رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

طالعتنا الصحف المنشورة خلال شهر ديسمبر 2015، وكذا مواقع التواصل الإجتماعي بتصريح منسوب إلي السيد المستشار/ هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، مضمونه أن تكلفة الفساد في عام 2015 تجاوزت 600 مليار جنيه.

وفي الحقيقة، فقد أثارني هذا التصريح، وحرك بداخلي غريزة الفضول، باعتباري أحد أعضاء هذا الجهاز العريق لمدة تزيد علي ثلاثين عاماً مضت، هذا من ناحية، ومن ناحية أخري باعتباري رجل إقتصاد متخصص.

وبالتدقيق في تصريح السيد المستشار نجده قد جانبه الصواب شكلاً وموضوعاً:

أما من حيث الشكل، فليس هذا وقته يا سيادة المستشار، ومصر تناطح الصخر من كل جانب، إذا كانت لديكم الحكمة في إتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وليس هذا محله يا سيادة القاضي، إذا كانت لديكم ذرة من فقه الأولويات، كرجل مسلم ينبغي أن يكون كيِّساً فطناً، إلا إذا كان لكم في ذلك مآرب أخري.
وأما من حيث الموضوع فكما أعرف بخبرتي في العمل الرقابي، أنه لا يتوافر لديكم الحصر الكامل للتقرير السنوي الذي يعد بعد إنتهاء شهر ديسمبر من كل عام علي مستوي الجهاز بفرعيه، حتي تصرح بأن حجم الفساد عام 2015 وصل إلي هذا القدر، وشمس هذا العام لم تغرب بعد، وإنما المتاح لديكم هو التقرير الدوري عن الفترة من 1/1/2015 وحتي 30/6/2015، أي عن ستة أشهر فقط، وأما النصف الآخر فلم يحن بعد وقت إعداده، كما أنه بالبحث نجد أن إجمالى المصروفات المقدرة لعام 2014/ 2015 (حتي 30/6/2015) طبقاً للموازنة التقديرية لهذا العام والتي لم يعتمد حسابها الختامي بعد، هو مبلغ 789.4 مليار جنيه، ولا يعقل أن يصل حجم المخالفات والفساد بها إلي 600 مليار كما تدعي، لأن مؤشرات الرقابة، أو مؤشرات  مدركات الفساد المحلية والدولية تتراوح بين 20% : 40% علي أقصي تقدير، ولا يمكن أن تصل إلي ما يتجاوز 75% من حجم المصروفات، كما تدعي في تصريحك، وإلا وصمت مصر بأنها ليست دولة، بل مستنقع للفساد (وهو ما نستعيذ بالله منه حاضراً ومستقبلاً)، ثم كيف وصلت إلي هذا الرقم، والجزء الأكبر من مستندات الصرف، وتسويات الإيرادات لعام 2015 لم تفحص بعد، حيث لا يتم فحص مستند الصرف أو الإيراد قانوناً إلا في الثلث الأخير من الشهر التالي لواقعة الصرف أو الإيراد، ونحن مازلنا في شهر ديسمبر من عام 2015.

سيدي المستشار: أرجو أن تكف عن التصريحات والجلوس أمام الكاميرات في القنوات الفضائية فتتكلم أكثر مما تفعل، ويقال في الأمثال أن من كثر قوله قل فعله، وقد سبق لسيادتكم التصريح في مؤتمرات صحفية ولقاءات تليفزيونية عن فساد الحزام الأخضر وخلافه، وقد سمعنا منك ضجيجاً ولكن لم نري طحينا.

سيدي الفاضل: لو كنت من أهل الجهاز لعلمت في أولي الدورات التدريبية لعضو الجهاز تحت التمرين، أن هناك ما يسمي أمن المعلومة، فأنت أمين علي معلومات، وأسرار خطيرة، لا تطلق في الهواء هكذا كما تفعل، ولكن هناك قنوات شرعية يمكن أن ترفع إليها تقارير الرقابة كما هو موضح تفصيلاً بقانون الجهاز، وكما أشارت إلية المادة 217 من دستور مصر 2014، وبعد أن تتخذ هذه الإجراءات الدستورية تنشر علي الرأي العام فى كتاب موثق، لا أن تنشرها قبل أن تعلم بها الجهات المسئولة، إلا إذا كنت تغرد بمفردك خارج السرب، أو كانت لك فيها مآرب أخري.

