عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

استراتيجية مصرية ضخمة لحماية الأمن الغذائى

الدولة المصرية
الدولة المصرية

تسعى الدولة المصرية جاهدة لمواجهة التأثيرات السلبية العالمية التى ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والأمن الغذائى، من خلال سد فجوات النقص فى الغذاء والحفاظ على الأمن المصرى القومى الغذائى، عبر مساعى الاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية والأساسية لسد هذا الاحتياج والوقاية من تبعاته وآثاره.

 

يأتى ذلك على الرغم من دخول مصر إلى حيز الاستيراد لعدد من تلك السلع وعلى رأسها القمح الذى يأتى فى المرتبة الأولى، والذى بات متعلقًا بتبعات الحرب الروسية الأوكرانية وأحدث قصورًا كبيرًا، خاصة أن روسيا وأوكرانيا تُصدر نحو 80% من القمح لسد الاحتياجات المصرية من هذه السلعة، إضافة إلى شبح الزيادة السكانية المطردة التى لا تتوقف.

 

تتضمن الاستراتيجية المصرية التى تستهدف حماية الأمن الغذائى، تنفيذ مشروعات قومية عملاقة من شأنها تحقيق التنمية الزراعية المستدامة ضمن رؤية مصر 2030، بهدف الحفاظ على الموارد الاقتصادية الزراعية المتاحة وصيانتها وتحسينها وتنميتها مع تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة وتحقيق قدر كبير من الأمن الغذائى، والعمل على إحلال الصادرات محل الواردات.

 

وتدرك الحكومة المصرية أن الأمن القومى الغذائى يتحقق إذا استطاعت الدولة الوصول إلى الاكتفاء الذاتى من أنواع الغذاء الضرورية للحياة؛ كالقمح والأرز والذرة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الغذاء الاستراتيجى.

كما تدرك الحكومة أن الأمن الغذائى واحد من أهم الملفات التى تندرج تحت عبارة «حياة أو موت»، ويُمثل تحديًا كبيرًا سواء كان بالنسبة للدول المتقدمة أو الدول النامية على حد سواء، خاصة أن نقص الغذاء أصبح مشكلة كبيرة ضمن القضايا الاستراتيجية والاقتصادية المتعلقة بالأمن القومى، حتى بات وسيلة ضغط من قبل بعض الدول تجاه الأخرى لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية أخرى.

 

جهود الدولة لسد نقص فجوة الأمن الغذائى وتحقيق اكتفاء من السلع الاستراتيجية، يستعرضها هذا الملف.

 

فالأمن الغذائى يشكل هدفا من أهداف الدولة الأساسية وبُعدًا من أبعاد الأمن القومى الذى يمكن أن تضعه الحكومة وتعمل على تحقيقه، فى حين أن الحق فى الغذاء هو حق من حقوق إلإنسان، إضافة إلى أن مناولة الأغذية بطريقة غير مأمونة، والتعدى على الحياة البرية، سببًا وراء تزايد عدد الأمراض والمرضى ومن شأن تتبع المواد الغذائية على طول سلسلة التوريد، بطريقة لا مركزية أن يخلق فرصًا للحصول على غذاء أكثر أمانًا واستدامة.

ويشير عدد من الخبراء إلى أن الأزمة الغذائية لا تعود أسبابها فقط إلى تلك الأزمات العالمية المتعلقة بالحروب أو انتشاء الأوبئة أو أية تحديات أخرى، وإنما يتعلق الأمن الغذائى تعلقًا مباشرًا وبصورة كبيرة بالزيادة السكانية المُطردة والتى تؤثر بشكل كبير فى الفاتورة الاستيرادية، ويعيق مفهوم الاكتفاء الذاتى ويُهدد المخزون الاستراتيجى لا سيما فى السلع الاستهلاكية الأساسية.

 

فى هذا الملف نرصد تحديات الأمن الغذائى فى مصر وسبل تحقيقه.

 

شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص لسد الفجوة الغذائية

الحكومة الرشيدة هى التى تسعى وفق خطة مدروسة لتوفير الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الضرورية لحفظ أمنها القومى، وفى حالة تعذر ذلك تتخذ من السياسات ما يقلل المخاطر لأدنى حد ممكن.

