رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 أثار القرار الروسي، بإيقاف رحلات مصر للطيران إلى روسيا مؤقتا، لغطا واسعا، اعتبره كثيرون قرارا عدائيا ضد مصر، لما يثيره من انطباعات سلبية على المستوى الدولى حول اﻷوضاع اﻷمنية فى مص، خاصة فى المطارات وأسطول مصر للطيران.

الواقع أن القرار الروسي على الرغم مما يلحقه من ضرر بالسياحة المصرية، فوق ما أصابها من أضرار بعد حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، إﻻ أن دوافعه ﻻ علاقة لها بأى مواقف روسية عدائية تجاه مصر، لكنها تتعلق بتقارير أمنية متواترة حول اعتزام "داعش" وغيرها من المنظمات اﻹرهابية فى المنطقة تنفيذ عمليات ضد المصالح الروسية والمواطنين الروس فى المنطقة.

وقد لاحظت السلطات الروسية أنه على الرغم من قرارها بحظر سفر الوفود السياحية إلى مصر مؤقتا، إﻻ أن طائرات مصر للطيران تعود من موسكو إلى القاهرة محملة بالمسافرين الروس الذين يمكن أن يكونوا موضوعا ﻻستهداف المنظمات اﻹرهابية بعمليات نوعية يمكن أن تمثل إحراجا كبيرا لروسيا ومساسا بهيبتها "عمليات انتحارية أو خطف رهائن...الخ"، وإذا كانت السلطات الروسية أو سلطات أى بلد ﻻ تستطيع أن تمنع مواطنيها، كأفراد، من السفر إلى أى بلد آخر، لما فى ذلك من انتهاك لمبدأ حرية اﻻنتقال، إﻻ أنها تحاول تقليص عدد هؤﻻء المسافرين إلى أدنى حد ممكن بإجراءات من قبيل وقف رحلات الخطوط الجوية.. ولنا أن نتخيل حرج موقف روسيا إذا تمكن انتحارى مخبول من تفجير نفسه وسط حشد من السياح الروس مثلا أو إذا تمكنت مجموعة انتحارية إجرامية من اقتحام فندق يتركز فيه السياح الروس وأخذهم كرهائن، وذبحهم والتمثيل بهم على الطريقة الداعشية، بينما دماء ضحايا كارثة الطائرة الـ224 لم تبرد بعد، ولم يتم تسليم أشلاء عدد كبير منهم إلى ذويهم، فى انتظار انتهاء تحليلات الـ "دى. إن. أيه" بينما تتواصل بيانات التهديد من جانب المنظمات اﻹرهابية ضد روسيا ومواطنيها، كما تتواصل ضغوط الرأى العام والقوى السياسية لمنع سفر المواطنين الروس إلى دول الشرق اﻷوسط عموما.. تقدمت كتلة نواب الحزب الشيوعى الروسي فى مجلس النواب "الدوما"، وأمس الخميس، بتوصية أمنية للرئيس الروسي بوتين لاتخاذ قرار بمنع سفر المواطنين الروس إلى كل من تركيا وتونس خوفا على أرواحهم بسبب وجود خلايا نشيطة لداعش وغيرها من المنظمات اﻹرهابية هناك، وإمكانية استهداف هذه المنظمات اﻹجرامية للمواطنين الروس.

‏ومعروف أن المنظمات اﻹرهابية فى المنطقة، وعلى رأسها داعش، كانت قد أصدرت بيانا أعلنت فيه الجهاد ضد روسيا ومواطنيها ومصالحها فى منطقتنا وفى كل مكان فى العالم، بما فى ذلك داخل روسيا نفسها.. وذلك بعد بدء العملية العسكرية الروسية فى سورية، كما أصدرت داعش أمس الخميس، بيانا جديدا كررت فيه تهديداتها لروسيا ومواطنيها، وﻻ تستطيع أية سلطة مسئولة تجاه مواطنيها تجاهل مثل هذه التهديدات، خاصة فى ظل تصاعد حقد المنظمات اﻹرهابية على روسيا بسبب الضربات الجوية المؤثرة التى تقوم بها فى سوريا، والنجاحات التى يحققها الجيش العربى السوري مستندا إلى تلك الضربات لمواقع اﻹرهابيين، لذلك فإن التوجه العام للسلطات الروسية فى المرحلة الحالية يبدو أنه حريص على تقليص وجود مواطنيها فى منطقة الشرق اﻷوسط عموما، لتقليص إمكانية وقوع أية عمليات إرهابية ضدهم، تمثل مساسا شديدا بهيبة الدولة ،علاوة على إمكانية فقدان اﻷرواح.

‏والواقع أن الموقف الروسي تجاه مصر ﻻ يتسم بأية روح عدائية تجعلنا نأخذ مثل هذه الخطوات فى سياق عدائي كالخطوات البريطانية على سبيل المثال.. وإﻻ فبماذا نفسر قدوم الخبراء الروس إلى مصر مؤخرا وبدء عملهم فى منطقة الضبعة تمهيدا ﻹنشاء المحطة النووية العتيدة؟!! وبماذا نفسر إصرار روسيا على وجود مصر على مائدة مفاوضات فيينا حول سبل تسوية اﻷزمة السورية؟! بينما كانت أطراف عربية وإقليمية ودولية تعارض وجود مصر؟!!... ‏الحقيقة أن الموضوعية تقتضى اﻻعتراف بأن بعض اﻹجراءات التى تتخذها روسيا لحماية أرواح مواطنيها تنعكس سلبا على السياحة المصرية، وعلى صورة مصر فى الخارج من حيث الثقة فى رسوخ اﻻستقرار واﻷمن فيها، وهذا أمر مؤسف، ولكن من ناحية أخرى فإن الموضوعية نفسها تقتضى اﻻعتراف بأن روسيا مسئولة عن حماية أرواح مواطنيها قبل أى شيء آخر، وأنها ﻻ تستطيع التقصير فى هذا الصدد حرصا على السياحة المصرية، خاصة وأن الضغوط الداخلية شديدة على صانع القرار، وﻻ يستطيع تجاهلها بعد كارثة مصرع 224 مواطنا فى حادث الطائرة المنكوبة، وإنها لحظة صعبة على جميع اﻷطراف، وغضبنا من آثارها السلبية ﻻ ينبغى أن يتجه نحو أصدقائنا، ولكن ضد اﻹرهاب المجرم الذى يهددنا جميعا، وضد الساسة واﻹعلاميين الغربيين الذين يسعون إلى حصار مصر وتدمير اقتصادها، تماما كما يفعلون مع روسيا نفسها التى تواجه عقوبات اقتصادية ومحاوﻻت ضارية لحصارها اقتصاديا منذ بدء اﻷزمة اﻷوكرانية، وبرغم اﻷلم الذى نشعر به فإنها لحظة للتفكير الموضوعى الرصين، ومحاولة تفهم دوافع أصدقائنا وعدم التفكير فى مصالحنا وحدها، بل فى المصالح المشتركة التى ﻻبد من احترامها، وعدم صب الزيت على النار أو اﻻستجابة لأصوات الساعية بالوقيعة وإعادتنا مرة أخرى لمرحلة التبعية للغرب بعد إفساد علاقاتنا بحلفاء برهنوا على إخلاصهم للمصلح المشتركة فى أصعب لحظات تاريخنا الحديث والمعاصر.