رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أطفال سوريا.. «كل شى انخرب»

الثلوج تنهش عظام
الثلوج تنهش عظام الأطفال

ربما ترى الشيب يعلو رؤوسهم إذا نظرت إليهم من هول ما عايشوه وهم فى عمر البراءة، أحدهم تركت الحرب عاهة فى ساقه وآخر فى عينه وآخر فى قدمه وآخرون فارقوا الحياة وأترك القوس مفتوحاً لطالما لم تضع للحرب نهاية بعد، نسميهم أبناء السنوات الضائعة، أبناء الحرب، أبناء سوريا، تختلف المسميات والمعاناة تظل واحدة.

 

11 عاماً هو عمر الأيام والليالى الدامية التى عاشها هؤلاء الذين اعتادوا صوت الرصاص والمتفجرات بدلاً من الأغانى الحالمة، شاهدوا النيران هنا وهناك بدلا من الأفلام الكرتونية، هو عمر الأكبر سنا فيهم الذى أبصرت عيناه على مطالبات بتغيير النظام فظل النظام وتغير الشعب تبدل به الحال وصارت حياتهم فى الملاجئ والمخيمات بين نزوح وتجويع وبرد يأكل أجسادهم المتآكلة، وعمالة فى مهن خطرة التى زادت فى أعوام الحرب بنحو 30 ضعفا.

 

إذا أردت أن تختبر قوتك فانظر إلى صورهم وعيونهم الحائرة شعورهم المتناثرة وملابسهم المهلهلة دون أن تذرف الدموع على أحلامهم وبراءتهم التى اغتالتها الحرب، 5 ملايين طفل ولدوا فى هذه الظروف القاسية - حسب الإحصائيات -13 ألف طفل سقطوا ضحايا الألغام الأرضية ومخلفات الحرب, بينهم مليونا طفل لاجئ ومليونان و400 ألف طفل لا يذهبون إلى مدرسة، وأكثر من 500 ألف شهيد، تركت الحرب فى بعض من عاشوا آثارا نفسية سلبية يصعب علاجها، وبعضهم عاهات تزيد الأمر تعقيدا، هذا بخلاف ممن هربوا من الحرب ولم يشموا ثرى وطنهم يوما ومنهم من لم يحظ بعمر مناسب يجعله يتذكر شيئا، هم نصف عدد اللاجئين السوريين- حسب بيانات المفوضية-.

لة سورية تبكى

«كل شى انخرب».. جاءت هذه الجملة الصاعقة من بين شفتى فتاة فى عمر الزهور من المخيمات السورية بمقطع نشره فريق الاستجابة الطارئة الشهر الحالى، كست وجوهنا بالدموع فى مشهد جمعها بفتاة أخرى تركت عينيها تتحدث دون أن تنطق بكلمة كما لو كانت موسيقى تصويرية حزينة.

 

شكت الفتاة التى لم نتعرف على اسمها من البرد والجوع واليتم الذى حرمهم من الدفء بعد رحيل والدهم وسط الأحداث السورية المؤسفة، أضافت «شو ذنبنا نحنا؟ اتمنى البابا كان يأخذنا معه». وبالرغم من التشكيك فى رواية الطفلة وروج البعض أنه مشهد تمثيلى إلا أنه فى الواقع أقل بكثير مما يحدث.

 

ونحن ننهى عاما كان حلقة وصل لأعوام قاسية عاشها الشعب السورى لم ننس فى أحداث 2022 الطفل فواز قطيفان صاحب الست سنوات المختطف الذى شغل الرأى العام العالمى، وتم تحريره بعد متابعات درامية حيث أقدم 4 أشخاص ملثمين على اختطافه فى بلدته إيطع مطالبين بفدية 700 ألف ليرة وبعد مفاوضات فاشلة حول المبلغ المطلوب اضطر الخاطفون لنشر فيديو تعذيبى للطفل مستنجدا بعبارة «مشان الله لا تضربونى»، وهو ما هز وسائل التواصل الاجتماعى واطلق هاشتاج «انقذوا الطفل فواز قطيفان».

وسقطت جدة الطفل مصابة بسكتة قلبية وانهيار عصبى لوالدته بعد رؤية تعذيب فلذة كبدهم، واضطرت العائلة لبيع جميع الممتلكات ولم تكف وأكملتها التبرعات وبعد مراوغة عاد الطفل إلى حضن أهله بحالة نفسية سيئة لم تختلف كثيرا عن سنوات الحرب الموحشة.