 

وحسب السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضى فإن ملف الأمن الغذائى تعرض للعديد من التحديات العالمية بدءاً من أزمة كورونا ومروراً بالأزمة الروسية الأوكرانية مع زيادة حدة التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية.

 

وأضاف أن هذه التحديات أثرت بشكل كبير على اقتصاديات الدول وخلقت أوضاعا مؤلمة أدت إلى ارتباك شديد فى أسواق السلع الغذائية خاصة الأساسية منها نتيجة التأثير على سلاسل الإمداد والتوريد مع نقص فى إنتاجية المحاصيل وزيادة أسعار مستلزمات الإنتاج مع ارتفاع فى أسعار الشحن والنولون والتأمين، بالإضافة إلى انخفاض حجم الاحتياطيات الأجنبية للدول.

 

وأوضح أن كثيرا من الدول أصبحت غير قادرة على توفير الغذاء لشعوبها، وهو ما أكد حقيقة أن الأموال وحدها أصبحت غير كافية لتحقيق الأمن الغذائى للشعوب وأن تأثير هذه الأزمات قد طالت العالم أجمع بلا استثناء.

تغيرات المناخية

وأضاف وزير الزراعة أن الدولة المصرية مثلها مثل كل الدول تأثرت بالأزمات والتحديات العالمية المتشابكة نتيجة التلاحم والتأثير المتبادل للمعاملات فيما بين الدول، خاصة مع توجه معظم دول العالم نحو الأخذ بمفهوم الأمن الغذائى النسبى الذى يسهم فى زيادة حركة التجارة الدولية، وفى نفس الوقت يعظم الاستفادة من المزايا النسبية لكل دولة بما يمكنها من تحقيق أقصى استفادة من مواردها الاقتصادية بعيداً عن مفهوم الأمن الغذائى المطلق.

 

وأوضح «القصير» أن ما يزيد من تأثير هذه التحديات على الدولة المصرية هو محدودية الأراضى المتاحة للزراعة وتناقص نصيب الفرد منها، إضافة إلى أن مصر تعتبر واحدة من الدول التى تعانى من الفقر المائى، كما أن التفتت الحيازى فى الأراضى القديمة بالوادى والدلتا عائق رئيسى لتنفيذ كثير من السياسات الزراعية التنموية.

 

وأشار «القصير» إلى أن الزيادة السكانية المضطردة تعمق من حدة تأثيرات كل هذه التحديات، وهو ما يستوجب منا جميعاً التفكير فى تدابير وإجراءات لمواجهة ذلك ومن خلال شراكة استراتيجية حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص مع تحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية فى مجال الزراعة والأنشطة المرتبطة بها، إضافة إلى تدعيم دور شركاء التنمية ومؤسسات التمويل الدولية خاصة فى البرامج المرتبطة بالتخفيف من أثر التغيرات المناخية وبناء أنظمة زراعية وغذائية مستدامة وقادرة على الصمود فى مواجهة كل هذه المتغيرات وتقديم التمويل المستدام الذى يراعى كل الأبعاد البيئية والاجتماعية والحوكمة.

 

ونشر المركز الإعلامى لمجلس الوزراء تقريراً يسلط الضوء على جهود الدولة المصرية من أجل توفير مخزون استراتيجى آمن من السلع الأساسية، والسياسات الفعالة التى تتبناها لضبط الأسواق، والسيطرة على الأسعار فى ظل الأزمات الحالية التى تعصف بالأسواق العالمية.

 

وأظهر التقرير نسب الاكتفاء الذاتى للسلع الاستراتيجية فى 2021، مستعرضاً مدة تغطية هذه السلع حتى الآن، حيث بلغت نسبة الاكتفاء من القمح 65% كمخزون آمن لنهاية العام بعد بدء الحصاد فى أبريل، والزيوت بنسبة اكتفاء 30%، ومدة تغطية 5 أشهر، والأرز بنسبة اكتفاء 100%، ومدة تغطية 6.5 شهر، والمكرونة بنسبة اكتفاء 100%، ومدة تغطية 5 أشهر، والسكر بنسبة اكتفاء 87%، ومدة تغطية 4.5 شهر، واللحوم الحية بنسبة اكتفاء 57% ومدة تغطية 9.5 شهر، والدواجن بنسبة اكتفاء 97%، ومدة تغطية 6.5 شهر، والفول بنسبة اكتفاء 30%، ومدة تغطية 3 أشهر.

