رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نقطة ساخنة

 

 

 

 

«عندما تراجع دور الأزهر.. وتراجع نفوذه وقوته وتأثيره.. ظهرت الجماعات المتطرفة.. والأفكار المتشددة والهدامة».

 

لا يجوز الحديث عن تاريخ مصر.. بغير الحديث عن الأزهر.. تلك المؤسسة الدينية الكبرى التى قامت لتكون جامعاً.. ثم لم تلبث أن صارت جامعة.. وبقيت على مدى ألف عام أعرق وأضخم جامعة فى العالم الإسلامى.. تحتضن الباحثين عن العلم من شتى أنحاء العالم.. ويتولى التدريس فيها أعظم الفقهاء والعلماء.. هذا هو الأزهر منذ بناه «جوهر الصقلى» عام 359هجرية الموافق 970 ميلادية غداة وصوله إلى مصر.. ليكون مسجداً رسمياً لسيده ومولاه «المعز لدين الله».. ومركزاً لنشر المذهب الشيعى.. المذهب الرسمى لدولة الفاطميين.. وبقيت هذه العلاقة الحميمة بين الأزهر ومؤسسة الحكم فى مصر لصيقة بالأزهر.. وعلامة بارزة من علاماته منذ ذلك التاريخ.. فهو مركز الإفتاء الرسمى..  وبؤرة التشريع والتقنين.. والناطق الدينى باسم الحاكم.. وبقى الأزهر يقوم بهذه المهمة الرسمية حتى بعد أن زالت دولة الفاطميين وجاءت بعدها دول أخرى ورجال آخرون.

وظل الأزهر مرتبطاً بالجالس على العرش سواء كان خليفة فاطمياً.. أو سلطاناً أيوبياً.. أو أميراً مملوكياً.. أو والياً عثمانياً.. أو ملكاً للبلاد.. ورئيساً للجمهورية.. فالأنظمة تتغير.. والوجوه تتبدل.. ولا يتغير الأزهر.. ولا يخرج على نطاق المهمة الرسمية التى حددها له «جوهر الصقلى» فى الثلث الأخير من القرن الرابع الهجرى.. أى منذ أكثر من ألف عام.

لقد قامت من قبله مساجد.. وقامت من بعده مساجد.. ولكنها لم تصل جميعاً الى المستوى والمكانة التى بلغها الأزهر.. فقد ترسخت مكانة الأزهر فى مصر والعالم الإسلامى كمؤسسة علمية ودينية مع توالى العصور والقرون.. وآلت إليه الزعامة الفكرية والثقافية فى الوقت الذى أفل فيه نجم الحضارة فى مواقع  كثيرة.. واستطاع الأزهر أن يجتاز الكبوة التى تعرض لها خلال العصر الأيوبى.. وسرعان ما  استرد مكانته العلمية والأدبية واستأنف رسالته العظمى فى تخريج العلماء والأدباء والفقهاء.

وبلغت مكانة الأزهر ذروتها فى العصر المملوكى.. إذ يحتوى القرن الثامن الهجرى على أنباء تدل على أن الأزهر كان يتمتع فى ظل دولة المماليك برعاية خاصة. وكان الأكابر من علمائه يتمتعون بالجاه والنفوذ  ويشغلون وظائف القضاء العليا ويستأثرون بمراكز التوجيه والإرشاد.. كان هذا النفوذ يصل أحياناً إلى التأثير فى سياسة الدولة العليا.. وأحياناً فى مصائر العرش والسلطان.. ورغم أن الحكام المماليك لم يكونوا عرباً ولا مصريين.. وأنهم وفدوا على مصر وهم لا يتكلمون العربية.. فكان عليهم أن يعوضوا هذا النقص عن طريق تدعيم المؤسسات الدينية.. وتشجيع الحركات الثقافية والفكرية حتى يتقربوا الى الشعب الذى يحكمونه.. ولذلك يرى مؤرخو الأزهر أن فترة الحكم المملوكى هى فى الواقع عصر الأزهر الذهبى من حيث الإنتاج العلمى والفكرى.. ومن حيث مركز الزعامة والنفوذ.

