رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نقطة ساخنة

< فترات="" الازدهار="" الحضاري="" في="" مصر="" مرتبطة="" بارتقاء="" النظام="" السياسي..="" وانحسار="" موجة="" الاستعباد="" والقهر="">

لكي تعرف نفسك جيداً.. لابد أن تقرأ تاريخ بلدك.. ولك تفهم ما يجري حولك من أحداث اجتماعية أو سياسية.. لابد أن تعود إلي الماضي لتجد التفسير المطلوب.. وإذا كنت تبحث عن سر العلل والأوجاع التي تحاصرك.. فسوف تجدها في هذا العمق التاريخي الذي يندر وجوده عند أمة من الأمم المعاصرة.. ولكن هناك شرطاً ضرورياً لكي تفهم أعماق التاريخ المصري وتستخلص منه العبر المفيدة.. هو أن تخلع رداء العاطفة.. وتتجرد من عقدة الاستعلاء التي تجدها عند من يكتبون ويعرضون تاريخ مصر وكأنه بانوراما من الأمجاد والمفاخر.. وينظرون فقط إلي عصور القوة والازدهار.. ويغضون الطرف عن عصور الضعف والتخاذل.. فهذه النظرة مضللة.. تصرفك عن الوصول إلي منبت الداء.. ويكون شأنها شأن الطبيب الذي يشفق علي مريضه فيخفي عنه سر المرض.. ويوهمه بأن صحته «بمب» فيصدقه المريض     وينصرف عن مكافحة الداء.

يجب إذن أن نقرأ تاريخ مصر كما هو كائن.. وليس كما نحب له أن يكون.. ولابد أن ندرس فترات الضعف كما ندرس مراحل القوة.. ولا ينبغي أن يتملكنا الخجل إذا عثرنا في تاريخنا علي منعطفات وسلبيات وانحرافات تصدم عواطفنا.. فكل الشعوب مرت بمراحل ضعف ومراحل قوة.. والتاريخ الإنساني لا يسير في خط مستقيم أو في خط بياني يتصاعد من أسفل إلي أعلي.. ولكنه يتحرك في خط حلزوني يتراوح بين الصعود والهبوط.. والحضارة والتخلف.

والشعوب الواعية هي التي تدرس تاريخها كله دراسة جدية موضوعية واعية.. لتعرف نواحي الخلل والقصور في حركة الأجداد والأسلاف فتتحاشاها وتتعلم منها.. وتضع يدها علي عناصر القوة فتتشبث بها وتعمل علي تنميتها.. ولكنك لا تجد مثل هذه النظرة التكاملية في مناهج تدريس التاريخ لأبنائنا في المدارس والجامعات.. وهي أهم مراحل التكوين العقلي ومزاجه الروحي.. ولكنك تجد في التاريخ المدرسي تركيزاً علي مظاهر القوة.. وإهمالاً لأسباب الضعف.

فتاريخنا الشائع هو تاريخ الفراعين والسلاطين والملوك والولاة.. ولكنه لا يفسر للقارئ لماذا انطفأت أنوار الحضارة القديمة.. ولماذا سقطت مصر تحت سلطان ونفوذ الاحتلال الأجنبي؟!.. ولا يعطي لنا صورة واقعية عن المجتمع المصري في تلك العصور.. ولا عن شكل العلاقة بين الحكام والمحكومين.. وماذا كان نصيب المصريين من ثروة بلادهم.. وكيف كانوا يعيشون أسوأ معيشة تحت حكم الاستبداد الفرعوني.. وهل كان المصريون يتمتعون بقدر من المشاركة في إدارة شئون بلادهم في كافة العصور؟! ولا أدري لماذا لا نحدث أبناءنا بصراحة عن طبيعة العلاقة بين المصريين وحكامهم؟!.. وكيف استبد الحاكم بالأمر؟!.. ولماذا رضي المصريون بالأمر الواقع؟!.. وكيف أدي هذا السكوت إلي إصابة الشخصية المصرية بالعجز والخضوع والمذلة والانكسار والسلبية.