 

وأوضح التقرير جهود الدولة لمواجهة ارتفاع أسعار القمح عالمياً، حيث وجّه الرئيس عبدالفتاح السيسى بمنح حافز توريد إضافى لسعر إردب القمح المحلى للموسم الزراعى الحالى لتشجيع المزارعين على توريد أكبر كمية ممكنة.

 

وحول جهود الدولة لتقليص الفجوة بين الإنتاج والاستيراد، أوضح التقرير أنه من المتوقع أن يبلغ إنتاج مصر من القمح 10 ملايين طن عام 2022، مقارنة بـ9 ملايين طن عام 2021، بنسبة زيادة 11.1%، فضلاً عن زيادة مساحة القمح المزروعة بنسبة 7.4%، حيث بلغت 3.65 مليون فدان فى 2022، مقابل 3.4 مليون فدان فى 2021.

 

كما أبرز التقرير جهود الدولة لرفع قدرتها على استيعاب مخزون استراتيجى كافٍ من القمح، حيث تم إطلاق المشروع القومى للصوامع، وقد بلغ إجمالى عدد الصوامع 75 صومعة فى 2021، مقارنة بـ40 صومعة فى 2014، لافتاً إلى زيادة السعة التخزينية للصوامع بنسبة 183.3%، حيث بلغت 3.4 مليون طن فى 2021 مقارنة بـ1.2 مليون طن فى عام 2014.

 

وذكر التقرير أن 7 مستودعات استراتيجية جار تنفيذها بتكلفة تصل إلى 30 مليار جنيه، بهدف زيادة المخزون السلعى ووصوله إلى ما بين 8 لـ9 أشهر بدلاً من 4 لـ6 أشهر، حيث تبلغ مساحة المستودع الواحد 10 أفدنة قابلة للتوسعات المستقبلية.

 

كما تم تطوير الشون من خلال تحويل 105 شون ترابية لهناجر مطورة بإجمالى طاقة تخزينية 211.5 ألف طن، ضمن جهود الدولة لاستيعاب مخزون استراتيجى كافٍ من القمح.

 

وأشار التقرير إلى حجم التعاقدات الحكومية من السلع الاستراتيجية منذ يوليو 2021 حتى الآن، فبالنسبة للدواجن المجمدة وصلت تعاقداتها إلى 11 ألف طن، واللحوم الحية 26 ألف طن، واللحوم المجمدة 3.8 ألف طن، والمكرونة 175 ألف طن، والأرز 106.5 ألف طن، والزيت الخام المحلى والمستورد 612.5 ألف طن، والسكر الخام المستورد 300 ألف طن، بينما وصلت تعاقدات السكر الأبيض المحلى 1200 ألف طن.

 

مشروعات قومية عملاقة لزيادة مخزون السلع

 

وضعت الدولة المصرية من خلال وزارة الزراعة استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة ضمن رؤية مصر 2030 استهدفت الحفاظ على الموارد الاقتصادية الزراعية المتاحة وصيانتها وتحسينها وتنميتها مع تحقيق تنمية متوازنة واحتوائية ومستدامة وتحقيق قدر كبير من الأمن الغذائى وإقامة مجتمعات زراعية جديدة متكاملة، وكذلك تدعيم القدرة التنافسية للصادرات الزراعية المصرية وتوفير فرص عمل منتجة خاصة للشباب والمرأة مع تحسين دخول ومستوى معيشة السكان الزراعيين والتكيف مع التغيرات المناخية ومحاولة تقديم حلول للتخفيف من آثاره.

 

تمثلت أهم محاور تنفيذ هذه الاستراتيجية فى محور التوسع الأفقى والمتمثل فى المشروعات القومية الكبرى التى استهدفت استصلاح وزراعة ملايين الأفدنة لتعويض النقص فى الأراضى القديمة والتى تآكلت بفعل التعدى عليها وأيضاً كأثر للتوسع فى الأحوزة العمرانية، ومشروعات النفع العام.

