانته الدولية كمؤسسة دينية تعبر عن جموع المسلمين فى كل بقاع الأرض.. وداخل الأزهر رجال لا يقلون علماً وشجاعة وصلابة ووطنية عن الشيخ الجليل محمد عبده.