رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

قصة الصراع الروسى الأوكرانى تعود إلى العصور الوسطى

بوابة الوفد الإلكترونية

موسكو تعترف بحدود أوكرانيا عام ١٩٩٧ من خلال «العقد الكبير»

«بوتين» حاول اختبار واشنطن فى الأزمة الأولى عام ٢٠٢١ ثم سحب قواته من أوكرانيا

أعلن الرئيس الأوكرانى صباح اليوم بدء القوات الروسية عملية عسكرية شاملة ضد بلاده، وكانت البداية بسماع دوى 6 انفجارات ضخمة فى مدينة خاركيف الأوكرانية. وأشارت تقارير إلى أن قوات روسية تتجه لدخول أوكرانيا من جهة شبه جزيرة القرم.

وتوتر الموقف على الحدود الأوكرانية منذ أسابيع، ويبدو أن الأزمة تزداد عمقا.

وكان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين نفى مرارا اعتزامه غزو أوكرانيا، لكن الولايات المتحدة أشارت إلى أنه اتخذ قرار الغزو منذ فترة.

التوترات بين روسيا وأوكرانيا حاليا يسبقها تاريخ يعود إلى العصور الوسطى، فكلا البلدين لديه جذور فى الدولة السلافية الشرقية المسماة «كييف روس»، لذلك، دائما ما يتحدث الرئيس الروسى بوتين عن «شعب واحد».

طبقا للتاريخ، كان مسار هاتين الأمتين عبر التاريخ مختلفاً، ونشأت عنه لغتان وثقافتان مختلفتان رغم قرابتهما، فبينما تطورت روسيا سياسياً إلى إمبراطورية، لم تنجح أوكرانيا فى بناء دولتها، حسب موقع «دوتشه فيلا».

فى القرن السابع عشر، أصبحت مساحة شاسعة من أوكرانيا الحالية جزءا من الإمبراطورية الروسية، لكن وبعد سقوط الإمبراطورية الروسية عام 1917، استقلت أوكرانيا لفترة وجيزة، قبل أن تقوم روسيا السوفيتية باحتلالها عسكرياً مجدداً.

فى ديسمبر عام 1991، كانت أوكرانيا، بالإضافة إلى بيلاروسيا، من بين الجمهوريات التى دقت المسمار الأخير فى نعش الاتحاد السوفييتى، غير أن موسكو أرادت الاحتفاظ بنفوذها، عن طريق تأسيس رابطة الدول المستقلة «جى يو إس».

كان الكرملين يظن وقتها أن بإمكانه السيطرة على أوكرانيا من خلال شحنات الغاز الرخيص، لكن ذلك لم يحدث، فبينما تمكنت روسيا من بناء تحالف وثيق مع بيلاروسيا، كانت عيون أوكرانيا مسلطة دائماً على الغرب.

أزعجت أوكرانيا الكرملين بميلها للغرب، ولكن الصراع لم يصل إلى ذروته طوال فترة التسعينيات، لأن حينها كانت موسكو هادئة، لأن الغرب لم يكن يسعى لدمج أوكرانيا، كما أن الاقتصاد الروسى كانت يعانى، والبلاد كانت مشغولة بالحرب فى الشيشان، حسب «بى بى سى».

فى عام 1997 اعترفت موسكو رسمياً من خلال ما يسمى بـ«العقد الكبير» بحدود أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم، التى تقطنها غالبية ناطقة بالروسية.

وعندما انهار الاتحاد السوفييتى مطلع التسعينيات، كانت أوكرانيا، الجمهورية السوفيتية السابقة، تمتلك ثالث أكبر ترسانة أسلحة نووية فى العالم. وعملت الولايات المتحدة وروسيا على نزع الأسلحة النووية الأوكرانية، وتخلّت كييف عن مئات الرؤوس النووية إلى روسيا، مقابل ضمانات أمنية لحمايتها من هجوم روسى محتمل.

شهدت موسكو وكييف أول أزمة دبلوماسية كبيرة حديثة بينهما فى عهد فلاديمير بوتين، ففى خريف عام 2003 بدأت روسيا بشكل مفاجئ فى بناء سد فى مضيق كريتش باتجاه جزيرة «كوسا توسلا» الأوكرانية. اعتبرت كييف ذلك محاولة لإعادة ترسيم حدود جديدة بين البلدين، وازدادت حدة الصراع، ولم يتم وضع حد له إلا بعد لقاء ثنائى بين الرئيسين الروسى والأوكرانى. عقب ذلك أوقف بناء السد، لكن الصداقة المعلنة بين البلدين بدأت تظهر تشققات.