تتضمن أبرز هذه المشروعات مشروع مستقبل مصر الذى يمثل باكورة مشروع الدلتا الجديدة العملاقة بمساحة 2.2 مليون فدان، ومشروع توشكى الخير بمساحة 1.1 مليون فدان، ومشروع تنمية شمال ووسط سيناء بحوالى 500 ألف فدان، ومشروع تنمية الريف المصرى بمساحة 1.5 مليون فدان، بالإضافة إلى المشروعات الأخرى فى جنوب الصعيد والوادى الجديد وكلها مشروعات تكلف الدولة المليارات فى وقت يفقد فيه العالم ملايين الهكتارات سنوياً بسبب الجفاف والتصحر وتدهور التربة.

وزارة الزراعة

يضاف إلى ذلك محور التوسع الرأسى الذى استهدف زيادة الإنتاجية ورفع كفاءة وحدة المساحة من خلال استنباط أصناف وهجن متميزة ذات إنتاجية عالية مع الاتجاه نحو التوسع فى الأصناف التى تتكيف مع التغيرات المناخية مما جعل من الأصناف والهجن المصرية فى أعلى مراتب الإنتاجية العالمية خاصة من المحاصيل الاستراتيجية بالنسبة لوحدة المساحة، ووفقاً لما ورد بموقع وزارة الزراعة الأمريكية فإن ترتيب مصر من حيث إنتاجية وحدة المساحة بالنسبة للقمح الرابع على مستوى العالم والثانى بالنسبة للأرز، وهكذا بالنسبة لمحاصيل كثيرة.

 

كما تضمن اتجاه الدولة تنويع مصادر المياه سواء من خلال إقامة محطات معالجة مياه الصرف الزراعى العملاقة مثل محطة المحسمة بطاقة 1 مليون متر مكعب يومياً ومحطة معالجة مياه مصرف بحر البقر بطاقة 5.6 مليون متر مكعب يومياً والتى حصلت على أكبر محطة على مستوى العالم، ويجرى حالياً الانتهاء من محطة الحمام بطاقة 7.5 مليون متر مكعب، والتى تستهدف خدمة مشروع الدلتا الجديدة مع تبنى المشروع القومى لتبطين الترع والمساقى، والتوجه نحو التوسع فى التحول من أنظمة الرى بالغمر إلى أنظمة الرى الحديث من خلال إطلاق برنامج تمويلى ميسر على 10 سنوات وبدون فائدة.

وزارة الزراعة

كما وضعت الدولة خطة للتوسع فى الاعتماد على التقاوى المعتمدة بشكل كبير خلال العامين الماضيين خاصة فى المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة، أيضاً تبنت وزارة الزراعة نشر الخريطة الصنفية لبعض المحاصيل بما يستهدف رفع الإنتاجية والتوسع فى الحقول الإرشادية مع تبنى برنامج قومى لإنتاج تقاوى محاصيل الخضر.

 

وتتجه الدولة إلى تفعيل منظومة الزراعة التعاقدية بالنسبة للمحاصيل الزراعية الاستراتيجية فى القمح – الذرة – فول الصويا – عباد الشمس، إضافة إلى محصولى قصب السكر وبنجر السكر المطبق عليهم الزراعة التعاقدية حالياً من خلال الإعلان عن أسعار ضمان وفى وقت مبكر قبل الزراعة بما يحفز المزارع والفلاح من التوسع فى هذه المحاصيل.

 

هذا بجانب مشروع تبطين الترع الذى يعد أحد أهم المشروعات القومية فى الوقت الحالى ويمثل أحد أركان خطة الدولة لتعظيم الاستفادة من المياه وتوفير الاحتياجات المطلوبة لكل القطاعات بشكلٍ عام وللقطاع الزراعى بشكلٍ خاص.

 

وفى هذا الإطار، قال السيد القصير، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، إن مصر حققت اكتفاءً ذاتياً لـ9 مجموعات محصولية، منها الخضر والفاكهة وبعض السلع الأخرى، مع وجود فائض للتصدير، كما اقتربنا من تحقيق الاكتفاء الذاتى من السكر، وتم تضييق الفجوة الإنتاجية لمحاصيل أخرى مثل القمح والذرة وغيرها، وذلك من خلال الإنتاجية المحققة من المشروعات نتيجة زيادة مساحة الرقعة الزراعية وزيادة الإنتاجية خاصة فى ظل توجيهات القيادة السياسية بأن تكون الأولوية فى مشروعات التوسع فى الأراضى الزراعية الجديدة للمحاصيل الاستراتيجية مع تدعيمها بمشروعات وتجمعات زراعية متكاملة تشمل الأنشطة الحيوانية والداجنة والسمكية والتصنيع الزراعى.

