رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شوفها صح

مع شروق شمس يوم جديد في عام دراسي جديد وقفت «ليلي» تنظر في حسرة وألم إلي التلاميذ وقد اعتلت وجوههم فرحة تمنت أن تراها علي وجه صغيرها «محمد» الذي قرر مع نهاية العام الماضي ألا يذهب إلي مدرسته أبداً، وذلك بعد أن تحمل أربعة أعوام من المعاناة. مسحت دموعها واستقلت أتوبيساً مزدحماً يقلها إلي حيث تعمل لتجني لقمة عيش طاهرة. علي الجانب قرأت لافتة مرت أمام عينيها بسرعة خاطفة لكن كلماتها تركت أثراً في نفسها «احذر الطريق يضيق»!

حقيقة الأمر أن «أم محمد» كانت تتحمل العبء الأكبر حيث كانت تضطر إلي الاستيقاظ مبكراً وحمل ابنها المصاب بشلل الأطفال والانتقال به من البيت إلي المدرسة. ورغم أن المدرسة لا تبعد كثيراً عن البيت، فإنها كانت تستقل «توك توك» بخمسة جنيهات» هذا إذا لم يتبرع جارها الطيب لتوصيل الولد بسيارته الأجرة مجاناً رأفة بآلام المسكينة التي تربي خمسة أطفال آخرين بخلاف محمد وهذا طبعاً في غياب الزوج والأب «المحترم» الذي ترك زوجته وأم أولاده تصارع وحدها هموم الحياة. والقصة هنا لا تتعلق بأب يتخلي عن أم وأبناء بينهم طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة. بقدر ما تتعلق بمجتمع بأكمله ينفض عن نفسه مسئولية هي حق لمثل هؤلاء الأبناء وذويهم. حق لم تضمنه ترسانة قوانين ومواثيق ومعاهدات واتفاقيات وبروتوكولات ودساتير تروح وتجيء متضمنة عناوين كبري عن حقوق ذوي الإعاقة في التعليم, «وكله علي الورق»، بينما يصرخ الواقع بمآس يعيشها ملايين الأطفال وأسرهم في رحلة بحث شاقة عن «الماء والهواء» أي التعليم كما وصفه عميد الأدب العربي ووزير المعارف «المكفوف» الذي أكد للعالم أجمع أن ذوي الإعاقة لا ينقصهم سوي منحهم حقوقهم سواء بسواء مع غيرهم من المواطنين وحين تتاح للمعاق حقوقه قد يتفوق علي غيره وربما يحصل علي مكانة متميزة لا ينافسه فيها أحد. ومن يعلم ربما كان «محمد» بطل قصتنا اليوم علي موعد مع موقع متميز أو مكانة رفيعة. ربما كان ليصبح عالماً أو مفكراً أو أديباً من استطاع الحكم علي طفل بلا قيمة لمجرد أنه لا يستطيع المشي علي قدميه؟ والدة الطفل الذي بلغ منذ شهر عامه الثاني عشر تعي أن ابنها أجبر علي ترك دراسته لأن المدرسة لا تضع في اعتبارها أن هناك تلاميذ لهم ظروف خاصة كانت تتطلب استعداداً خاصاً وإلا كيف سيتمكن مصاب بشلل أن يصعد إلي فصله في الطابق الثالث وأمه لم تعد تستطيع حمله وقد كبر وهي أيضاً أصابها ما أصابه من اعتلال عمودها الفقري. وحتي إن استطاعت. محمد نفسه لم يعد يتحمل أن يراه زملاؤه محمولاً علي كتف أمه كرضيع وقد بدا عليه وعلي أقرانه بوادر الشباب. ناهيك عن شعوره بالعجز عن لعب الكرة معهم في فناء المدرسة حتي إن ارتضي بالجلوس أرضاً كحارس لمرمي صنعوه من الحجر. ليس مطلوباً من طفل في سن محمد أن يعي فلسفات الثقة بالنفس أو أن يقتنع بنظريات التحدي وإثبات الذات. ما زال صغيراً يحتاج دعم حرمه «الجهل» منه.مازال ضعيفاً يحتاج إلي قوي أكبر من قدراته قوي مؤسسية. مجتمعية تهيئ المدارس لاستقبال أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ليس بإتاحة الفصول والأفنية والطرقات ووسائل الانتقال فقط بل بتهيئة وتأهيل الوسائل التعليمية والمناهج..والنفوس أيضاً.