رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نقطة ساخنة

«لماذا تبدل حال المصريين من شعب طيب مسالم يرضى بالقليل.. إلى شعب من الطماعين الجشعين.. يعشق الفوضى.. يحب الفضائح.. يريد أن يأخذ دون أن يعطى؟!!!

 

ماذا جرى للمصريين؟!.. لماذا تبدل حالهم من شعب طيب.. مسالم.. يرضى بالقليل.. إلى شعب من الطماعين الجشعين؟!.. شعب من الكذابين المنافقين.. شعب يعشق الفوضى.. يحب الفضائح. يريد الحصول على المال دون أن يعمل..  شعب ينتقد كل شىء حوله رغم أنه لا يحترم القانون ويرتكب كل أنواع المخالفات؟!!..

هل نحن شعب من الطيبين البسطاء.. أم شعب من الفراعنة الظلمة مثل حكامنا؟!!..

الواقع يؤكد أنه إذا كانت السلطة الحاكمة قوية مستبدة تمارس القهر ضد شعبها.. فإن الشعب يظل خانعاً مطيعاً منفذاً للأوامر.. أما إذا ضعفت السلطة أو انهارت.. تحول الشعب الى وحش كاسر.. يأكل القوى فيه الضعيف ويلتهم حقوقه.. نمارس البلطجة على بعضنا البعض ونعتبرها قانون المرحلة.. وهذا ما يحدث الآن فى مصر!!

عندما قامت ثورة 25 يناير 2011 وأسقطت نظام مبارك الفاسد المستبد.. تصورت أن الثقة بالنفس ستعود الى شعوب مصر.. وأن المصريين سيخرجون أفضل ما فيهم.. كما فعلوا طوال أيام الثورة حتى سقوط الديكتاتور.. لكن شيئاً ما حدث قلب كل الموازين.. فجأة انفجر البركان فخرج أسوأ ما فى المصريين من بلاوى سودا.. خرج كل ما هو سيئ.. كل ما هو فاسد.. كل ما هو مخالف للأخلاق والقيم والعادات والتقاليد.. خرج ما كان مكبوتاً بداخلهم نتيجة سنوات القهر والذل والظلم والبطش وضياع الحقوق التى عاشوها سنوات طويلة.. فمارسوا الحرية بشكل سيئ وحولوها الى فوضى.. ومارسوا الديمقراطية بشكل أكثر سوءاً فحولوها الى شتائم وابتزاز لتصفية الحسابات.. لم يعد أحد يحترم أحداً.

على الفضائيات.. من كانوا ينافقون مبارك ليل نهار ويسبحون بحمده.. تحولوا فجأة الى زعماء معارضة.. ينتقدون مبارك ونظامه ويسبونه ويلعنون سنسفيل أبوه«!!».. ومن نهبوا المال العام وسرقوا مصر.. تحولوا الى مناضلين يقودون الجماهير«!!».. ومن كانوا منبطحين ومختبئين فى الجحور طوال فترة حكم مبارك لا يستطيعون أن يقولوا «بم» تحولوا الى مناضلين شرفاء ونشطاء سياسيين!!!

الشخصية المصرية عجيبة وغريبة.. وتستحق الدراسة

مثلاً: نحن أكثر شعوب الأرض حرصاً على الذهاب الى الأراضى المقدسة لأداء فريضة الحج.. ولأداء العمرة.. والمصريون يبيعون مصوغاتهم ومواشيهم وبيوتهم ويستدينون لأجل أداء هذه الفريضة.. ونحن أكثر شعوب الأرض الحريصة على الذهاب الى المسجد لأداء صلاة الجمعة.. وصلاة التراويح فى شهر رمضان.. المساجد تكون دائماً عامرة بالمصلين.. ورغم ذلك نحن أكثر شعوب العالم كذباً.. ونفاقاً.. ورياء.. ونميمة.. شعب غريب!!

هل هذه هى حقيقة «الشخصية المصرية».. أم أن هناك عوامل أثرت فيها.. وحولتها الى شخصية انتهازية؟!

فى عام 1876 ـ أى منذ 140 عاماً ـ كتب «ولفريد سكاون بلنت» فى مذكراته التى صدرت بعنوان «التاريخ السرى للاحتلال الإنجليزى لمصر» يصف الشعب المصرى وتحديداً الفلاحين الذين يمثلون غالبية الشعب المصرى.. قال: «الفلاحون طيبون.. وهم أمناء.. لديهم كل الفضائل التى يمكن أن تساعد على تكوين مجتمع سعيد ميسور الحال.. هؤلاء الفلاحون مرحون ومجدون ومطيعون للقانون.. وهم ليسوا مقامرين ولا محبين للشجار.. كما أنهم ليسوا فسقة.. إنهم يحبون بيوتهم وزوجاتهم وأطفالهم.. وهم رحماء بالحيوانات الخرساء.. ورحماء بكبار السن وبالشحاذين.. وليست لهؤلاء الفلاحين مطامح سوى أى يعيشوا ويتركوا الآخرين يعيشون.. هؤلاء الفلاحون أسيئت معاملتهم على امتداد عصور طويلة دون أن يفقدوا طيبة قلوبهم».