 

تأثيرات سلبية لحرب أوكرانيا على الأسواق المصرية

 

الأمن الغذائى بمعناه البسيط يعنى كفاية المعروض من المواد الغذائية، على أن تكون بأسعار فى متناول الغالبية العظمى من الشعب، مع ضمان استدامة توافرها.

 

 وكشفت دراسة للباحثة هبة زين بعنوان «الأمن الغذائى المصري.. الواقع والمأمول» أن الأمن الغذائى العالمى يعانى الهشاشة طوال السنوات الثلاث الأخيرة.

 

وقالت الدراسة: مع انتشار جائحة كورونا حول العالم انعدم الأمن الغذائى فى البلدان الأشد فقرًا والأكثر ضعفًا.

فوفقًا لبرنامج الأغذية العالمى، سقط ما يصل إلى 96 مليون شخص من 54 بلدا من البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية فى براثن انعدام الأمن الغذائى الحاد فى عام 2020، ويُضاف هذا العدد إلى 137 مليون شخص الذين كانوا يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائى الحاد بنهاية عام 2019 فى جميع أنحاء هذه البلدان.

وفى ظل استمرار جائحة كورونا التى لم تنتهِ بعد، وتأثيرات التغير المناخى التى تشكل تهديدا رئيسيا للأمن الغذائى فى عدد من الدول، ومن بينها مصر احتدمت الحرب الروسية الأوكرانية لتستمر لأكثر من عام حتى الآن، مخلفة أزمة اقتصادية عالمية لم يشهدها العالم من قبل، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم العالمية وارتفاع تكاليف المعيشة، وتكدس السلع فى الأسواق لتشكل خطرًا على ما يصل إلى 828 مليون شخص جائع فى جميع أنحاء العالم.

 

وأوضح تقرير لبرنامج الأغذية العالمى أن عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائى الحاد قد ارتفع من 135 مليونًا إلى 345 مليونًا منذ عام 2019، وهناك حوالى 50 مليون شخص فى 45 دولة على حافة المجاعة. حيث أن غالبية دول العالم أمام مفترق طرق كارثة الجوع، إلى حد إطلاق برنامج الأغذية العالمى «عام من الجوع غير المسبوق» على عام 2022.

 

وقالت الدراسة: إن نحو 60% من الأشخاص فى البلدان المتضررة يعانون من انعدام الأمن الغذائى المزمن، ويعانى 65 بلدًا من أصل 77 من تزايد معدلات نقص التغذية (2011-2017) من التباطؤ الاقتصادى. وأدت الكوارث المرتبطة بالطقس إلى تشريد داخلى جديد لحوالى 30 مليون شخص خلال عام 2020، موضحة أن ارتفاع درجات الحرارة يسرع معدلات البخر من النباتات والتربة، ويجب توفير ما يكفى من المياه لنمو المحاصيل، لذا ستعانى المناطق التى تعانى بالفعل من نقص المياه أكثر من غيرها من الدول.

 

وأوضحت أن بلدان حزام منطقة الساحل الأفريقى أو جنوب آسيا يمكن أن يكون لارتفاع درجات الحرارة فيها تأثير فورى على المحاصيل، فوفقًا للبنك الدولى، من الممكن أن يسقط نتيجة لذلك ما يقدر بنحو 43 مليون شخص فى أفريقيا وحدها تحت خط الفقر بحلول عام 2030.

