رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نقطة ساخنة

«القدماء المصريون قدسوا نهر النيل.. وأحفاد الفراعنة أهانوه وألقوه بالقاذورات وسمموه بالمبيدات وبمياه الصرف الصحى وبمخلفات المصانع.. هل من مغيث؟!»

نهر النيل.. كان يومًا ما نهرًا مقدسًا.

رمزًا للطهر.. والخير.. والنماء.. والحضارة.. وشريانًا للحياة.

كان عنوانًا للدولة المصرية.. لفخارها.. وعزها.. وقوتها.. ووحدتها.. وصمودها أمام الدهر.. ورمزًا لحضارة عظيمة مازالت تبهر العالم حتى الآن.

ليس هذا فقط.. بل «النيل» هو جواز المرور إلى الجنة.. كما كان يقول القدماء فى بردياتهم: «أنا لم أقتل.. أنا لم أسرق.. أنا لم أزن.. أنال لم ألوث النهر».. هكذا كانت رؤية المصرى القديم للحساب يوم القيامة فى الديانة المصرية القديمة.

لو لم يهب الله مصر نهر النيل.. ما كانت هناك حضارة عظيمة.. أو أهرامات شامخة.. ومعابد مشيدة.. الفراعنة أرادوا الخلود.. فأقاموا معابدهم على ضفتى النيل.. لأنهم يدركون أن النيل سيداوم على الجريان.. وسيبقى أبد الدهر خالدًا.

لو لم يكن فى مصر نهر النيل.. ما تفجرت داخل المصرى القديم عبقريته فى البناء والنحت والتحنيط وفنون الزراعة والرى والصيد والحرب وعلوم الفلك والطب والهندسة.

من مياه النيل العظيم.. شرب إبراهيم عليه السلام.. وشربت سارة أم إسحق.. وهاجر أم إسماعيل.. وشرب يعقوب عليه السلام.. وارتوى يوسف الصديق.. وموسى كليم الله.. وعيسى كلمة الله.. ومريم أطهر نساء العالمين.

ومن مياه النيل.. شرب فرعون وهامان.. وآلاف الطغاة.

وعلى ضفتى النيل العظيم.. عاش ملوك.. وفراعنة.. وسلاطين.. وحكام.. جميعهم رحلوا.. جميعهم تلاشوا.. وبقى النيل خالدًا.

«موسى» عليه السلام.. تعنى باللغة الهيروغليفية القديمة «ابن النيل».. وفى هذا تكريم للنيل ولمصر.

وكانت معجزة «يوسف الصديق نابعة من نهر النيل.. عندما فسر رؤيا الفرعون بعدم فيضان النيل 7 سنين.. وثق به الفرعون.. وكانت هى المرة الأولى التى يخلع الفرعون فيها قلادة من ذهب ويضعها حول عنق «يوسف».. ويُلبسه خاتمه قبل أن يختبره.. ونجح «الصديق» بإرادة الله فى إنقاذ مصر من مجاعة، حتما كانت ستؤدى إلى ثورة وفوضى فى البلاد ومن ثم إلى سقوط الفرعون.

وعندما فتح عمرو بن العاص مصر.. كان المصريون يقدمون «عروسًا» وهى فتاة من أجمل فتيات مصر لتكون قربانًا للنيل.. ليستمر النيل فى الفيض والعطاء.. وهى عادة كان يحرص عليها الفراعنة.. لكن عمرو بن العاص عندما فتح مصر رفض أن يفعل ذلك احترامًا للنفس البشرية وتقديسًا لها.. وكانت المفاجأة أن جاء هذا العام ولم يفض النيل.. فبعث عمرو بن العاص برسالة إلى أمير المؤمنين سائلاً إياه عما يفعل أمام هذا المأزق.. فأرسل إليه أمير المؤمنين برسالة وطلب منه أن يقذف بها فى النيل بعد أن يقرأ محتواها.. وكان نصها: «من عبدالله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر.. أما بعد: فإن كنت تجرى من قبلك فلا تجر.. وإن كان الله الواحد القهار هو الذى يجريك.. فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك».. وبعد أن ألقى عمرو بن العاص بالرسالة فى النيل.. فاضت مياه النيل فى اليوم التالى.. وهذا ما رواه المقريزى.

