رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صح النوم

الفن الحقيقي لابد ان يحرك الساكن ويضرب المياه الراكدة ويدفعها لشاطئ الرياح الجديدة والمرافئ والفنارات، والغناء اكثر مجالات الفن تعبيراً وتأثيراً عن حالة المجتمع ومزاج الناس ووعيهم وثقافتهم، والغناء هنا ليس فقط موسيقى وكلمات تغنى وأداء المغني بل هي حالة لها اكثر من ضلع أوله الكلمة وآخره المتلقي أو الجمهور وبينهما صناع الغناء، لذلك عندما نجد الكلام يعبر عن السذاجة والبلاهة ويكرر ماردده السابقون منذ عشرات السنين هنا نقول ليس هذا إبداعا وإنما سبوبة وبيرنس وعندما نجد ملحناً يرد على مطربة بألفاظ لاتذكر الا  في المواخير وعلب الليل فهذا لايمكن ان ينتج فنا من الأساس، وإنما يعبر عن ترد عام في المجتمع تحدث عنه الرئيس السيسي وربطه بالإعلام والفن، والطرب جزء من هذا الاعلام، وعندما أعلن أن أغنية القاهرة لعمرو دياب مسروقة من لحن وكليب عالمي وكلماتها ساذجة وان دخول منير ليغني كوبليه قد جمل ماهو قبيح عند دياب، هنا وجدت جمهور دياب يشن علي حملة شعواء بأحط الألفاظ على السوشيال ميديا وهذ يعبر بوضوح عن نوع الجمهور أو ألفانز وتربيتهم لأنهم على دين مطربهم ونجمهم  من حيث الوعي والثقافة والمستوى والذائقة والباقي مفهوم، وأنا شخصياً لاأعلم ماهو السر في خصام مثقفي مصر ونفور معظمهم من غناء عمرو دياب، كثيرا ماسألت نفسي هذا السؤال لماذا يكره المثقفون والنخبة دياب والحقيقة انني لم أصل لإجابة محددة لها، البعض مثل الخال الأبنودي  رحمه الله عندما سألته  ذات مرة فقال عمرو صوت شبابي تسمعه في الصيف وليس طول العام ولولا التليفزيون والكليبات لمات عمرو فنياً في مهده، اما الناقد كمال النجمي والذي حضر بدايات دياب فيرى انه مجرد مونولوجست لايريقى لدرجة المطرب ، وفي كل الأحوال انا لا أذكر أغنية واحدة عاشت لعمرو دياب، هو بدأ منذ الثمانينيّات وغنى عشرات الألبومات وأتحدى أن تذكر له أغنية واحدة من الذي غناها في الماضي، ربما لاتذكر إلا أغنية رصيف نمرة خمسة من إخراج خيري بشارة في فيلم آيس كريم في جليم والسبب أن خلفها شاعر  بجد هو مدحت العدل ولحن متماسك دراميا ومخرج عبقري، أما فيما عدا ذلك فكل  أغاني  دياب كلمات مستهلكة ومكررة وساذجة من نوع (الاستريو تايب) الغنائي عن الهجر والبعد والشوق الشوق والنار النار، والسر في شعبية دياب التي لاتنكر هو فراغ الساحة الغنائية من نموذج الجان الغنائي او فارس الأحلام بتاع زمان، يعني عمرو دياب أصبح بعضلاته وحفاظه على جسده وشكله أقرب للموديل أو (الشيب) منه للمطرب وهذه صناعة الميديا والإعلانات وليس للفن أو الطرب علاقة بالشهرة هنا، يعني لو ظهر عمرو في عصر عبد الحليم لكان  سيظل يحيى الأفراح المحلية في بلده بورسعيد حتى الآن لكن ثورة الاعلام والتكنولوجيا والتسويق والسوشيال ميديا صنعت منه نجوميته الكاسحة وجعلته يحصد الملايين ولا حسد، لكن هل يبقى منه شىء كمطرب، أكاد أجزم ان أغانيه تتلاشى بعد ساعات من إطلاقها أو بحد أقصى أيام أو سيزون الصيف ودمتم، ولوحللت أية أغنية كلاماً ولحنا فلن تجد فيها أي إبداع أو قيمة مضافة للفن، لن تدهشك لاصوتاً ولالحناً ولا كلاماً، بل ان عمرو نفسه يكاد يكر ر ماغناه منذ ربع قرن عن الحب والعشق والهوى والغرام بنفس الأسلوب العقيم السطحي الخالي من أي دهشة أو سحر،  والسبب في رأيي أن دياب لم يفكر أبداً أن يطور نفسه أو يبحث ويقرأ في  كتاب أو ديوان  شعر ولايعرف الفرق بين الأغنية والقصيدة بمدارسها وأنواعها ولم يجالس رموز الفكر والثقافة والإبداع كما كان يفعل جيل العظماء من المطربين ولو أنه حاول تثقيف نفسه أو الحوار مع  مفكر أو أديب  لتغير إنتاجه ولامس الخلود وأنا أعلم شلة دياب جيداً والطيور على أشكالها تقع، العكس تماما تجده عند منير الذي بنى اسمه في صخر التجربة وتحدى الصعاب وغامر وحلق في آفاق لم يرتدها مطرب قبله سواء على مستوى الكلمة  الشعرية  أو اللحن أو التوزيع أوالشكل أو حتى اُسلوب الملبس ومايتعلق به من هوية وشخصية، منير أسطورة حصدت عشق الأجيال وتستطيع ان تسأل الأكبر منكو أو الأصغر أو ابنتك وابنك لتجد إجماعاً على عشقه فيجمع كل الأجيال لأنه يمثلهم بل يجسد حالة وطن ينشد التميز والانتماء ويؤكد هويته الفتية والوطنية، منير جالس كبار الأدباء والمفكرين وقرأ لكبار الشعراء وحفظ أشعارهم ولم يتقيد أن يغني مذهباً وكوبليه وهذا الشكل العقيم للغناء المعاصر بل خاص غمار القصيدة بأشكالها وغناها بحداثتها وتجاوز القالب التقليدي للغناء المتهافت معنى وشكلاً، أليس هو من غنى شبابيك في وقت لم يجرؤ مطرب أن يذكر هذه المفردات، شجر اللمون وهذه الصورة الشعرية المركبة والموحية لأزمة وطن وجيل وألم يغن افتح زرار قميصي، ثم سبت الدبلة  وسبت الساعة في أروع وأعمق تجسيد للتمرد على الملل والعادة، ثم هو يحلق لسنا مع الرومانسية في صورة من أعذب ماسمعت مع (لما النسيم بيعدى بين شعرك حبيبتى بسمعه بيقول آهاات)