 

وأكدت الدراسة أن واقع الأمن الغذائى المصرى، وفقًا لتقرير حالة الأمن الغذائى والتغذية فى العالم لعام 2022 الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فإن عدد الذين يعانون من النقص الغذائى - الحالة التى يكون فيها استهلاك الأغذية المعتادة للفرد غير كافٍ لتوفير كمية الطاقة الغذائية اللازمة لعيش حياة طبيعية وموفورة النشاط – بمصر خلال الأعوام (2004-2006) بلغ حوالى 4.9 مليون بنسبة 6.4% من إجمالى السكان، فيما كان المتوسط العالمى 12.2%. فى حين انخفضت النسبة خلال الفترة (2019-2021) إلى 5.1%، إلا أن نتيجة الزيادة السكانية فقد ازدادت أعداد السكان الذين يعانون من نقص غذائى إلى 5.2 ملايين شخص فى الفترة نفسها. يذكر أن المتوسط العالمى قد انخفض إلى 9%، بإجمالى 702.7 مليون شخص خلال الفترة (2019-2021).

 

وأشارت الدراسة إلى أنه وفقًا لمؤشر الأمن الغذائى العالمى 2022، فقد حققت مصر 53 نقطة كقيمة المؤشر الإجمالية للأمن الغذائى، لتحتل المركز 77 عالميا. وعن المحاور الأساسية التى يتكون منها المؤشر، جاءت قيمة محور القدرة على تحمل التكاليف -وهو مؤشر مركب يشير إلى حجم وحرية التجارة الزراعية وتعريفات الواردات الزراعية- حوالى 65.2 نقطة لتحتل المرتبة 66 عالميًا. أما عن مؤشر التوفر -وهو مؤشر مركب يهتم بقدرة المزارعين على الوصول إلى المدخلات الزراعية- فبلغت قيمته 54.2 نقطة لتحتل المرتبة 73 بين 113 دولة.

 

وفى المقابل، كان المحور الثالث «الجودة والأمان» -وهو مؤشر يهتم بالتنوع الغذائى للمواطنين ومدى استهلاك الوجبات الخفيفة والسكر- وحصدت مصر من خلاله 45.9 نقطة لتحتل المرتبة 101 عالميًا. وأخيرا، مؤشر الاستدامة والتكيف ويشير إلى مدى توافر الموارد الطبيعية والمستدامة، واحتلت فيه مصر المرتبة 51 عالميًا بإجمالى قيمة مؤشر تقدر بـ55.8 نقطة.

 

ووفقًا للميزان المائى لمصر، فإن الموارد المائية المصرية تكاد تكون ثابتة رغم الزيادة السكانية، والتى أدت إلى زيادة حجم المستخدم لأغراض الشرب من 10.65 مليار متر مكعب فى 2016/2017 إلى 11.53 مليار متر مكعب فى 2019/2020. فى حين انخفضت الموارد الموجهة لأغراض الزراعة من 61.45 مليار م3 فى 2016/2017 إلى 61.63 م3 فى 2019/2020.

 

فى السياق ألقت الأزمة الروسية الأوكرانية بتأثيراتها على الأ

من الغذائى المصرى؛ إذ تؤمن مصر نصف احتياجاتها من القمح تقريبًا من الخارج، وأغلبها من دولتى الصراع. حيث أثرت الأزمة الجارية على أسعار عدد من السلع الأساسية لأن روسيا مورد رئيسى للقمح والغاز والحبوب والنيكل والنحاس والبلاديوم والبوتاس، المكون الرئيسى فى عدد من الأسمدة وأيضاً الفحم، وهو ما أسفر عن ارتفاع أسعارها عالميًا.

 

وحول ارتفاع أسعار الغذاء فى مصر، أوضح الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن الغذاء والمشروبات الأكثر تضررًا خلال العام الماضى، فقد ارتفعت أسعار الطعام والشراب بنسبة 37.9% بالمقارنة بالعام الماضى. وكانت أكثر السلع تأثرًا الخبز والحبوب بنسبة 58.3% على أساس سنوى، وكانت أقل السلع تضررًا الفاكهة والتى ارتفعت أسعارها بنسبة 15.7% على أساس سنوى، وقد يرجع ذلك إلى تزايد زراعة الفاكهة بمصر وتوجيه جزء منها للتصدير للخارج.

