رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نقطة ساخنة

«ثلاثة من قتلة السادات ولدوا فى «ملوى».. وفوزى عبدالحافظ سكرتير السادات الذى حاول أن يفتديه ولد فى نفس المدينة».

 

فى أكتوبر 1981 قتلوا «السادات».. اغتالوه وهو بحلته العسكرية بين رجال قواته المسلحة.. وسط حراسه ووزرائه وكبار رجال الدولة.. كان يجلس فخوراً بيوم النصر الذى حققه الجندى المصرى.. وكان هو ـ أى السادات ـ أحد صناعه.. وسط هذا المشهد المهيب.. انطلقت الرصاصات الى صدر «السادات».. نفذت الى قلبه فأردته قتيلاً.

لم يكن «السادات» رئيساً عادياً.. كان رئيساً استثنائياً.. كان ماكراً.. مخادعاً..  خدع أمريكا وإسرائيل وأجرى مفاوضات سرية معهما قبل حرب أكتوبر 1973 بستة أشهر.. بلع الأمريكان والإسرائيلين الطعم.. ثم فاجأ الجميع بعبور الجيش المصرى للحاجز المائى المنيع «قناة السويس» وتحطيم خط بارليف.. وهزيمة الجيش الذى لا يقهر.. ثم دخل فى مفاوضات سلام مع إسرائيل برعاية أمريكية «كامب ديفيد» ليحصل «السادات» على بقية أرض سيناء.. ما لم يحصل عليه بالسلاح.. حصل عليه بالسلام دون إراقة نقطة دم واحدة.

وهو ما جعل «مناحيم بيجين» رئيس وزراء إسرائيل وشريك السلام مع «السادات» يدخل فى حالة اكتئاب شديدة أدت الى وفاته.. بعد أن اكتشف انه وقع على ورقة لا تغنى ولا تسمن من جوع.. بينما حصل «السادات» على كل أرضه المحتلة دون أن تحصل إسرائيل على أى مقابل.

لذا.. كان رأس الرئيس السادات مطلباً إسرائيلياً وأمريكياً.. قبل أن يكون مطلباً لجماعة الشيطان التى تطلق على نفسها «جماعة الجهاد».

من هم هؤلاء الشبان الذين تجرأوا على قتل السادات فى مثل هذا اليوم.. يوم النصر.. ووسط هذا الحشد؟!.. صحيح أن القضاء العسكرى قال كلمته يوم أن أصدر حكماً بإعدامهم.. وصحيح أنه تم تنفيذ الحكم بإعدام القتلة.. إلا أنه مازال هناك سؤال حائر يطرح نفسه مع كل ذكرى لاغتيال الرئيس السادات.. من قتل السادات؟!!!.. هل قتل السادات ما صنعته يداه؟!.. أم أن هؤلاء الشبان قرروا من ذات أنفسهم الخلاص من الفرعون الظالم  كما كانوا يصفونه؟!.. أم أن هناك قوى أخرى ساعدت وأمدت هؤلاء الشبان لتنفيذ المهمة؟!.. أم أن هناك حقائق أخرى ربما ستتكشف بعد سنوات؟!!!!

بعد 34 عاماً من قتل السادات نرصد عدة مفارقات غريبة ومدهشة فى حياة قتلة السادات.. ربما تقودنا الى شىء.. أو ربما تقودنا الى تحليل جديد للحادث وملابساته ودوافعه.

إن ثلاثة من بين الأربعة الذين قتلوا «السادات» فى المنصة أثناء العرض العسكرى من مدينة واحدة.. بل ولدوا وترعرعوا فيها.. هى «ملوى».. مدينة عمرها من عمر مصر تقريباً.. سبعة آلاف سنة.. تقع فى صعيد مصر.. وتحديداً محافظة المنيا.. وتبعد عن القاهرة مائتين وتسعين كيلو متراً.. تحيط بها الآثار الفرعونية من جميع الجهات.. بنى حسن من الشمال.. وتل العمارنة من الجنوب.. وتونة الجبل والأشمونين من الغرب.. والشيخ عبادة والبرشا من الشرق.. والمدينة ـ أى ملوى ـ وقت اغتيال السادات كان يسكنها نصف مليون نسمة.. وتعيش كغيرها من المدن المصرية عصر الانفتاح الاقتصادى على العامل.. إلا أن شوارعها وحواريها وأزقتها ومرافقها وخدماتها لم تتقدم كثيراً عن يوم خروج «ماريا القبطية» قاصدة شمال البلاد فى طريق رحلتها التاريخية الى بلاد الحجاز لتتزوج من النبى محمد صلى الله عليه وسلم.. «ماريا القبطية» من بلدة الشيخ عبادة التابعة لمدينة ملوى.

خالد الإسلامبولى، وعبدالحميد عبدالسلام، وحسين عباس.. الثلاثة قتلوا السادات.. وجميعهم من أبناء مدينة «ملوى».. ولدوا فيها.. ونشأوا فى شوارعها.. وانطلقوا فى أزقتها يلعبون «عسكر وحرامية» وهى اللعبة المسموح بها و هم صغار أن يمارسوها علناً دون أن يغضب الأهل والجيران.. تجمعوا وهم صغار.. ثم تفرقوا.. ثم تجمعوا مرة أخرى ليتخذوا قراراً واحداً لا رجعة فيه.. هو اغتيال الرئيس السادات.