لة سورية تبكى

لم تكن عواصف الحرب كافية لاغتيال أطفال سوريا بل شاركتها العواصف الشتوية الماضية التى تسببت فى تدمير 362 خيمة بمخيمات سورية، وأضرت بـ 2124 نازحاً سورياً، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل توفى بعض الأطفال بسبب تراكم الثلوج على سطح الخيم بعفرين وآخرين فى مخيم شمال حلب ومخيمات بلبل.

 

وصل الأمر إلى العنف الأسرى نتيجة الضغوط التى يعيشها الأهالى وهو الأشد قسوة من عنف الحروب لم يجد فيه الأطفال الأمان بحضن الأسرة ولا حضن الوطن. ففى وقائع مخزية بمدينة حمص قام أحمد وزوجته دارين بحرق ابنتهما صاحبة الخمسة أعوام بأعقاب السجائر حتى فارقت الحياة ساعدهما فى جريمتهما غياب المحاسبة القانونية فى الدولة، ولم تكن جنى الطفلة الوحيدة التى قتلت بيد ذويها هذا العام

فهناك أمل 11 عاما وجدت جثتها فى حمام منزلها إثر تعرضها لحروق بريف دمشق وأخريات فى عمر الـ18 و16 عاما بالسويداء أطلق والداهما النيران عليهما، قد تبدو حوادث عنف دارجة فى كل البلدان، لكن فى سوريا تتحمل الحرب الجزء الأكبر فى هذه الحوادث القاسية.

 

بينما نبحث فى دفاتر سنة من سنوات ضياع أبناء الشام وجدت طفلين توفى اباهما وتركتهما أمهما لتتزوج فتولى الأخ رعاية أخته بمخيمات شمال إدلب بمساعدة الجيران والعم، يقول «تركنا أبونا وتوفى وامى تزوجت يعنى أنا يتيم أم وأب»، يروى لحظاته الصعبة فى برد الشتاء وكراهيته للشتاء و«الطين» بحسب وصفه الذى يتسبب فى انهيار خيمتهم، يخاف على شقيقته من الإصابة بالبرد الذى لحق بها بالفعل يصفها بـ«أنها حياته» التى يهتم بها.

 

تنهمر دموعه متمنيا عودة والده الذى لقى ربه متجاهلا أمه التى تركتهم بؤساء، فبعض الأحيان نتعلق بالموتى أكثر من الأحياء فليست الحياة فى وجود الجسد بيننا ولكن الروح التى تشعر هى الأنقى.

 

اعتقل والده فى سجون سوريا وغرقت والدته فى البحر أثناء الهروب إلى أوروبا.. ملخص مأساة جمعة الشحاد الطفل السورى المشرد بمخيمات سوريا من دون عائلته، يحلم «الشحاد» بخروج والده من المعتقل ليعود لحياته ولمدرسته قائلا: «بتمنى النظام يطلع من بلادنا واحنا نفوت على بلادنا».

 

وفى محاولة بائسة لخمسة أطفال حاولوا نسيان واقعهم المرير تذكروا أنهم أطفال ولكن سوريين فذهبوا يلعبون بأحد المخيمات بشمال لبنان حول بركة مياه لكن يبدو أن الموت يحاصر أبناء سوريا فى كل مكان مات 3 أشقاء غرقا بالبركة وصديقهم فى عمر الـ11 و14 عاما «عدى ولؤى ووائل مطر، وصديقهم ضياء العطو» ونجى الخامس من الحادث.

 

ورغم اشتراك كافة أطفال سوريا فى سوء الحظ لكن يظل الأسوأ هم القاطنين فى مخيمات النزوح ممن يعانون سوء التغذية وسوء الخدمات وانقطاع عن التعليم والواقع الأمنى وفقدان ذويهم فى بعض الحالات، فهناك 16 ألف طفل يعانون من سوء التغذية - بحسب منظمة أنقذوا الأطفال، وهو ارتفاع تجاوز 150% خلال 6 أشهر فقط، ولهذا أطلقت منظات دولية استغاثات لحاجه 6 ملايين و500 ألف طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية. ففى الربع الأول فقط من العام الحالى قتل 213 ألف طفل وأصيبوا بجروح بينما الأعداد الحقيقية ربما تكون أكثر من ذلك.

 

«بتمنى ما يضل شىء اسمه مخيم» هى الجملة الحالمة التى جاءت فى أمانى أطفال سوريا فى مطلع العالم الجارى ولم تتحقق فهل سيكون عام 2023 انفراجة لهؤلاء الأطفال التى ضل حاضرها وربما يلحق به المستقبل أيضاً.