وما ظنك بجامع.. أو جامعة.. يتولى التدريس فيها علماء ومؤرخون من طبقة «ابن خلدون» و«النويرى» و«السيوطى» و«محمد عبده».. هؤلاء لعبوا دوراً تاريخياً فى التطور العلمى لهذه المؤسسة الإسلامية العريقة.. وما قامت به من أمجاد فى الأوقات التى خبا فيها نور الثقافة العربية.. بل حمل الأزهر مشعل العلم والحضارة الى أوروبا التى كانت تعيش عصور الظلام.. فجامعة باريس لم تنشأ إلا بعد قرنين من قيام الأزهر.. وجامعة إكسفورد فى بريطانيا العظمى لم تنشأ إلا بعد ثلاثة قرون من قيام الأزهر.. بل إن هناك دولاً كثيرة لم تكن قد ولدت على خريطة العالم.. عندما كان الأزهر يشع بنوره العلم فى كل ربوع الأرض.. وهكذا كان للأزهر دور الريادة فى عالم الثقافة والتنوير.

ورغم أن الأزهر أنشئ فى عصر الدولة الفاطمية.. وكانت دولة مذهبية تعتنق المذهب الشيعى الذى يختلف تماماً عن مذهب أهل السنة الذى يسير عليه أهل مصر.. ورغم كل المحاولات التى بذلها الفاطميون لتشييع المجتمع المصرى إلا أنهم فشلوا فى ذلك.. وظل أهل مصر على مذهبهم السنى.

ولعب الأزهر دوراً سياسياً كبيراً فى مقاومة الظلم الذى تعرض له أهل مصر على أيدى المماليك..  كما قاوم الاستعمار الفرنسى والاستعمار الإنجليزى.

ويذكر أن الزعيم الدينى «عمر مكرم» أحد علماء الأزهر.. قاد حركة شعبية ضد ظلم الحكام المملوكيين عام 1795 ميلادية.. كما طالب برفع الضرائب عن كاهل الفقراء وإقامة العدل فى الرعية.. وظل «عمر مكرم» سنوات يجاهد ضد استبداد الولاة وظلمهم.. حتى أن «محمد على باشا» عندما أراد أن يتولى حكم  مصر.. تقرب الى «عمر مكرم» لما يتمتع به من شعبية ومكانة عالية عند العامة والخاصة فى مصر.. ولولا الدعم الشعبى والدينى الذى قدمه «عمر مكرم» إلى محمد على باشا والتشفع له عند السلطان العثمانى.. ما تولى «محمد على» حكم مصر.

ولا ننسى أنه فى عام 1956.. عندما تعرضت مصر لعدوان ثلاثى شاركت فيه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عقب قرار تأميم قناة السويس.. لجأ الرئيس جمال عبدالناصر الى الجامع الأزهر.. ومن فوق المنبر ألقى خطبته الشهيرة التى حث فيها الجماهير على الحشد والصمود والتصدى لمواجهة العدوان الغادر مردداً شعار «الله أكبر».

عندما كان الأزهر قوياً.. متفرداً.. كان مؤثراً وفاعلاً.. يحسب له ألف حساب.. ليس فى العالم الإسلامى فقط.. ولكن فى العالم كله.

وعندما تراجع دور الأزهر.. وتراجع نفوذه وقوته وتأثيره.. ظهرت الجماعات المتطرفة.. والأفكار المتشددة والهدامة.

إننا نريد للأزهر أن يعود الى عصره الذهبى.. سواء الأزهر الجامع.. أو الجامعة.. نريده أن يسترد زعامته للعالم الإسلامى وتأثيره فى العالم كله.. وداخل الأزهر رجال قادرون على إعادة ترتيب البيت من الداخل.. وقادرون على أن يعيدوا للأزهر مكانته الدولية كمؤسسة دينية.. يحدث هذا لو خلصت النوايا.