 

وخلصت الدراسة إلى أن مصر استطاعت تحقيق عدة نجاحات فى مجال ضمان الأمن الغذائى رغم التهديدات الراهنة (تغير المناخ، الشح المائى، تفتت أحوزة الأرض الزراعية، تزايد التضخم العالمى، الأزمة المالية العالمية.. وغيرها)، وقد يرجع ذلك إلى الخطوات الاستباقية التى اتُخذت قبل اندلاع الأزمة فى صورة مشروعات قومية لزيادة الرقعة الزراعية، وترشيد وإعادة معالجة واستخدام المياه، وتعزيز الثروات السمكية، والحيوانية والداجنة، إلا أن هذه المشروعات لم تكن كافية للصمود أمام الأزمة والاكتفاء بها عمن سواها، موضحة أن الوقت الراهن، هو الأنسب لإطلاق استراتيجية وطنية لتحقيق الأمن الغذائى وفق المتغيرات الحادة الراهنة، تراعى آليات تضمن تحقيق الاكتفاء الذاتى، مع الاستغلال الأمثل للمقومات المصرية، وتؤمن جودة وسلامة الغذاء، وتعزز آليات الرقابة والمساءلة، وتضمن تعزيز المرونة أمام الأزمات الخارجية.

 

خبراء: النمو السكانى أكبر عقبات الاكتفاء الذاتى

 

رغم الجهود التى تبذلها جهات عديدة فى الدولة المصرية لتحقيق الأمن الغذائى، إلا أن هناك تحديات عديدة تواجهها، فى مقدمتها قلة المياه ومحدودية الأرض القابلة للزراعة والزيادة السكانية المتسارعة التى تشهدها مصر.. ويقول الدكتور خليل المالكى الخبير الزراعى، إن الزراعة المصرية تمر بفترة مهمة للغاية خاصة فى ظل التطور التى تشهدها الزراعة من تطوير وزيادة المساحات الزراعية سواء كان فى محافظات الوادى الجديد أو غرب المنيا أو منطقة توشكى أو غيرها من الأراضى المستصلحة مجددًا.

خبراء

وأضاف «المالكى» أن تلك الزيادة لا تتناسب بشكل أو آخر مع الزيادة السكانية الكبيرة التى يعانى منها المجتمع المصرى، موضحًا أنه كل عام يتم استصلاح أراضٍ جديدة ولكن تلك الزيادة تدخل مع الزيادة السكانية المُطردة، لذلك لم نستطع أن نرى أن هناك زيادة أراض جديدة بسبب الزيادة السكانية.

 

وأكد أن الزيادة السكانية أثرت بالسلب على الكثير من القطاعات سواء كان قطاع الزراعة أو غيرها من القطاعات لذلك نجد أن فاتورة الاستيراد فى زيادة مستمرة مما يكلف خزينة الدولة مبالغ طائلة خاصة مع ارتفاع سعر الدولار واقترابه من كسر حاجز الثلاثين جنيها.

 

وقال الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، إن مصر تستورد نحو 50% من احتياجاتها من الذرة، أما بالنسبة لفول الصويا فلا يتجاوز إنتاجنا منه حوالى 5%، لذلك كان من المهم زيادة الاكتفاء الذاتى منهم وتقليل الفاتورة الاستيرادية.

 

وأضاف: أنه من المتوقع زيادة المحاصيل الزراعية بنسبة 50% عن الإنتاجية الحالية فى حالة الاهتمام بالتقنيات الحديثة والتكنولوجيا والاعتماد عليها فى مجال الزراعة، فعلى سبيل المثال إذا كان فدان فول الصويا ينتج حاليًا حوالى 1.2 طن، فإنه سيزداد إنتاجه إلى حوالى 1.8 أو 2 فدان فى حالة الاعتماد على التقنيات الحديثة.

 

وأضاف أستاذ الاقتصاد الزراعى أن مصر تستورد القمح من روسيا وأوكرانيا وتسبب الغزو فى ارتفاع أسعار الحبوب، مشيرًا إلى وجود دول أخرى تستورد القمح والحبوب ويبحثون عن بدائل أخرى.

 

وأوضح «صيام» أن خروج روسيا وأوكرانيا من الصادرات العالمية أثر على الدول المستوردة والتى جعلتها تبحث عن مصدر آخر، مضيفًا أن الدولة المصرية وضعت الأمن الغذائى هدفا على رأس أولوياتها، والذى تمثل فى العديد من الإجراءات ومنها الإنتاج والمخزون الاستراتيجى والتسويق والزراعات التعاقدية والتوسع الأفقى، ومحاولة التوسع فى الاكتفاء الذاتى من الغذاء.