رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نقطة ساخنة

مصر عانت سنوات طويلة بسبب كتم الأصوات وتزوير الانتخابات واستغلال النفوذ وغياب العدالة وإهدار أحكام القضاء

 

حق الحساب.. هو أحد أهم الحقوق التى تشكل آليات النظام الديمقراطى.. ويتمثل فى حق الشعب فى مراقبة حكامه ومحاسبتهم واسقاطهم عند الضرورة.. وذلك من خلال مجالسه المنتخبة انتخابًا حرًا.. وبغير الانتخاب الحر الذى لا تشوبه شائبة لا يمكن لهذه المجالس النيابية أن تؤدى وظيفتها فى مراقبة الحكام ومحاسبتهم وعزلهم.. ومن هنا كانت أهمية العملية الانتخابية فى النظم الديمقراطية.. فإذا شاب الترشيح أو الانتخاب أو عمليات الفرز شائبة.. فقدت هذه المجالس رسالتها.

والمؤسف أن مصر لم تعرف منذ ثورة يوليو 1952 إلا هذا النوع من المجالس النيابية.. ولم يتغير الموقف فى عهد الرئيس السادات.. فقد أعلن الانفتاح الديمقراطى وبدء التعددية الحزبية.. وتعهد باحترام الرأى الآخر.. إلا أن الممارسة لم تتجاوز الشكل إلى المضمون.. فقد تولى تزوير الانتخابات ومحاصرة المعارضة وكبت الرأى الآخر.. وانتهت التجربة بكارثة سياسية عندما أصدر الرئيس السادات عام 1978 سلسلة من القوانين القمعية التى تجعل ممارسة العمل السياسى أمرًا مستحيلاً.. ثم وصل الأمر إلى حد البطش الجماعى عندما أصدر الرئيس السادات قرارًا اداريًا فى 6 سبتمبر 1981 باعتقال 1536 من صفوة رجال مصر ممن يمثلون كافة قطاعاتها السياسية والفكرية.. وجمع الرئيس السادات مجلس الشعب فى جلسة خاصة  ليبرر قراره وسط تصفيق حاد وتأييد مطلق من «نواب الشعب» فقد اعتبره المجلس الموقر قرارًا تاريخيًا (!!).

كل العلل تبدأ من هنا.. فالمجلس النيابى المزور لا يمكن أن يؤدى وظيفته فى مراقبة الحكومة ومحاسبتها.. بل هو حشد من الموظفين وطلاب المنافع.. جمعت شملهم المصالح.. ووحدت قلوبهم المغانم.. فراحوا يتبارون فى تأييد الحكومة.. والتصفيق والتهليل لها بلا قيد أو شرط.

والمؤسف أيضًا.. أن مصر فى عهد حسنى مبارك سلكت نفس الطريق.. طريق المجالس المزورة التى تعمل لخدمة الحاكم.. وليس لخدمة الشعب والدفاع عن مصالحه.. وفى عهد مبارك.. وفى ظل هذه المجالس المزورة تورطت الحكومة فى الديون الخارجية.. وكان النواب يوافقون على اتفاقيات القروض بسرعة البرق.

وأفاقت مصر فى منتصف عام 1986 على ورطة مالية كبيرة إذ توقفت الحكومة المصرية عن سداد ديونها بعد أن بلغ حجم الدين العام رقمًا يقترب من الخمسين مليارًا من الدولارات!!

وانتهت فترة حكم مبارك بكارثة سياسية.. عندما تم التدبير لعملية انتحارية تمثلت فى تزوير الانتخابات البرلمانية لعام 2010 بشكل فج وبصورة لم يسبق لها مثيل فى تاريخ الانتخابات البرلمانية فى العالم كله.. حيث تم اسقاط كل رموز المعارضة والقوى السياسية.. وهو ما دفع معظم الأحزاب السياسية وعلى رأسها حزب الوفد إلى الانسحاب من الانتخابات قبل إجراء المرحلة الثانية منها.. ورغم حالة الاحتقان السياسى التى شهدتها مصر.. خرج مبارك فى خطاب بثته وسائل الاعلام من داخل البرلمان يتحدى إرادة الجماهير الغاضبة ويسخر من الأصوات التى تطالب بحل مجلس الشعب المزور وإعادة الانتخابات مرة أخرى.. وكان عناد مبارك وإصراره على فرض مجلس مزيف هو الشرارة الأولى التى فجرت ثورة 25 يناير 2011.

من هنا نحن نؤكد دائمًا وأبدًا على ضرورة إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة بدءًا من قوانين وقواعد العملية الانتخابية وانتهاءً باعلان النتائج.. لأن البرلمانات الحرة والقوية هى القادرة على ممارسة دورها فى التشريع الذى يخدم مصالح الشعب والوطن.. ويجعلها قادرة على حساب الحكومة ومراقبة اعمالها وكشف الفساد بما يصب فى النهاية فى خدمة الأمة كلها.. وبدون مجلس نيابى قوى يمثل الإرادة الحقيقية للشعب لن ينصلح حال هذا البلد.

وكنت أتعجب من الأصوات التى كانت تنادى بعدم إجراء الانتخابات البرلمانية.. والاكتفاء بالاستحقاقين الأول والثانى المتمثلين فى الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية.. مدعين ـ بجهل ـ أن الناس عايزة كدة.. وقد يرجع السبب أيضًا إلى ما سبق وأن أشرت إليه فى بداية المقال من أن المصريين فقدوا الأمل فى البرلمانات منذ عهد عبدالناصر إلى عهد مبارك لما شاهدوه من عمليات تزوير.. وللسمعة السيئة التى حظى بها نواب تاجروا فى كل المحرمات بدءًا بالمخدرات وانتهاءً بتأشيرات الحج.. هؤلاء النواب هم نتيجة طبيعية لتزوير الانتخابات.

فالأنظمة الديكتاتورية لا تستطيع العيش بدون انتخابات مزورة ولا يستطيع الحاكم الديكتاتور أن يبقى ويحيا ويستمر بدون مجلس نيابى مزيف.. ديكور.. خيال مآتة.. فلولا المجالس المزيفة ما عانت مصر كل هذه الأزمات الاقتصادية الطاحنة والمؤلمة.. ولولا المجالس المزيفة ما تفشى الفساد المالى والإدارى فى مصر بهذه الصورة المزرية.. ولولا المجالس المزيفة ما وصل الفقر فى مصر إلى نسبة 40٪ وما أصبح لدينا طوابير طويلة من العاطلين وملايين المرضى بالفشل الكلوى والسرطان وأمراض الكبد والسكر وضغط الدم.

الخلاصة: مصر عانت سنوات طويلة.. وطويلة جدًا.. بسبب كتم الأصوات.. وتزوير الانتخابات.. واستغلال النفوذ.. وغياب العدالة.. وإهدار أحكام القضاء.. هذه السنوات كان فيها ميزان الثواب والعقاب منكسًا.. والرقابة الشعبية ساقطة.. والمساءلة البرلمانية مفقودة.. ومن هنا كان كل شىء جائزًا.. وكل شىء مباحًا..

ونحن لا نريد أن تعود هذه الأزمنة الغابرة.