رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د. وجدى زين الدين يكتب : عندما تحدث سعد عن مستقبل مصر

د. وجدى زين الدين
د. وجدى زين الدين

يحتفل حزب الوفد مساء بعد غدٍ السبت بذكرى عيد الجهاد الوطنى الذى يعد بحق هو الباعث على قيام ثورة 1919 والذى يعد بمثابة أول احتكاك مباشر مع الاستعمار البريطانى، فهذا العيد هو صفحة مضيئة فى سماء الحرية فى التاريخ الحديث. وقد أجمع المؤرخون على أن هذا العيد الوطنى كان بمثابة الشرارة التى ألهبت مشاعر المصريين من أجل الاستقلال التام عن بريطانيا العظمى.
و‎تحل يوم السبت ذكرى عيد الجهاد الوطنى الذى يوافق 13 نوفمبر، والذى يعد عيدًا قوميًا مصريًا ويرمز إلى بدء مرحلة جديدة فى حياة المصريين، وترجع قصة عيد الجهاد الوطنى لعام 1918 عندما ذهب الزعيم خالد الذكر سعد زغلول ورفاقه إلى المعتمد البريطانى وقتذاك السير ونجت معلنين استقلال مصر من الإنجليز ويطلبون الحرية للبلاد، وكان «سعد» ورفيقاه على شعراوى وعبدالعزيز فهمى مخلصين فى وطنيتهم يعون ما يقولون. فالأحكام العرفية والمحاكم العسكرية واقفة بالمرصاد لكل من تحدثه نفسه عن مقاومة مطامع الاستعمار، ولكن «سعدًا» كان شديد الإيمان بالله وبنفسه وبأمته وحقها فى الحياة فوضع رأسه على كفه ومضى قدمًا إلى غايته، وكان من جراء ذلك أن نفوه إلى مالطة وسيشل وحاربوه بكل سلاح، إلا أنه ظل عالى الرأس مرددًا دائمًا سأبقى مخلصًا لواجبى الوطنى، وتُعد هذه أول مواجهة مباشرة ارتفع فيها صوت الشعب المصرى معلنًا رفض الاحتلال فأصبح ذلك اليوم عيدًا للجهاد يحتفل به وصفحة من صفحات تاريخنا الوطنى، وظل «سعد» يحتفل بذلك اليوم حتى عام 1926 آخر احتفال شهده الزعيم وامتلأ يومها السرادق الكبير الذى أقيم بجوار بيت الأمة بالمحتفلين ورجال الدولة من الوزراء.
‎ويُعد عيد الجهاد الوطنى بمثابة قصة كفاح شعب من أجل الحرية نستلهم منه الوطنية والسير على الدرب من أجل مقاومة كل التحديات والمؤامرات التى تدبرها الدول الغربية وأمريكا ضد الدولة المصرية. ‎ولا نكون مبالغين إذا قلنا إن ثورة «30 يونية» هى امتداد طبيعى لمبادئ الوطنية المنبثقة عن ثورة 1919 فى سبيل الحرية والتحرر والحياة الكريمة للمصريين.
‎فى 13 نوفمبر عام 1918 توجه سعد زغلول وعلى شعراوى وعبدالعزيز فهمى إلى المندوب السامى البريطانى يطلبون منه السماح لهم بالسفر إلى باريس لحضور مؤتمر الصلح عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى لعرض قضية استقلال مصر على هذا المؤتمر، فما كان من المندوب السامى البريطانى إلا ‎أن قال لـ«سعد» ورفاقه: إنكم لا تملثون إلا أنفسكم ولا تمثلون الشعب المصرى، ورفض الاستجابة لمطلبهم، وكان رد الشعب المصرى بكل فئاته وطبقاته على ذلك أنه قام بجمع توكيلات لسعد زغلول ورفاقه للسفر إلى باريس لعرض قضية استقلال مصر، جاء ذلك بعفوية كبيرة عبَّرت عن توق المصريين إلى الاستقلال عن الاحتلال الإنجليزى، وقد كشفت الأحداث والتطورات التى جرت بعد ذلك عن عمق رؤية من قاموا على الثورة، ومنهم الزعيم خالد الذِكر سعد زغلول ورفيقاه على شعراوى وعبدالعزيز فهمى.. إلى جانب بقية الزعماء الذين لعبوا دورًا بارزًا فى الثورة التى اندلعت فى العام التالى 1919، وقد ظل هذا التاريخ عيدًا قوميًا يُحتفل به كل عام.
‎وتشير المصادر التاريخية فى رصد تطورات وأحداث تلك الفترة، إلى أن الزعماء الثلاثة توجهوا إلى المعتمد البريطانى السير ونجت ليتحدثوا عن مستقبل مصر، وكان حسين باشا رشدى هو الذى توسط بينهم وبين السير لإتمام المقابلة، تسلسلت الوقائع وأخذت كل خطوة تترتب عليها أخرى حتى اندلعت نيران الثورة، ومن ذلك أن المعتمد البريطانى، قال لرشدى باشا، رئيس الحكومة: كيف سمح سعد زغلول وعلى شعراوى وعبدالعزيز فهمى لأنفسهم بأن يتحدثوا باسم الشعب المصرى؟ فكان أن أوحى هذا الاعتراض للوفد بعمل صيغة لتوكيل «الوفد» ليتحدث باسم الأمة، فكانت العرائض التى وزعت فى طول البلاد وعرضها وأقبل الشعب بمختلف طوائفه على توقيعها، وشاءت الأقدار أن تكون سنة 1919 هى سنة الثورة.
‎وفى لقاء تاريخى التقى الوطنيون الثلاثة -سعد زغلول وعلى شعراوى وعبدالعزيز فهمى- السير البريطانى الذى بادرهم بالقول: «إن الصلح اقترب موعده وإن العالم ‎يفيق بعد غمرات الحرب التى شغلته زمنًا طويلًا وإن مصر سينالها خير كثير وإن الله مع الصابرين، والمصريون