سيدي المستشار، إن تصريحكم المطلق بهذا الشكل، هو بمثابة إتهام للحكومة، والمفروض أن الجهاز ليس سلطة إتهام ،بل أعماله من قبيل جمع الإستدلالات التي توضع أمام المسؤولين بالسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، لإعمال شئونها حيال المسئولية الجنائية أو المسئولية السياسية، وحسناً فعل رئيس الجمهورية عندما شكل لجنة لفحص ما جاء بتصريحكم المشار إليه، غير أنكم بهذا التصريح، قد وضعتم الجهاز في موضع إتهام، وهو الذي يراقب سلطات الدولة بأكملها لا أن تشكل لجنة لمراقبة أعماله، كما أعطيتم الفرصة للزج بكم نحو قفص المتربصين، ومن ثم فقد أصبحتم في وضع لا تحسدون عليه، وكان الأولي بكم العمل في صمت لحل مشاكل الجهاز المتراكمة علي مدار خمسة عشر عاماً، لم تمتد إليه يد التطوير الحقيقي في العمل الرقابي، بل يدمر بالبطئ، حيث تسند رئاسته إلي من هم غير أهله، فأداروا الجهاز إما بطريقة التجربة أو الخطأ، وإما بطرق أخري أبعد ما تكون عن الكفاءة والمهنية.

ولا يخدعنكم العطاء المادي الذي تفضلتم به علي أعضاء الجهاز، فهم يستحقون أكثر من ذلك ومنذ فترة طويلة،وليس منذ ثمانية أشهر كما فعلتم.

سيدي المستشار أنصحك مع إحترامي لقدرك ومنصبك، ولكني أكثر منك خبرة بطبيعة عمل الجهاز : إبتعد عن وسائل الإعلام وابكى علي خطيئتك، وليسعك بيتك وهو الجهاز، وأعكف علي معالجة مشاكله، وتطويره، فيما بقي لك من وقت ضائع، ربما تحرز فيه هدفاً يشفع لك، فلديك عجز رهيب في قوة العمل الفني بالجهاز، وحتي إذا قمت بتعينات جديدة اليوم فسوف تجد صعوبة في التأهيل السريع لها لإتساع الفجوة الزمنية بين الدرجات الوظيفية الحالية ومن يستجد، في الوقت الذي يوجد لديك فيه ترهل في العمل الإداري، والتنظيمي، ولديك أيضاً أموال مهدرة في صورة مستشارين بلا عمل، و قطاعات بلا قيادات، في الوقت الذي يتكدس فى قطاعات أخري بالجهاز درجات لوظائف عليا (خاصة وكيل وزارة)، هذا بالإضافة إلي الحالة النفسية المتردية لكبار الأعضاء الفنيين، ممن يجبرون علي العمل الميداني بعد أن بلغوا من العمر ما يستوجب الإستعانة بهم للإشراف أوالتوجيه وليس الفحص الميداني، لسد عجز لا ناقة لهم فيه ولا جمل، إلا من سوء الإدارة، وجهل القائمين عليها لطبيعة العمل الفني بالجهاز خاصة فى قطاعات معينة، هذا بالإضافة إلي تدني المستوي الفني والعلمي لبعض الأعضاء، لعدم تمشي سياسات التدريب مع متطلبات العصر ( محاسبات متطورة، تكنولوجيا إتصالات، حكومة إلكترونية، شبكات إلكترونية، مستندات إلكترونية، إضافة إلي الخلفية القانونية، والإتجاهات الحديثة فى إعداد ومراجعة الموازنة العامة ... إلخ)، هذا بخلاف المقرات السيئة بالمحافظات، والأثاث المتهالك، والبطء في إتخاذ القرار، والأخذ أخيراً بتطبيق سياسات اللامركزية دون  الإعداد اللازم لها منذ مرحلة إعداد الدستور، حتي أصبح الجهاز المركزي إسماً علي غير مسمي، كما أنصحك أخيراً بالتخلص من مستشاري السوء، والبطانة الفاسدة، وللحديث بقية وبتفصيل أكثرإن شاء الله.

 

مستشار سابق بالجهاز المركزي للمحاسبات

والمحاضر بالجامعات المصرية