رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

المغربي فؤاد زويريق: اللهجة المصرية ليها "شنة ورنة"

الكاتب المغربي فؤاد
الكاتب المغربي فؤاد زويريق

 تبقى مصر دائما ملهمة الشعراء والفنانين في العالم  عاش فيها فى الشاعر اللبنانى خليل مطران حتى  لقبوه بشاعر القطرين-مصر ولبنان- وهو اللقب الذى منحته إياه جماعة "أبلو" للشعر بتزكية من أمير الشعراء أحمد شوقى.

كتب"مطران" الكثير من قصائده يتغزل فى مصر وشعبها وجمالها,  بل انخرط  فى العمل الأدبى والصحفى فى مصر , فقد عمل رئيسا لتحرير صحيفة الأهرام العريقة,ومديرا للمسرح القومى.

والشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى عاش فى مصر ونشر أجمل أشعاره فيها، وكذلك المبدعين ميخائيل نعمية, والعراقى مهدى الجواهرى الذي عاش سنوات فى مصر فترةالستينات  وبداية السبعينيات، ثم عاد إليها مرة أخرى ليحيا بها سنوات حياته الأخيرة, وكتب فيها أكثر من قصيدة, وحظي بالحفاوة والتكريم.

واليوم موعدنا مع الكاتب المغربى عاشق مصر حتى النخاع فؤاد زويريق ليواصل حكاياته عن مصر:

للهجة المصرية سحرها الخاص، كنت لا أسمعها إلا في اطار

محدود وضيق، من خلال الافلام والاغاني، لم أسمعها قط في بيئتهاالأصلية، حتى عندما ربطت صداقات مع بعض المصريين في هولندا،كان أغلب حديثنا باللغة الهولندية -لعدة أسباب لا داعي لسردها هنا - في الحقيقة لم أكن أتصور ان هذه اللهجة تخفي وراءها سحرا أعظم مما كنت أتخيله، فشتان بين أن تسمعها عبر وسيط آلي كالتلفاز مثلا، أو أن تتواجه معها مباشرة بدون حواجز ولا موانع.

من أكثر الأشياء التي كنت أخشاها قبل زيارتي لمصر هي كيف سأواجه لهجتها، ليس لأنني لا أفهمها، بل بالعكس تماما فلا أظن أن هناك كلمة واحدة في معجمها لا أفهم معناها، الخشية من كيفية التعامل معها، من ردة فعلك وأنت تسمعها أول مرة مباشرة ومن المصريين أنفسهم، وكأنك في أول لقاء مع محبوبتك، وأنا في صالة الانتظار في مطار أمستردام، كنت أسترق السمع إلى أحاديث الركاب، لكن للأسف تعدد اللهجات بسبب اختلاف الجنسيات شَوش على سمعي، فلم يُرفع الستار عن هذه اللهجة كليا لتصبح أكثر وضوحا إلا في الطائرة وأنا أتواصل مع بعض المسافرين المصريين والمضيفات أيضًا، ورغم ذلك كان التشويش حاضرا بسبب

هدير المحركات.

في مطار القاهرة حدث معي نفس الشيء، لم أحصل على فرصتي كاملة للاستمتاع بها، فلم يكن بالتالي لقائي الأول والمباشر معها إلا في السيارة التي أقلتني الى الفندق، كان السائق يتكلم طيلة مدة الرحلة التي قضيناها معا من المطار الى الزمالك، هو لم يسكت وأنا لم أتكلم، كنتُ صامتا غارقا في فك رموز هذه اللهجة العجيبة، ليس لأني لا أفهمها كما قلتُ، بل محاولة مني الوقوف على ماهية سحرها، قدرتها على جعلك تسرتخي بعد عناء السفر غريبة جدا، كان السائق يتكلم وكأنه يحقنك بمسكنات طبيعية، هذا رغم أن كلامه مجرد ثرثرة عابرة لا فائدة منها، اصرارها على جعلك تطلق العنان لعاطفتك اتجاه كل ما هو مصري مثير حدّ الدهشة.

عندما اختلطت بالناس في الشارع أحببتها أكثر وارتحت الى أصحابها، فمجرد كلامهم معك بلهجتهم هذه يجعلك تشعر بالألفة وكأنك تعرفهم منذ زمن.

اللهجة المصرية ''لهجة حية'' بملامح واضحة المعالم، لا تضعك في شباكها وتجعلك وحيدا

تصارع مفاهيمها وأسسها وخصائصها ومعانيها وكل تلك المصطلحات العلمية المعقدة. هي لهجة سَلِسلة قوتها في بساطتها، إيقاعاتها متناغمة ومتساوية، هناك لهجات خشنة وهناك اخرى وكأنها طبول حرب تقرع وتدق في أذنيك، اللهجة المصرية عكس ذلك تماما، لهجة ناعمة ومرنة ومسالمة، لا أفقية ولا عمودية، نوتاتها سهلة التلقين والاستيعاب، هي سيمفونية إنسانية تتسلل بلطف إلى وجدانك فتتمكن منه فتحتويه قبل ان يحتويها.

عندما يتحدث المصري يتراءى لي كرسام مبدع، ريشته لهجته، بها يرسم لوحات تشكيلية رائعة، ألوانها مفردات وكلمات. اللهجة المصرية أصيلة ووفية لوطنها، وأحب شخصيا أن ألتقطها كما هي بأصالتها ووفائها دون تلويث بمفردات أخرى أجنبية، خصائص اللهجة المصرية استثنائية وغير قابلة للقسمة أو دعوني أقل لا تقبل ''الضرة''، فهي متمردة وثائرة، لهذا تجدها الى حد الآن مستعصية على التهجين والتدجين. فرغم أني لست مصريًا إلا أني أشعر بالفخر والاعتزاز كلما سمعت متحدثا من مصر لا يمزج حديثه بخليط من الكلمات المصرية والإنجليزية أو أية لغة أخرى.

كل مساء وقبل أن أدخل إلى فندقي، كنت أتمشى أو أقف قليلا على كوبري قصر النيل، هناك يصل التلاقح بيني وبين اللهجة المصرية ذروته، الحشود الكبيرة والمختلطة ببعضها البعض تجعلك وسط محيط غني بروح هذه اللهجة، فعلى هذا الكوبري تتشكل بانوراما مصرية خالصة تؤثثها اللهجة المصرية، وليسمح لي الأشقاء والاحباء والأصدقاء في مصر لأعترف وأقول أن اللهجة المصرية تكون أكثر عذوبة وحلاوة إذا تحدثت بها المرأة المصرية، فرحيق أية لهجة أولغة كانت، لا يشكل دواء ولا بلسما للسامع إلا إذا لاكَه لسان امرأة، ونفس الشيء حتى بالنسبة للهجتنا المغربية أحب سماعها من المرأة أكثر من الرجل فالمرأة تعرف كيف تتلاعب بميزان وإيقاع المفردات لتجعلها أكثر "شنّة ورنّة".

على العموم أحب اللهجة المصرية سواء كان المتحدث رجلا أو امرأة، ربما هذا الحب نابع من كوني ترعرعت كما أغلب أبناء جيلي

في المغرب وسط الأفلام والمسلسلات والأغاني المصرية، فكانت أول لهجة أجنبية نكتشفها ونحن صغار هي اللهجة المصرية.