هم أقل الأمم تألمًا من أضرار الحرب وأنهم مع ذلك استفادوا منها بأموال طائلة، وأن عليهم أن يشكروا دولة بريطانيا العظمى التى كانت سببًا فى قلة ضررهم وكثرة فائدتهم».
‎وردّ سعد باشا أن الحرب كانت كحريق انطفأ ولم يبق إلا تنظيف آثاره، وإنه يظن أنه لا محل لدوام الأحكام العرفية ولا لمراقبة الجرائد والمطبوعات، وأن الناس ينتظرون بفارغ صبر زوال هذه المراقبة كى ينفسوا عن أنفسهم ويخففوا عن صدورهم الضيق الذى تولاهم أكثر من 4 سنوات، فقال السير ونجت إنه ميال لإزالة المراقبة المذكورة وإنه تخابر فعلًا مع القائد العام للجيوش البريطانية فى هذا الصدد ولما كانت هذه المسألة عسكرية فإنه بعد تمام المخابرة والاتفاق مع القائد سيكتب للحكومة البريطانية ويأمل الوصول إلى ما يرضى، ثم استقر قائلًا: «يجب على المصريين أن يطمئنوا ويصبروا ويعلموا أنه متى فرغت إنجلترا من مؤتمر الصلح فإنها تلتفت لمصر وما يلزمها».
‎وعلق سعد باشا: إن الهدنة عقدت والمصريين لهم الحق فى أن يكونوا قلقين على مستقبلهم ولا مانع يمنع الآن من أن يعرفوا ما هو الخير الذى تريده إنجلترا لهم، فقال السير: يجب ألا تتعجلوا وأن تكونوا متبصرين فى سلوككم، فإن المصريين فى الحقيقة لا ينظرون للعواقب البعيدة، فقال سعد باشا: إن هذه العبارة مبهمة المعنى ولا أفهم المراد منها، فأوضح السير: أريد أن أقول إن المصريين ليس لهم رأى عام بعيد النظر، فرد سعد باشا: لا أستطيع الموافقة على ذلك فإنى إن وافقتك أنكرت صفتى، فإنى منتخب فى الجمعية التشريعية عن قسمين من أقسام القاهرة، وكان انتخابى بمحض إرادة للرأى العام مع معارضة الحكومة واللورد كتشنر فى انتخابى، وكذلك كان الأمر مع زميلى على شعراوى باشا وعبدالعزيز بك فهمي.
‎ورد السير ونجت: إنه قبل الحرب كثيرًا حدثت حركات وكتابات من محمد فريد وأمثاله من الحزب الوطنى، وكان ذلك بلا تعقل ولا رؤية فأضرت مصر ولم تنفعها فما هى أغراض المصريين؟ فقال على شعراوى باشا: إننا نريد أن نكون أصدقاء للإنجليز صداقة الحر للحر لا العبد للحر، فقال السير ونجت: إذن أنتم تطلبون الاستقلال؟! فقال سعد باشا: ونحن له أهلٌ، وماذا ينقصنا ليكون لنا الاستقلال كباقى الأمم المستقلة؟
وكانت هذه المقابلة هى المفجر للثورة الشعبية المصرية الكبرى ثورة 1919 التى سجل فيها الشعب المصرى أروع البطولات فى ملحمة دامت ما يقرب من أربع سنوات ونال خلالها اعتراف بريطانيا بمصر دولة حرة ذات سيادة بموجب تصريح صدر فى 28 فبراير 1922، ودستور صدر فى 19 أبريل 1923 وبرلمان تم انتخابه واجتمع يوم 12 يناير 1924، وحكومة وفدية تمثل الأغلبية البرلمانية شكّلها الزعيم سعد زغلول يوم 28 يناير 1924.