على الجانب الآخر ـ وهذه مفارقة ـ وفى نفس المدينة «ملوى» وفى نفس شوارعها نشأ وترعرع رجل آخر.. رجل ذو شأن.. حاول فى نفس يوم اغتيال «السادات» أن يفديه بروحه.. ألقى بجسده ليمنع رصاصات الاغتيال من أن تشق طريقها نحو السادات.. مزقت الرصاصات ذراعه وجسده لكنه أصر وحاول أن يفدى السادات وفشل.. إنه فوزى عبدالحافظ السكرتير الخاص  للرئيس السادات.. هل هى مصادفة؟! ربما.

الغريب أن المتهم الأول باغتيال السادات وهو «خالد الإسلامبولى» تنتسب عائلته إلى أصول تركية.. وأنه أنهى دراسته الابتدائية فى مدرسة الراهبات بملوى.. ثم مدرسة ملوى الإعدادية القديمة.. ثم حصل على الثانوية العامة من مدرسة الأمريكان فى مدينة أسيوط قبل ان يلتحق بالكلية الحربية بالقاهرة.

أما القاتل الثانى «عبدالحميد عبدالسلام عبدالعال».. فهو الآخر أنهى دراسته الابتدائية بمدرسة الراهبات بملوى.. ثم التحق بمدرسة ملوى الإعدادية القديمة.. ثم حصل على الثانوية العامة من المدرسة القومية بالمنيا.. ومن المفارقات أن «عبدالحميد» متزوج من خديجة سعد رشوان شقيقة حامد سعد رشوان، وهو زوج شقيقة خالد الإسلامبولى.. ومن المفارقات الغريبة أيضاً أن «عبدالحميد» تزوج من «خديجة» يوم السادس من أكتوبر عام 1971.

أما القاتل الثالث «حسين عباس محمد» مواليد «ملوى».. فقد كان يقيم فى حى عين شمس الشرقية بالقاهرة.. الوحيد من بين قتلى السادات الذى لم يصب أو يجرح.. واستطاع الهروب فى هدوء بعد أن أصلح من غطاء رأسه.. هو قناص ماهر يجيد الرماية من أى وضع.. وهو أول من أطلق النيران على السادات من فوق العربة العسكرية.. أعطى بندقيته لخالد الإسلامبولى بعد أن تعطلت عن العمل أثناء الهجوم على المنصة.. هرب ثلاثة أيام بعد عملية قتل السادات.. مكث يومين مع زوجته فى منزله بعين شمس.. ويوماً مع شقيقته فى حى المطرية المجاور.. وهناك تم إلقاء القبض عليه.

ومن المفارقات الغريبة فى حادث مقتل السادات.. أن قائد كتيبة الصاعقة التى كلفت بحراسة مستشفى المعادى العسكرى الذى يوجد به جثمان الرئيس السادات.. وقاتلو السادات الثلاثة المصابون.. وهم خالد الإسلامبولى، وعبدالحميد عبدالسلام وعطا طايل.. حيث أصيبوا بطلقات نارية وتم نقلهم الى مستشفى المعادى العسكرى.. فوجئ قائد الكتيبة بأن اسم «عبدالحميد عبدالسلام» يتردد داخل غرفة العمليات.. سأل وتقصى عن الاسم الثالث للمتهم.. وعندما أبلغوه تأكد أنه ابن خالته.. فقدم نفسه الى القائد العسكرى قائلاً: ان ابن خالتى من بين المتهمين بقتل السادات وأنا أقوم  حالياً بحراسته.. أرجو إعفائى من هذه المهمة.. وتم بالفعل إعفاء ابن خالة عبدالحميد من مهمته.. وشكروه.

ومن المفارقات أيضاً.. أنه حتى اليوم الثالث لاغتيال السادات.. فشلت جميع جهود الأطباء فى أن يسترد خالد الإسلامبولى وعيه من حالة الغيبوبة التى استمرت معه بعد إجراء جراحة لاستخراج ثلاث رصاصات أصيب بها فى بطنه مما اضطر الأطباء لقطع حوالى متر من أمعائه.. وكان الأطباء يلتفون حول «الإسلامبولى» ويقولون له: استيقظ ياخالد.. ان الرئيس السادات لم يمت وقد أصيب وشفى.. وانه سيعفو عنك«!!». فكان يستيقظ لحظة قصيرة ويقول: كيف لم يقتل رغم أننى أفرغت كل هذه الطلقات فى صدره.. مستحيل.. مستحيل.. ثم يعود لغيبوبته مرة أخرى.

وقال «الإسلامبولى» أثناء المحاكمة: كان أمامى «أبوغزالة» و«حسنى مبارك».. ولكنى قلت لهما: أنا لا أريدكما.. ولكنى أريد هذا.. يقصد السادات».

رحم الله الرئيس العظيم «أنور السادات» بطل نصر أكتوبر العظيم.