رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

تمتد صداقتي للفنان حسين نوح إلي ما يقرب من خمسة عشر عاماً، خلال تلك السنوات وجدت فيه فناناً تشكيلياً مبدعاً، له العديد من المعارض الناجحة، في مصر والعالم العربي، وأحتفظ له في منزلي بلوحة بديعة مرسومة علي الجبس في إبداع بالغ.

كما أعرف حسين نوح العازف الماهر.. الذي وإن انقطع عن العزف، إلا أنه لا يزال عازفاً ماهراً في الحياة.. فحسين نوح رجل محب للحياة.. يجيد اقتناص لحظات السعادة والتفاؤل وبثها لمن حوله.

كما أعرف حسين نوح المنتج الوطني.. وله العديد من المسرحيات التي قام بإنتاجها من خلال شركة النهار، كما أنه أنتج مسلسل «بنت من شبرا» للفنانة المتألقة ليلي علوي، وهو مسلسل أثار جدلاً كبيراً.. ولكن تفوح منه عبق الوطن وحب البشر والدعوة غير المباشرة للوحدة الوطنية.. وإن كنت أتساءل لماذا لم يكرر حسين نوح تجربته في إنتاج المسلسلات مرة أخري، هل لأن المناخ صار طارداً للأعمال ذات القيمة والهدف.. وحسين نوح لا يتنازل في مثل ذلك الأمر.. أم لأن صعوبات واجهته في إنتاج هذا العمل.. وهي صعوبات لها علاقة بأخلاق بعض البشر.. دفعته لعدم تكرار التجربة؟!

وأعرف حسين نوح - الرجل الوطني - الذي يعشق تراب هذا الوطن - حسين نوح الذي شارك في ثورة 25 يناير وما بعدها.. وكان همه الأول هو مصر.. فلحسين نوح آراء مستنيرة تحلل وتنقد.. وتحذر أيضاً في كثير من الأحيان.. وكم كان حزنه أيضاً وقت حكم الإخوان ورأي أن مصر تسير إلي هاوية إن لم يسقط حكم الإخوان وهو ما كان.. وسعادته أن مصر طردت فلول الإخوان من فوق صفحتها.. فعادت مصر للمصريين!

ولكن ما لم أكن أعرفه هو أن حسين نوح روائي أيضاً.. وقادر علي الإبحار في عالم الرواية الأدبية بمهارة.. وأنه ظل ينسج عمله الروائي الأول «تعاريج» مدة أربع سنوات.. فيكتب ويعيد الكتابة إلي أن يفاجئنا بروايته الجديدة.. لأكتشف أن صديقي حكاء بارع علي الورق مثلما هو في الحياة.. وقد أدهشني ذلك الأثر في البداية.. ثم اكتشفت أنها نتيجة طبيعية لرجل عشق الفن والأدب.. وله نظرة أدبية فنية تحليلية بارعة يشهد بها كل أصدقائه.

وفي روايته الأولي «تعاريج» تكتشف وجود الفنان داخل سطور الرواية وشموخها.. فهي مرسومة بدقة وبراعة، بها مزيج ساحر من الألوان والظلال، شخوصها حية تموج بالمشاعر، الرغبات والأحلام، تواجه الكوارث بقدرية وتحاول أن تتجاوزها، يدفعها تفاؤل أصيل لدي الكاتب، تفاؤل استمده من الشعب المصري ومن بطلة الرواية «عزيزة» وهي الأم لبطل الرواية «ماهر».. وهي نموذج لكل أم مصرية.

ويقول «ماهر» - حسين نوح - عن «عزيزة» أو عن الأم في روايته وربما في حياته إنها أم ليست مثل باقي الأمهات، ونحن جميعاً نقول نفس الأمر عن أمهاتنا، لذلك أكاد أجزم بأن عزيزة تحمل الكثير من صفات والدة حسين نوح ذاته، فهي منسوجة بعشق وحب، أم ثكلت بفقد زوجها مبكراً.. فعاشت لأجل أبنائها ومنحتهم عمرها كله.

وربما كان حسين نوح صنع حالة أسطورية بعض الشيء حول عزيزة، وكأنه يرمز بها إلي إيزيس المصرية.

والرمز واضح في رواية «تعاريج» بدءاً من العجوز الجالس في الأتوبيس المتجه إلي روكسي.. وكأنه أحد قدمائنا المصريين.. في سخطه لنموذج ماهر في مراهقته بملابسه المزركشة وشعره الطويل.. نهاية بنهاية الرواية عندما صرخ البعض «حادثة» ليعقبها هتاف «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» وكان ما جري لمصر بعدها كان حادثة حقيقية.. نجت منها بفضل عون الله وتضحيات شعبها.

ورواية تعاريج.. رواية مصرية صميمة.. تبدأ من الريف.. من طين هذه الأرض.. بكل حكايات الريف الجميلة.. وبأناس يصحون من الفجر من أجل زراعة أرضهم.. نهاية بذلك الريف وقد صارت بيوته الطينية عمارات شاهقة.. لا يخبز فيها أحد خبزاً.. ولا يزرع أحد أرضاً.. وقد هجر الفلاحون أرضهم.. أو قاموا بتبويرها ليحولوها إلي كتل من الأسمنت.

وفي «تعاريج» تجد تاريخ مصر حياً نابضاً بداية من حرب 1967 ونهاية بمشروع توشكي الذي تحول من حلم إلي كارثة اقتصادية.. فهي رواية من الحياة والبشر.. الأمل والانكسار.. وروح المصريين التي تستعيد تدفقها مهما كانت الكوارث لتعود مصر مرة أخري شابة عفية قادرة علي الحياة من جديد.