هكذا كانت الشخصية المصرية.. وهذه هى صفات المصريين.. أما حكامه وقياداته ـ وكانوا من غير المصريين ـ فقد كانوا يمارسون كل أساليب القهر والذل والطغيان ضد الشعب المصرى.. ورغم ذلك لم يثر الشعب ضد الاستبداد.. ظل خانعاً مستسلماً!!.

واحد من أكبر مفكرى القرن العشرين وهو الأستاذ أحمد لطفى السيد.. وقد هاله ما فى «الشخصية المصرية» من عيوب.. أخطرها المراءاة والنفاق وممالأة الأقوياء واسترضاء السلطة.. وقد أرجع بكل هذه العيوب الى مصدر واحد هو موقف المصريين الخاطئ من السلطة.. فهم ـ أى المصريين ـ يطلبون من الحكومة أن تقوم عنهم بكل ما ينبغى أن يقوموا هم به.. لذلك اتكلوا عليها وتنازلوا عن حقوقهم وواجباتهم.. ومع ذلك لا يثقون بها.. ولا يحبونها.. بل يخشونها ويشكون فيها.. ويحاولون الهرب من رقبتها كأنها غريبة عنهم ومعادية لهم.. ولذلك يعطفون على الذين يقعون فى قبضة العدالة مهما كان ذنبهم.. ليس بسبب تفضيل الظلم على العدل.. بل لأن الحكومة وأعوانها لا يسعون لمصلحة الأمة!!

ويعزو «لطفى السيد» اتخاذ هذا الموقف الخاطئ من الحكومة الى أن المصريين أصيبوا دوماً بالحكومات الفاسدة المستبدة.. مما خلق فيهم رذائل الخنوع».. وهذه رؤية «لطفى السيد» فى الشخصية المصرية.

لكننى أرى ـ من وجهة نظرى ـ أن كل العلل والأمراض التى أصابت الشخصية المصرية.. لم تصدر عن الطغيان المحلى فقط.. وإنما الاستبداد الخارجى أو الحكم الأجنبى الذى ساد مصر خلال ليل طويل استمر أكثر من 2500 سنة.. فقد تكالبت على مصر قوى خارجية كثيرة.. جميعهم انتهكوا حرماتها وسلبوا خيراتها واستعبدوا شعبها.. فجاء الطغيان الأجنبى أشد فتكاً وضراوة من الطغيان الوطنى أو قل ان الاستبداد الأجنبى  وجد فى الاستبداد المحلى معاوناً له على قهر الشخصية المصرية.. واستنزافها حتى أصيبت بالضمور وفقر الدم معنوياً وعملياً.

لقد دخل مصر جنسيات كثيرة مع المستعمرين.. كان أغلبهم من المرتزقة الأفارقة والبربر والشركس والعجم والروم والحبشة والهند وجورجيا وتركستان وصقليين وأندلسيين وترك.. غالبية هؤلاء كانوا يتقلدون المناصب العليا فى البلاد ويشكلون جيش مصر.. هذه الجاليات الأجنبية جلبت معها عاداتها وتقاليدها وأخلاقها وموروثاتها ومذاهبها الدينية والحضارية.. وكان من الطبيعى أن تترك كل هذه العناصر الأجنبية بصماتها على «الشخصية المصرية» وأن تؤثر على المجتمع المصرى فى عاداته وتقاليده وثقافته.

ولا تصدق ما يقال لك أن مصر مقبرة الغزاة.. وان المعدة المصرية هضمت المؤثرات الأجنبية ولم تتأثر بها.. هذا الكلام يقال لك من باب التعزية.. ومن قبيل التفاخر الذى يفتقد شواهد منطقية.. لأن هؤلاء الأجانب كانوا يملكون صلاحيات فرض أفكارهم وعاداتهم ودياناتهم على المصريين.

ويكفى أن تنظر حولك لترى أثر الزحف الأوروبى على مصر.. منذ نابليون بونابرت.. والذى بلغ عنفوانه بعد الاحتلال البريطانى لمصر.. وأثر ذلك فى الحياة الاجتماعية والسياسية والقانونية والثقافية للمصريين.

الخلاصة.. الأمراض والعلل التى أصابت «الشخصية المصرية» وشوهتها وحولتها الى ما نحن عليه الآن.. تحتاج الى بحث عميق من خبراء علم الاجتماع.. وخبراء علم الاجتماع السياسى.. وخبراء علم النفس.. لإعادة بناء الشخصية المصرية من جديد.. لأن الاستثمار فى البشر أهم من الاستثمار فى الحجر.. وبدون إعادة بناء المصرى فكرياً وتربوياً وأخلاقياً.. لن تكون هناك نهضة علمية لهذا البلد.