أثناء الانتخابات الرئاسية فى أوكرانيا عام 2004، دعمت روسيا بشكل كبير المرشح المقرب منها، فيكتور يانوكوفيتش، إلا أن «الثورة البرتقالية» حالت دون فوزه المبنى على التزوير، وفاز بدلاً منه السياسى القريب من الغرب، فيكتور يوشتشينكو.

خلال فترته الرئاسية قطعت روسيا إمدادات الغاز عن أوكرانيا مرتين، فى عامى 2006 و2009، كما قُطعت أيضاً إمدادات الغاز إلى أوروبا المارة عبر أوكرانيا.

وفى عام 2008، حاول الرئيس الأمريكى آنذاك، جورج دبليو بوش، إدماج أوكرانيا وجورجيا فى حلف شمال الأطلسى «ناتو»، وقبول عضويتهما من خلال برنامج تحضيرى، لكن قوبل ذلك باحتجاج بوتين، وموسكو أعلنت بشكل واضح أنها لن تقبل الاستقلال التام لأوكرانيا.

لكن فرنسا وألمانيا حالتا دون تنفيذ بوش لخطته، وخلال قمة «الناتو» فى بوخارست تم طرح مسألة عضوية أوكرانيا وجورجيا، ولكن لم يتم تحديد موعد لذلك.

ولأن مسألة الانضمام للناتو لم تنجح بسرعة، حاولت أوكرانيا الارتباط بالغرب من خلال اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبى.

فى صيف عام 2013، بعد أشهر قليلة من توقيع الاتفاقية، مارست موسكو ضغوطاً اقتصادية هائلة على كييف وضيّقت على الواردات إلى أوكرانيا، وعلى خلفية ذلك، جمّدت حكومة الرئيس الأسبق يانوكوفيتش، الذى فاز بالانتخابات عام 2010، الاتفاقية، وانطلقت بسبب ذلك احتجاجات معارضة للقرار، أدت لفراره إلى روسيا فى فبراير عام 2014.

استغلت موسكو فراغ السلطة فى كييف لضم القرم فى مارس عام 2014، وكانت هذه علامة فارقة وبداية لحرب غير معلنة، وفى الوقت نفسه، بدأت قوات روسية شبه عسكرية فى حشد منطقة الدونباس الغنية بالفحم شرقى أوكرانيا من أجل انتفاضة، كما أعلنت جمهوريتان شعبيتان فى دونيتسك ولوهانسك، يترأسهما روس. أما الحكومة فى كييف، فقد انتظرت حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية فى مايو 2014، لتطلق عملية عسكرية كبرى أسمتها «حرب على الإرهاب».

فى يونيو 2014 أيضا، التقى الرئيس الأوكرانى المنتخب للتو، بيترو بوروشينكو، وبوتين لأول مرة بوساطة ألمانية وفرنسية، على هامش الاحتفال بمرور 70 عاماً على يوم الإنزال على شواطئ نورماندى، وخلال ذلك الاجتماع وُلدت ما تسمى بـ«صيغة نورماندى»، حسب «بى بى سى».

آنذاك، كان بإمكان الجيش الأوكرانى دحر الانفصاليين، إلا أنه فى نهاية أغسطس، تدخلت روسيا- بحسب الرواية الأوكرانية- بشكل هائل عسكرياً، لكن موسكو تنكر ذلك حتى الآن.

الفرق العسكرية الأوكرانية قرب إيلوفايسك، وهى بلدة تقع شرق دونيتسك، تعرضت للهزيمة، وكانت لحظة محورية، لكن الحرب على جبهة موسعة انتهت فى سبتمبر بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار فى مينسك.

بعد الاتفاق، تحول الصراع إلى حرب بالوكالة تدور رحاها حتى اليوم، وفى مطلع عام 2015، شن الانفصاليون هجوماً، زعمت

كييف أنه كان مدعوماً بقوات روسية لا تحمل شارات تعريف، وهو ما نفته موسكو.

منيت القوات الأوكرانية بهزيمة ثانية جراء الهجوم، وذلك فى مدينة ديبالتسيفى الاستراتيجية، والتى اضطر الجيش الأوكرانى للتخلى عنها بشكل أشبه بالهروب.

آنذاك - وبرعاية غربية- تم الاتفاق على «مينسك 2»، وهى اتفاقية تشكل إلى اليوم أساس محاولات إحلال السلام، وما تزال بنودها لم تنفذ بالكامل بعد.

