رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نقطة ساخنة

«كل رؤساء مصر ينتمون للطبقة الوسطى بدءاً بالرئيس «محمد نجيب» مروراً بـ«عبد الناصر» و«السادات» و«مبارك» و«مرسى» حتى الرئيس «السيسى».. ورغم ذلك لم ينصفوها».

 

إذا كان الفقراء فى عهد حكم مبارك الفاسد قد ازدادوا فقراً.. فإن الطبقة الوسطى قد تعرضت لضربات موجعة قسمت ظهرها.. وأصبحت هذه الطبقة تعانى نفس أمراض الطبقة الفقيرة.. تعانى من ضعف الأجور وغلاء الأسعار والبطالة.. بل تعرضت لطمس حقوقها فى السلم الطبقى.. رغم أنها كانت الفئة الوحيدة التى تواظب على أداء واجباتها دون قيد أو شرط.. وتحملت فاتورة جميع مراحل النضال الوطنى والبناء منذ أكثر من مائة عام.

و«الطبقة الوسطى» يمثلها أطباء وقضاة ومحامون ومدرسون وصحفيون وأساتذة جامعات وضباط جيش وشرطة، وموظفون فى دواوين الحكومة.. وينتمى رؤساء مصر الستة الى «الطبقة الوسطى».. بدءاً بالرئيس محمد نجيب، مروراً بعبدالناصر والسادات ومبارك ومرسى حتى الرئيس عبدالفتاح السيسى.. ومع ذلك تعرضت هذه الطبقة ـ وفى ظل حكم كل هؤلاء الرؤساء ـ الى التجاهل حتى تآكلت.. وهبط كثير من أبناء الطبقة الوسطى الى مستوى الطبقة الدنيا.. رغم أن الطبقة الوسطى هى قاعدة المجتمع لما تحظى به من ثقل فكرى وأخلاقى وثقافى.. وهى قاطرة المجتمع نحو التقدم.. وبدون الحفاظ عليها يحدث خلل جسيم فى بناء المجتمع كله.. وهو ما تشهده مصر الآن.

وقد شهدت السنوات العشر الأخيرة لحكم مبارك الفاسد انهياراً رهيباً فى السلم الطبقى.. بسبب «زواج السلطة والثروة» والذى ترتب عليه وجود طبقة من الأثرياء ممن تربحوا من توزيع الأراضى الصحراوية وتحويلها الى منتجعات حققت المليارات من الجنيهات.. أو ممن تربحوا من التوكيلات وتجارة القمح واللحوم واحتكار الحديد وغيرها.. والتى أدت فى النهاية الى تآكل  وتلاشى «الطبقة الوسطى».. بعد أن ازداد الفقراء فقراً.. وازداد الأغنياء ثراء.

وقامت ثورة 25 يناير.. ثم من بعدها ثورة 30 يونية لتنادى بثلاثة مطالب أساسية «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» وهى مطالب نادى بها أبناء الطبقة الوسطى.. ومع ذلك لم تنصف ـ حتى الآن ـ الطبقة الوسطى.. بل زادت متاعبها.. ومازالت تعانى ضعف الأجور، وغلاء الأسعار، والبطالة.. وهذا يعنى أننا فى حاجة الى مشروعات صناعية واستثمارية ورؤية شاملة لتستوعب طاقات هذه الفئة المهمة فى المجتمع.. والتى تمثل صمام الأمان لأى مجتمع يسعى نحو التقدم.. وهذه ليست قضية حزب أو مؤسسة.. بل قضية كل المجتمع المصرى.

فالطبقة الوسطى دائماً ماكانت تقوم بدور القيادة للمجتمع بداية بالتحرر من الاستعمار، وبناء مجتمع جديد، ونظام حكم عادل، ثم خوض حرب تحرير، وأخيراً التنمية بكل أشكالها.. إذن فهى الطبقة «الأم» التى تقوم طوال الوقت بغربلة مستمرة لبنائها وحراكها الاجتماعى.. وهى دائماً ما تأخذ بيد الطبقة الدنيا لتحصل على حقوقها ولترفعها الى مصافها.. وهى فى الوقت نفسه تسعى للرقى الفكرى والثقافى والمهنى لأبنائهم لترفعهم الى سلم «الطبقة العليا» أو حتى فوق المتوسطة.. ومن هنا فإن هذه الطبقة تعرضت لظروف قاسية لا يمكننا إغفال أى جزء منها لأنها مسئولية الحكومات التى ولدت من رحم هذه الطبقة.. لتكون هى نفسها أداة لتحجيمها وتهميشها.