وعطورك الهادية اللى دايبة فيكى كل ما تلمسك بتقول آهاات

عايزانى ليه لما تقوليلى بعشقك ما أصرخش وأملأ الكون آهاات

يا نجمة كل ماضيها يلمس حجر

يعلى ويتحول قمر

بكتب حروف اسمك بحبات الندى

على كل أوراق الشجر

مين اللى يقدر يعشقك قدى أنا

مين اللى يقدر يوصفك زى أنا

يا حلم نفسى تحلمه كل القلوب

يا أعلى إحساس شدنى خلانى أدوب

خلانى أحس إنى بشر

عايزانى ليه لما تقوليلى بعشقك ما اصرخش واملا الكون آهاات) هل غنى مطرب من جيل منير مثل هذه الصور الشعرية المركبة، يقول كافكا ان المغني الحقيقي هو من يضع اصعب الأفكار والمشاعر في أبسط القوالب فيشعر المتلقي أنه وجد من يعبر عنه بحق وهذا مافعله منير، ألم يغن أنا قلبي مساكن شعبية، هل يجرؤ احد ان يغامر بغناء هذا المعنى، لكل ماسبق أنا لم أسمع من أغنية القاهرة التي افتتحها عمرو دياب بنمطية شديدة لحنا وكلامه إلا عندما غنى منير نفس الكلمات بعمق وإحساس ساحرين أما دياب فلم يتجاوز صوته تحريك فمه وفقط.