هل يعترينا الخجل إذا قلنا لهم إن الفراعنة وضعوا بذور الطغيان في مصر؟!.. ولماذا نخجل إذا كانت هذه هي الحقيقة؟!.. أم اننا نخجل لأننا لم نستطع أن نقتلع بذرة الطغيان أو نجتث شجرتها التي ضربت بجذورها في التراب المصري حتي تأصلت وأصبحت أمراً واقعاً؟!.. نحن ندعو أبناءنا إلي الافتخار بالأهرامات والمعابد التي شيدها أجدادنا الفراعنة.. ولكننا يجب أن نشرح لهم كيف بنيت وشيدت هذه المنشآت الضخمة والحضارة العظيمة.. وكيف سيق المصريون تحت لسع السياط ليعملوا بالسخرة في قطع الأحجار العملاقة من جبال الصعيد ثم نقلها إلي مواقع البناء؟!.. ولا ينبغي أن تخدعهم بترديد المعزوفة التي تزعم أن المصريين كانوا يفعلون ذلك وهم في غاية النشوة والسعادة والرضاء.. وانهم كانوا يرددون ألحان الفرح وهم يدفعون طبقات الهرم حجراً فوق حجر.. ومدماكاً فوق مدماك.. وانهم قبلوا هذه الأعمال القسرية استجابة لهواتف دينية تري في الفرعون تجسيداً للإله.. مما يدفعهم إلي التفاني في خدمة الفرعون الإله.. اننا حين نروج لهذه الأفكار.. فإنما نزرع في نفوس أبنائنا إحساساً لا شعورياً بالخنوع والخضوع للحاكم.. والقبول بكل ما يصدر عنه من بطش وقهر واستبداد.. واعتبار ذلك من الدين.

والمفروض أن نبث في نفوسهم قيم الدين الصحيحة.. فالدين الصحيح يأبي تأليه البشر.. ويدفع هذه الأفكار الفاسدة التي يروجها الكهنة لتبرير الطغيان حفاظاً علي مصالحهم.. فالعقيدة التي تبرر الظلم هي عقيدة ظالمة.

وكان ينبغي أن نتخذ من هذه المحن التاريخية القديمة وسيلة لاستنكار الظلم وتوعية الناس.. فنقول لهم.. إن الفرعون لم يصنع نفسه.. وإنما صنعه الشعب.. فالشعب هو المسئول أولاً وأخيراً عن صناعة الطغاة والطغيان.. والشعب هو المسئول عن هذه الوصمة التي أصابت الشخصية المصرية بالانحراف عن الفطرة.. وحصرت دور المواطن في الشكوي من الزمان وانتظار الفرج من الأقدار لترفع عنه بلاء الحاكم المستبد!

ان كاتب التاريخ ذا الضمير الحي يجب ألا يخدع قومه.. وعليه أن يضع الشعب أمام مسئوليته.. ولا يعفي الشعب من اللوم حين يقبل بالطغيان.. وليس له أن يشتكي بعد ذلك.. فهو الملوم أساساً.. وهو الجاني والمجني عليه.. وهو الفاعل والضحية.. وهو الجرح والسكين.

اننا حين نقول ذلك.. فإننا نفتح العيون الغافلة.. ونوقظ الهمم الفاترة.. ونأخذ بيد الشعب إلي طريق الارتقاء.. وندفع به إلي حالة التوهج الحضاري.. لأن الحرية والديمقراطية تتناسبان طردياً مع درجة التقدم الحضاري.. وكلما ارتقي النظام السياسي.. وكلما تحرر الشعب من القيود والأغلال.. كشف عن مواهبه وقدم أعظم ما عنده من كفاءات بشرية وقدرات عقلية ونفحات روحية.. ولو بحثت في تاريخ مصر عن فترات الازدهار الحضاري فسوف تجدها مرتبطة بارتقاء النظام السياسي..وانحسار موجة الاستعباد والقهر والظلم.