رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نقطة ساخنة

«طوال 60 عاماً مضت.. كانت الحكومة تلقن موظفيها فنون التزوير والتزييف والسرقة والنهب والسلب والتلاعب بمصير الأمة.. فكانت المثل الأعلى»

 

الحكومة التى تمارس الكذب على شعبها.. لا تدرك أنها ترتكب جريمتين مدمرتين لشعب بأكمله.. الجريمة الأولى: أن الشعب يفقد الثقة فى حكومته.. لا يصدقها.. لا يحترمها.. لا يثق فى قضائها.. ولا يثق فى الحاكم.. أما الجريمة الثانية وهى الأكثر خطورة، فهى أن الشعب يسلك نفس الطريق الذى سلكته الحكومة.. ويسير على نفس الدرب.. يتحايل على القوانين.. يحتال على الدولة.. يبدع الأساليب والخدع والألاعيب التى تمكنه من الهروب من أداء واجبه والتزاماته تجاه الدولة.. ومن ثم يكون لدينا حكومة كاذبة.. وشعب محتال.. وهذا ما ارتكبته عشرات الحكومات فى مصر طوال 60 عاماً مضت.

هل تتذكرون كم مرة أعلنت الحكومة أنها لن ترفع الأسعار.. ثم نفاجأ بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر على الأكثر بارتفاع الأسعار.. وكم مرة وعدونا بالمن والسلوى.. وكم مرة بشرونا بقرب الخروج من عنق الزجاجة.. وكم مرة وعدت الحكومة بقرب تحسن الأوضاع الاقتصادية.. عشرات.. مئات.. آلاف المرات.. ثم طارت كل الوعود فى الفضاء.. ثم كم مرة خدعت الحكومة الشعب وتحايلت عليه.. مثلاً: ابتكرت الحكومة وسيلة جهنمية شيطانية للاحتيال على المواطن.. فبدلاً من رفع سعر السلعة تقوم ببيعها فى عبوات أقل وزناً.. فالكيلو جرام يتحول فجأة الى 900 جرام أو 800 جرام أو 750 جراماً.. يباع بنفس السعر الذى كانت تباع به العبوة ذات الألف حرام!!

الكذب فى مصر لا يحاسب عليه القانون أو الدستور.. هل رأيتم وزيراً أو محافظاً أو مسئولاً كبيراً تمت محاسبته أو محاكمته على ما صدر منه من أكاذيب ووعود وتصريحات لم ينفذ منها حرفاً واحداً؟!!

الرئيس الأسبق حسنى مبارك كذب على الشعب المصرى مرات كثيرة.. ومع ذلك لم يحاكم على واحدة منها.. حدث ذلك عندما تولى السلطة خلفاً للرئيس الراحل أنور السادات.. قال مبارك بالحرف الواحد: «سوف أكتفى بفترة رئاسية واحدة» مدتها 6 سنوات.. ثم ظل جاثماً على صدور المصريين 30 عاماً كاملة.. وكان ينتوى البقاء فى السلطة لولا إرادة الله ومن بعده إرادة الشعب المصرى.. هذه مرة.. أما الثانية: عندما قال مبارك أمام عمال مصر فى عيدهم انه لن يسمح ببيع القطاع العام.. ثم فوجئنا به يبيع أكثر من 230 شركة قطاع عام.. وتم تشريد عمالها بعد بيعها بأبخس الأثمان.. ولا يعرف أحد أين ذهبت أموال البيع؟!.. أيضاً «مبارك» كذب على الشعب المصرى عندما أعلن فى عام 1999 انه لن يبيع أياً من البنوك الوطنية الأربعة «الأهلى ـ مصر ـ القاهرة ـ الاسكندرية».. ثم بعدها بسنوات فوجئنا بالدولة تبيع بنك الاسكندرية لمشترٍ إيطالى «!!».. بعدها تم عرض بنك القاهرة للبيع.. ولولا تصدى جريدة الوفد ـ فى ذلك الوقت ـ لعملية البيع.. لكان مصير بنك القاهرة نفس مصير بنك الإسكندرية.

الحاكم هو القدوة والمثل.. والحكومة أيضاً.. إذا انصلح حالها انصلح حال الشعب.. واذا طبقت العدالة على نفسها.. من المؤكد ان المواطن سيلتزم بالقوانين وسيرضى بحكم القضاء العادل.. لكن إذا كذبت الحكومة على شعبها.. فماذا تنتظر أن يكون سلوك شعبها تجاه حكومته؟!