قبل ثورة يولية 1952.. كانت الطبقة الوسطى هى هذا المكون الذى يضم العمال والموظفين والفلاحين الذين كانوا يعملون فى الاقطاعيات والوسيات ودواوين الدولة.. ودائماً ما كان هؤلاء يسعون لإلحاق أبنائهم بالمدارس المختلفة.. وبعد ذلك أصبح لديهم آمال كبيرة لإلحاقهم بالجامعات التى كانت تعد على أصابع اليد فى هذا الوقت.. بل كان البعض منهم يحرم نفسه وأسرته من لقمة العيش البسيطة ليعد العدة لأحد أبنائه للحاق بقطار التعليم بالخارج.. أو استكمال دراسته ضمن احدى البعثات التى كانت تمنحها  كل من بريطانيا وفرنسا فى ذلك الوقت.. ومن هؤلاء تم تشكيل النخب الثقافية المصرية المتعددة الاتجاهات والأفكار.. كل حسب المدرسة التى تعلم منها وتأثر بآرائها وطبقها عملياً.

فى الوقت نفسه كانت هناك مدرسة الحربية والبوليس التى واربت أبوابها لقبول بعض أولاد هذه الطبقة الذين تعلموا النظام وقيمة الوقت والوطنية.. وتقلبت أفكار النخبة الثقافية مع أفكار النخبة العسكرية لتكون خليطاً من معادلة وطنية فى ظل أحزاب سياسية قوية هى أيضاً إفراز تلك الطبقة الوسطى.. فقد صعد الأبناء هذا السلم من جامعات الحقوق والطب وغيرهما.. وكان أساتذتهم هم من سبقوهم فى العلم وحصلوا على درجات وألقاب صفوة المجتمع من «باشوات» و«بكوات» وغيرها من الألقاب.. وتعانقت الأجيال فى حب مصر وكونت أحزاباً قوية كانت الظهير الذى يقوم بحماية هذه الطبقة للحصول على حقوقها بما كان ممكناً فى هذا الوقت قدر المستطاع فى ظل حكم ملكى واستعمارى.

من هنا جاءت فكرة «الثورة البيضاء» وهى الحصول على الحقوق ومنح الواجبات عن طيب خاطر كواجب وطنى لتحقيق «عدالة ومساواة اجتماعية».. وقاد هذا الفكر أبناء «الطبقة الوسطى» بحزبيها الثقافى والعسكرى.. ومن هنا كان على هذه الصفوة الحاكمة الجديدة أن تقوم بالدور الذى وعدت به عقب قيام ثورة «23 يوليو 1952».. وهو الأخذ بيد الطبقة الدنيا للحصول على حقوقها من الطبقة العليا.. التى استغلتها ولم تعط لها المقابل.. لكن للأسف كان التطبيق صارماً وحاداً وغير مدروس مما أدى الى كوارث اقتصادية.. فقد أخذت هذه الصفوة الجديدة من القديم كل من تملك أرضاً ومالاً وشركات ومصانع.. على الرغم من أن كثيراً منها كان فى خدمة الاقتصاد الوطنى.. وكان هنا خطأ التطبيق.. فلم تجعل دورة الاقتصاد الوطنى الحر ينطلق.. بل أغلقت عليه بالتأميم.. وحددت الملكية الزراعية.. ومنحت باقى الأرض للفلاحين المعدمين.. وبعد هزيمة يونية 1967 انهارت الفكرة وأصبح الاقتصاد فى خدمة بناء الجيش وشراء السلاح.. ومن ثم تراجعت التنمية وتأثرت صناعات كثيرة بالسالب لعدم تحديث الآلات.. ثم جاء الانفتاح الاقتصادى فى عهد السادات ليخلق طبقات جديدة فى المجتمع.. من الهليبة وتجار الشنطة إضافة الى الصناعات الاستهلاكية التى لم تكن فى خدمة «الطبقة الوسطى» بل ضربتها فى العمق.

لذلك.. حدث فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة.. ان كان كل من المرشحين »السيسى».. و«صباحى» يغازلان الطبقة الوسطى لتحقيق مكاسب انتخابية.

ان الرئيس عبدالفتاح السيسى واحد من أبناء الطبقة الوسطى.. ويعرفها جيداً.. وبيده أن يعيد البوصلة الى نصابها.. ومن ثم فإن الدور الجديد للحكومة والتى يجب أن تركز عليه فى المرحلة المقبلة هو المزيد من إنشاء المصانع وزيادة رقعة الاستثمار وتطوير التعليم ورفع الأجور لتحقيق التوازن فى السلم الطبقى.

إن «الطبقة الوسطى» هى صمام الأمان لأى مجتمع متقدم.