عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شوفها صح

كان سؤالا مفاجئاً وصادماً ومربكاً. لم أتوقع أن يبلغ خوفها من الموت هذا المدي المرعب. نظرت إليها وقد اصابتني نظراتها بعدوي الأسئلة التي لا تجد لها اجابات؟ لكنني لم أشأ أن تزيد ضربات قلبها المعتل في ارسال اشارات الهلع من المجهول. أعرفها رقيقة. ضعيفة. تعيش تقريبا بنصف جسد منذ ان تنفست هواء الدنيا قبل ثلاثين عاما. أمها أخبرتها بأن الأمر لا يتعلق باهمال طبي أو غيره لكنها هكذا ولدت. بدون زراعين «عيب خلقي», ومع مرور السنين كبرت ليلي يعينها قلب يحتاج إلي اعانة طبية كل حين. في آخر مرة زرتها بأحد المستشفيات الخاصة وجدتها منهارة تبكي, اخبرتني امها بأن تركيب دعامتين بقلب ليلي كان أمراً مرهقاً جدا لم يتحمله جسد الفتاة النحيفة لكن الاطباء أكدوا أنها ستكون بخير، وفي هذه المرة سألتني وهي تغالب دموعها وصوتها المرتعش: «تفتكري هموت؟». مسحت دموعها بيدي وحاولت أن أبتسم ربما تبادلني الابتسام. قلت: إيه يا ست ليلي؟ هو كل واحد عمل عملية ولا اتنين هيموت. كل الناس صحتها تعبانة».

قالت ليلي وقد أضحت دموعها سيلا بات من الصعب أن أوقفه: لكن أنا حاسة أني هموت. المشكلة إني خايفة قوي. والموت بيوجع. قلت لها: بغض النظر عن «الفوبيا اللي عندك» أيوه الموت بيوجع الناس اللي حوالينا لما نفارقهم. قالت: لا الموت بيوجع اللي بيموت.

هنا توقفت عند كلمة الفتاة المسكينة وقلت وقد انصرف ذهني وشرد بعيدا عما حولي ومن حولي. وجدتني أهمس في نفسي صحيح لم يعد أحد من الموت ليخبرنا عما إذا كان الموت «بيوجع» أم لا؟ وتساءلت لماذا ترتبط النهاية غالبا بألم؟ رغم ان الموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة إلا أنها الأبعد رغم شدة قربها والأكثر غموضا رغم وضوحها. تذكرت جملة كان قد قالها لي الصحفي الكبير مصطفي أمين رحمه الله وقد كنت اجري معه حوارا لجريدة «صوت الجامعة» قال ضاحكا: أنوي التوصية بوضع قلم وأوراق معي حين أموت لأكتب تحقيقا عن الموت»..

نزعت نفسي انتزاعا من دوامة أسئلة ألقتني بداخلها دموع فتاة شابة عاشت حياة. فيها من العذاب ما يكفي لترحب بقرب انتهائها لكنها اكتشفت فجأة أنها تحبها بكل ما فيها حتي إعاقتها أحبتها قالت كوني بلا ذراعين أفضل من أن أكون بلا حياة وقلبي يعيش بدعامات لكنه ينبض عندي عيني أري بها غروب الشمس من شرفة بيتي بالشارع الممتلئ بالنور ليل نهار. عندي أذني أسمع بها صوت أمي وهي تقول لي: «صباح الورد علي عيون ست البنات. وعندي. وعندي وعندي. عندي أمل وعندي روح. من المهم أن أعيش مازال أمامي الكثير لأنجزه. مازال أمامي الكثير لأكتشف معناه. هناك أسئلة مازلت أنتظر اجاباتها في سنوات طويلة قادمة. من سأتزوج؟ وكيف سيكون شكل أولادي؟ بل كيف سيكون شكلي أنا وأنا امرأة عجوز؟ صمتت ليلي بعد طول حديث. اختفت دموعها. ودب ثبات افتقدته ساعات في نبرة صوتها ووجدتني أردد بعض كلمات من قصيدة أحفظها جيدا وأقول في نفسي: كان عنده حق محمود درويش «علي هذه الأرض ما يستحق الحياة» قاطعتني خطوات. طبيبة دخلت الغرفة. ألقت نظرة علي ملف طبى معلق بجوار الفتاة.. وضعته علي المنضدة. نظرت إليها وأطالت النظر.. انصرفت دون أن تنطق بكلمة.

قالت سلوي في هدوء واستسلام: أتعرفين شيئا؟ من الأفضل لي أن أموت اليوم ساعتها فقط لن يدركني الموت غدا!!