مثلاً: عندما يصدر حكم قضائى لصالح الدولة ضد أى مواطن.. فهى ـ أى الحكومة ـ تشمر عن سواعدها.. تكشر على أنيابها.. تحشد القوات والسيارات المصفحة فى هجوم مسلح كاسح.. ولا تنتظر دقيقة حتى تأخذ حقها تالت ومتلت.. أما إذا حدث العكس.. أى أن مواطناً يحصل على حكم قضائى لصالحه ضد الحكومة.. فهى ـ أى الحكومة ـ تورية أيام سودا.. ترفض تنفيذ الحكم.. تماطل.. تتلاعب.. وعليك أن تخبط دماغك فى الحيط.. وقد يموت صاحب الحق قبل ان يحصل على حقوقه.. وهل هذه عدالة؟!.. بالمناسبة: فى مصر عشرات الآلاف من القضايا التى صدرت فيها أحكام نهائية لصالح مواطنين ضد الحكومة ولم تنفذ هذه الأحكام.. ابحثوا فى ملفات مجلس الدولة لتعرفوا حجم المأساة.

قاعدة أخرى خطيرة سنتها حكوماتنا فى دولة العلم والإيمان.. فى عهود سابقة «عبدالناصر ـ السادات ـ مبارك».. كانت الدولة تلقن موظفيها فنون التزوير والسرقة والنصب والاحتيال والتلاعب بمصير الأمة.. كيف؟!

فى كل انتخابات برلمانية كانت الحكومة ـ كما هو الآن ـ تستعين بالمدرسين وموظفى الإدارات المحلية والعاملين بالمصالح الحكومية للاشتراك فى إدارة الانتخابات.. وكانت الحكومة تأمر هؤلاء الموظفين بتزوير الانتخابات.. تسويد البطاقات.. وتغيير الصناديق.. لصالح مرشحين تابعين للسلطة الحاكمة.. هؤلاء الموظفون الذين شاركوا فى عملية تزوير الانتخابات.. ماذا تنتظر منهم عندما يعودون ليمارسوا أعمالهم؟!.. هل سيكونون أسوياء.. صالحين.. يعطون العمل حقه.. شرفاء يؤدون عملهم بأمانة ونزاهة؟!.. من المؤكد أنهم بعد أن تلقنوا دروس التزويز والتزييف وسرقة الأصوات والاحتيال.. أن يطبقوا هذه الدروس فى أعمالهم.. يتحولوا الى موظفين فاسدين.

دولة تسير على هذا النهج سنوات طويلة.. ماذا تنتظر من مواطنيها.. من المؤكد أن البائع سيتلاعب فى الميزان.. والمدرس لن يراعى ضميره فى مدرسته فيلجأ الى الدروس الخصوصية التى تمص دم أولياء الأمور.. والمهندس والمقاول سيسرقان الحديد والأسمنت.. والموظف سيرتشى.. والطبيب سيتاجر فى مرضاه ويبيعهم قطع غيار.. والمواطن سيسرق الكهرباء وهو مرتاح البال.. ورجال الأعمال سيتهربون من دفع الضرائب المستحقة عليهم.. والتجار سيحللون رفع الأسعار ومص دم الغلابة!!

«أنا ومن بعدى الطوفان».. هذا هو الشعار الذى يسير عليه معظم المصريين بعد أن تلقنوا فنون الغش والتزوير والنصب والاحتيال والكذب من حكوماتهم.. فمن يحاسب من؟!

هذه المصيبة التى حلت على مصر.. صنعتها حكوماتنا السابقة.. وللأسف صارت قواعد وسنناً مازلنا غارقين فى تفاصيلها.. ونعانى ويلاتها.. و يدفع الجميع ـ شعباً وحكومة ـ ثمنها غالياً لها.. وهذه مسئولية الدولة الآن.. هى مسئولة عن إعادة الثقة مرة أخرى بين الحكومة والشعب.. وقبلها عليها ان تتطهر من أفعال وجرائم ارتكبت من قبل ومازلنا نتجرع مرارتها.. وتفسد علينا كل خطوة الى الأمام.

والحل ـ من وجهة نظرى ـ فى تحقيق العدالة وتطبيق القانون بين الجميع.. الوزير قبل الغفير.. والحاكم قبل المحكوم.. وقتها نستطيع القول.. إن مصر وضعت قدميها على بداية الطريق الصحيح.

وتذكروا دائماً: إن الله يقيم الدولة العادلة حتى لو كانت كافرة.. ولا يقيم الدولة الظالمة حتى لو كانت مؤمنة.