عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

إذا أردتم أن تكتبوا، فمجالكم هو كتابة الحواديت لتسلية الناس مثل حدوتة الشاطر حسن وحدوتة أمنا الغولة والضفدعة الصغنونة وغيرها من الحواديت الاستهلاكية للوقت وللبشر، وهذا هو مجالكم أيها الكتاب الحشريين المتطفلين على مائدة السياسة والسياسيين، وانسوا تماماً أنكم المصريون الذين كانوا أول من كتبوا وسجلوا على الأحجار الصماء ما يدور في فلك زمانهم القديم كما كتبوا على أوراق البردي الملساء تاريخ دنياهم وحضارتهم مقارنة بالشعوب القديمة. لكن هذا تاريخ مضي إلى غير رجعة فلا تحاولوا أن تستحضروه فى كتاباتكم الحديثة ولا فى أيامكم ولياليكم أو حتي أحلامكم.. لأن الدنيا تسير إلى الأمام ولا ترجع إلى الخلف وأنتم يا مصريون جئتموها من الآخر وتوقفتم عندما تحرك الآخرون من غيركم للأمام.. لأنه لم يكن هناك شيء لم تبدعوه، كان الناس زمانكم نياماً فى ظلمات الجهل والجهالة وأنتم وحدكم تصنعون التاريخ والحضارة والرقي بينما شعوب الأرض كافة تحبون كالأطفال تنظر إليكم فى إجلال وإكبار.. فأنتم من بدأتم.. وعز عليكم أن تعودوا من جديد لتبدأوا تاريخاً حديثاً متغيراً عما سبق. وأن تحبوا من جديد بلا وجل أو حرج كما بدأ يحبو العالم من بعدكم.. ولكن كيف يحبو الكبير وقد اشتد عوده وصار قوياً قادراً وصنع كل ما شاء من معجزات.

لكن عجلة الزمان تدور «هكذا الحياة» دارت العجلة، حبا الآخرون ومع الوقت اشتد عودهم شيئاً فشيئاً.. ثم صار أو صاروا شيئاً كثيراً وكبيراً ودانت لهم الدنيا وفتحت لهم خزائنها التى كانت قد أقفلت عليكم بعدما تكبرتم عليها.. واعتقدتم انكم عرفتم كل شيء وصنعتم كل شىء ولن يستطيع جنس بشري آخر أن يعرف ما عرفتموه وأن يصنع شيئاً مما صنعتموه وتلك هي النكبة الكبري.. لأنكم تعاليتم على الدنيا وهي لعوب متغيرة بتغير الأوقات والأزمان وتؤتي قيادتها لمن يداوم على إمساك اللجام ولا يتركها لتهرب منه لغيره.. كنتم قد مسكم الغرور القاتل بأنكم أسياد الدنيا.. ألم يقل فرعونكم: «أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون» صدق الله العظيم.. ذاك كان منطقكم الدنيا فى يدكم وأنهارها الذي هو نهر النيل وروافده هي أنهار الدنيا.. نظرة مستعلية قاصرة رغم قوتكم وجبروت حكامكم القدماء.. وانعكس ذلك على الشعب، على الفلاح البسيط الذي كان يقول فى عفوية «الدنيا اللي رواها النيل» وكأن الدنيا هي مصر ليس إلا وكأن النيل هو من يروي كل الدنيا.. وبما أن مصر هي أم الدنيا وهي الدنيا أيضاً وقد صنعنا بها كل ما نريد وليس من مزيد نراه لنصنعه مجدداً فعلينا الراحة والاسترخاء.. وكان.. كانت حالة الراحة والاسترخاء اللتين طالتا كثيراً وتماديا فى زيادة علي الحد والمطلوب.. وفقدت مصر ريادتها وتقلص دورها بعدما تكبرت على الوجود فى مطلع الحضارة الدنيوية.. ووصل بها الأمر أن توقفت عن الابداع وبعد أن كانت هي المعرفة والعلم والحضارة والقدرة والمثل الذي يحتذي لكل الشعوب والأمم التى كانت مازالت بكرية.. نائمة فى الجهل والفقر والفاقة، تغير الحال.. فقد تحركت الأمم والشعوب الأخري حسيساً لكي تصنع شيئاً.. أي شيء مما حققه المصريون.. وعملت هذه الشعوب واجتهدت وأخذت عنكم ومنكم دون أن تطلب ذلك على عرضحال دمغة.. واستمرت تحاول وتجتهد حتي دالت لها أيامها ودنياها الجديدة.. إلى أن صارت شيئاً آخر وصنعت حضارات حديثة أوصلتها إلى أن تكون صاحبة الراية وسيدة الدنيا الجديدة.. وحازت كل شىء بينما مصر.. صارت ذكري وفكرة جميلة قديمة تعيش على أطلالها الباقية التى تحدت الزمن وعوامله والتى تجسد عظمة كانت ورفعة زالت.. وآثاراً خالدة تئن حسرة على أيامها التليدة وصانعوها الذين واراهم الثري.. وهي تقول فى حسرة وبصوت غير مسموع، ليت من أقامونا شواهد عبر العصور.. ليتهم استمروا وجددوا ولم يتكبروا علي الخلائق والدنيا... أو ليتهم ما تقوقعوا على أنفسهم.. ثم انها تنظر إلينا نحن أحفاد من أقاموها وتقول هامسة بصوتها غير المسموع.. ليت من أقامونا من أجدادكم العباقرة استمروا وجددوا ولم يتكبروا أو يتقوقعوا حول أنفسهم وزمانهم، ثم إنها تنظر إلينا هذه الآثار العملاقة التى صنعها الأجداد القدامى وتقول هامسة مرة أخري بصدي الأماكن وجلالها.. ليس أمامكم يا أحفاد من أقامونا... إلا الحكاوي.. اكتبوا الحكاوي لكي تسرّي عنكم وتسليكم وربما.. ربما تلهم بعضاً منكم ممن تسري دماء القدامي فى عروقهم فيشدون عن الطوق ويرفعون غمة الكسل والتواكل الذي حل بكم على مدي العمر الطويل.. وربما وجد هؤلاء فى أنفسهم همة وفي قلوبهم عزيمة وشجن ولوعة وحنين جارف إلى المجد القديم الذي نتمثله نحن أمام أعينكم.. ولربما هجر هؤلاء الاصفياء منكم الكسل والنوم الطويل فى العسل والتواكل والاتكال.. واستقبحوا الحكاوي البائسة التى تزيدكم خنوعاً وقنوطاً.. ولربما انتفضوا من ثباتهم المر وهجروا الجمود القاتل واللامبالاة المزرية وتعلقوا مرة أخري بأسباب النهوض التى كانت ديدناً لأجدادكم العباقرة العظماء من علم وفكر وثقافة وجد واجتهاد.. أملاً فى أن ينالوا شيئاً ولو يسيرا مما كان فى أيدي الأجداد الفراعنة العمالقة.. والشيء اليسير مما كان فى دنيا زماننا سيعيدكم إلى القوة وإلى المنعة والعزة والكبرياء.. وسترون أن روح الأجداد ستسري فيكم كشمعة مضيئة وضاءة تنير لكم طريق المجد.. الذي أنتم له أهل رغم بعدكم عنه طوال الأحقاب والدهور.. جربوا ولا تخجلوا من أن تبدأوا من جديد.. وثقوا أنكم ستصلون إلي ما تطلبون وأيضاً ستصلون الحاضر الذي تعيشون والمستقبل الذي تأملون بالماضي التليد الذي تعرفون والله معكم يا مصريين.