فى خريف عام 2019 كان هناك بصيص أمل، إذ تم إحراز نجاح فى سحب جنود من الجهتين المتحاربتين من بعض مناطق المواجهة. لكن منذ قمة النورماندى التى عُقدت فى باريس فى ديسمبر عام 2019، لم تحصل أى لقاءات، فـ«بوتين» لا يرغب فى لقاء شخصى مع الرئيس الأوكرانى الحالى، فلودومير زيلينسكى، لأنه- من وجهة نظر موسكو- لا يلتزم باتفاق مينسك.

ومنذ ديسمبر عام 2021، يطلب الرئيس الروسى بشكل علنى من الولايات المتحدة ألا تسمح بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو تتلقى مساعدات عسكرية، لكن الحلف لم يرضخ لهذه المطالب.

موسكو منزعجة بشدة من فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسى «الناتو»، بل ويمثل ذلك خطاً أحمر بالنسبة للرئيس الروسى بوتين.

ويرجع ذلك إلى أنه وفقاً للفصل الخامس من اتفاقية «الناتو»، فإن أى هجوم يتعرض له عضو فى الحلف يعتبر هجوماً على الحلف بأكمله، ما يعنى أن أى هجوم عسكرى روسى على أوكرانيا يعنى وضع موسكو فى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، والدول الـ27 الأعضاء فى الحلف.

وحاول بوتين اختبار الولايات المتحدة والغرب فى الأزمة الأوكرانية مراراً، الأولى فى ربيع 2021، عندما حشد بعض القوات والعتاد العسكرى على الحدود، وأدى ذلك إلى انتباه الولايات المتحدة، والتى سعت لإجراء مباحثات بين بوتين وبايدن، وبعد ذلك بأيام سحبت روسيا قواتها.

وفى الوقت نفسه، فإن نظرة بوتين إلى الولايات المتحدة تغيرت كثيراً، وخاصة بعد الانسحاب العسكرى الفوضوى الأمريكى من أفغانستان، والاضطرابات التى تعانيها أمريكا على الصعيد الداخلى، فى أعقاب الاستقطاب الذى شهدته بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو ما تراه موسكو أنها مؤشرات للضعف الأمريكى.

ويرى بوتين الغرب فى حالة انقسام شديد بشأن دور الولايات المتحدة فى العالم، ولا يزال بايدن يحاول إعادة توحيد التحالف عبر الأطلسى، بعد حالة انعدام الثقة التى تراكمت خلال إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، وأدت بعض أخطاء بايدن الدبلوماسية إلى نفور الشركاء الأوروبيين، وتحديداً الانسحاب الفوضوى من أفغانستان، واتفاق الغواصة النووية الذى طرحه بايدن مع بريطانيا واستراليا، وكان مفاجأة بالنسبة لفرنسا.

فى نوفمبر الماضى، بدأت روسيا فى نقل أعداد هائلة من قوات جيشها إلى المناطق القريبة من الحدود الأوكرانية.

وأصبحت الحرب على المحك بشكل أكبر مع تصريح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الاثنين الماضى، خلال خطاب، أنه سيعترف باستقلال المنطقتين الأوكرانيتين اللتين يسيطر عليهما انفصاليون مدعومون من روسيا.

كما زعم بوتين أن أوكرانيا ليس لها تاريخ بوصفها بلدا حقيقيا، واتهم السلطات الأوكرانية بالفساد. وبعد هذا التصريح، وقع الرئيس بوتين على أوامر أصدرها لقواته بتنفيذ «مهام حفظ سلام» فى كلتا المنطقتين.

وفى 15 فبراير الجارى، وبعد أن وصل عدد تلك القوات إلى 100 ألف، قال الرئيس بوتين إنه سيكون هناك انسحاب جزئى للقوات الروسية، وأكد متحدث باسم وزارة الدفاع الروسية أن بعض وحدات الجيش «بدأت بالفعل فى تحميل معداتها على متن القطارات والعربات، وستبدأ اليوم العودة إلى ثكناتها العسكرية».

لكن، وفى أعقاب الإعلان الروسى، صرح ينس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف الناتو قائلا: «إنهم يقومون باستمرار بتحريك القوات إلى الأمام وإلى الخلف.. لطالما تحركت القوات يمينا ويسارا، إلى الأمام وإلى الخلف وفى كل الاتجاهات، لكن الاتجاه الذى ظل ثابتا خلال الأسابيع والأشهر الماضية هو الزيادة المستمرة فى القدرات العسكرية الروسية على مقربة من حدود أوكرانيا.