بعدها بسنوات طويلة.. وعندما كان يتأخر فيضان النيل.. كانت جميع الأديان فى مصر تتحد فى موكب رسمى على طول النهر.. يشارك فى هذا الموكب قاضى القضاة والشيخ الأكبر.. وكبير أحبار اليهود.. وكبير القساوسة الأقباط.. ثم تأتى الكتب السماوية الثلاثة.. القرآن والإنجيل والتوراة.. توضع بجانب بعضها البعض.. ثم يتضرع الجميع باللغات الدينية الثلاث وبأسماء الأنبياء موسى وعيسى ومحمد.. أن ينزل الله غيثه على نهر النيل.. وأن يستر مصر بالخضر والنعيم والرخاء.

هكذا كان يفعل القدماء المصريون ومن تبعهم.. وحتى دخول الإسلام إلى مصر.. كانوا يقدسون نهر النيل.. وكانوا يتقربون إلى الله حتى يفيض عليهم بالخير والنماء والحياة.. لكن ماذا فعل الأحفاد.. وماذا قدمت الحكومة لنهر النيل.

ألقوه بالقاذورات.. سمموه بالمبيدات وبمياه الصرف الصحى وبمخلفات المصانع.. حولوه إلى مقبرة للحيوانات النافقة.. احتقروه وأهانوه وتآمروا عليه لقتله.. يمكن لو مش مكسوفين شوية كانوا ردموه!!

التقارير الرسمية وغير الرسمية تكشف حجم الكارثة التى يتعرض لها نهر النيل.. التقارير تقول: إن ما يزيد على 360 مصرفًا صحيًا وصناعيًا وزراعيًا تصب ما يزيد على 17 مليار متر مكعب سنويًا من المخلفات الملوثة فى نهر النيل.. خلاف الأقفاص السمكية التى تستخدم الهرمونات والحيوانات النافقة فى تغذية الأسماك وأكثر من 6 آلاف مركب وفندق عائم تسمم النهر بمخلفاتها.. وهذا أدى إلى غرق النيل فى المعادن الثقيلة والسموم والكيماويات والأدوية ومخلفات المستشفيات والمصانع.. والنتيجة انتشار السرطان وتليف الكبد والفشل الكلوى وغيرها من الأمراض بين المصريين.. فهل آن الأوان لوقف هذه الكارثة التى تدمر صحة المصريين وتوفير المليارات التى تصرف على علاجهم بلا جدوى.

المشكلة أننى لم أجد مسئولاً واحدًا فى هذا البلد يمكن أن أحثه على انقاذ نهر النيل من الدمار الذى لحق به.. فالدولة بكل أجهزتها لا تضع النيل ضمن اهتماماتها.. فلا هو خطتها العاجلة أو الآجلة أو حتى فى المستقبل.. هل سمع أحدكم عن خطة واحدة للدولة منذ عهد الموكوس حسنى مبارك حتى الآن لإنقاذ نهر النيل من كل هذا العبث.. ثم إن رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل الذى لانعرف لماذا أتوا به ليتقلد هذا المنصب هو رجل فى الحقيقة «لا يهش ولا ينش».. ووزير الرى غارق فى قضية سد النهضة.. أما المحافظون الذين يقع نهر النيل ضمن حدود محافظاتهم.. فهم مغيبون ولا يملكون صد الهجوم الذى يتعرض له النيل العظيم.

إن الحكومة التى لا تدرك قيمة نهر النيل وعظمته وقدسيته. لا تستحق أن تكون فى موقع المسئولية.. والشعب الذى لا يدرك كيف يدافع عن النيل ويحافظ عليه ويطهره من الدنس.. لا يستحق الحياة.