رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

وداعاً لـ إمبراطورية الموظفين

بوابة الوفد الإلكترونية

«موظف حكومة» مهنة، لا تزال لها بريقها، فما زال الكثيرون يحلمون بها ويتهافتون عليها، متعلقين بأهداب المثل الشهير «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه».

ولكن هذه المهنة التى يعمل بها 6 ملايين موظف، لها جانب آخر، يتعلق بمدى تأهيل موظفى الحكومة لممارسة وظيفتهم، وتتعلق أيضاً بإنتاجية كل موظف حكومى، وبطرق تعاملهم مع المواطنين، وبكواليس ما يجرى فى المصالح الحكومية.

وكل هذه القضايا، أثارها قرار الحكومة بنقل نحو 40 ألفًا و994 موظفاً يمثلون 119 جهة حكومية إلى العاصمة الجديدة بعد نجاحهم فى البرامج التدريبية التى خضعوا لها.

الملف التالى يناقش حال موظفى الحكومة، ويرصد ما يجرى فى المصالح الحكومية، وطريقة تعامل موظفى الحكومة مع المترددين عليهم من مواطنى مصر، ويقارن بين موظفى العاصمة الإدارية وبين زملائهم من موظفى الحكومة الذين لن ينتقلوا للعاصمة الجديدة.

 

 

موظفو العاصمة الإدارية.. حالة خاصة جداً

أكثر من 55 ألف موظف اختارتهم الحكومة للانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة من بين  6 ملايين موظف حكومى أى قرابة 0.9% من إجمالى الموظفين.

هذا العدد من الموظفين أثار حالة من الجدل فى الشارع المصري، حيث اعتبر البعض أن هؤلاء فقط هم المرضى عنهم  فى الجهاز الإدارى بينما العدد الباقى من المغضوب عليهم، لكن سرعان ما عرف الجميع حقيقه الأمر بعدما أعلنت الحكومة عن خطتها للانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة.

فى حين تساءل الكثيرون: «لماذا اهتمت الحكومة بعدد معين من الموظفين وقامت بتدريبهم، بينما أهملت العدد الأكبر المتبقى؟ ولماذا ستتركهم هكذا دون تأهيل كغيرهم من المنقلين للإدارية؟».

هذه التساؤلات ليس لها جواب محدد وقاطع، ولكن هناك تكهنات أفصح عنها بعض الخبراء الاقتصاديين والسياسيين منها أن الحكومة لن تستطيع تأهيل هذا الكم الكبير علاوةً على مقاومة غالبية الموظفين للتطوير وتفضيلهم البقاء فى نمطهم التقليدى دون حدوت أى تغيير يذكر، علاوة  على أن كُلفة تأهيل هذا العدد الكبير من الموظفين تتطلب ميزانية كبيرة، الدولة ليست بصدد تحملها فى هذه المرحلة.

ورغم أن غالبية الموظفين كانوا يرغبون فى الانتقال إلى العاصمة الإدارية، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة.. حيث حددت الحكومة مجموعة من المعايير التى على أساسها كان اختيار الفئة المفضلة من العاملين والتى تحدث عنها الدكتور ممدوح إسماعيل عضو اللجنة المكلفة بتأهيل العاملين بالجهاز الإدارى أهمها: إجادة مهارات الحاسب الآلى واستخدام شبكات التواصل المختلفة وإتقان لغة ثانية إضافة إلى اللغة العربية.

ووضعت الحكومة خطة لتدريب الموظفين المرشحين للانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، تضمنت حزمة برامج أساسية وتشمل تزويد الموظفين بالموضوعات المتعلقة برفع الوعى الوطنى وباللياقة الوظيفية، ومفاهيم وأبعاد الأمن القومي، وتحديات الأمن القومى المصري، وشرح مفهوم حروب الجيل الرابع، ومقومات نجاح الدولة، ونطاقات الأمن القومي، والتوعية بمؤسسات الدولة المصرية والمشروعات الكبرى التى يتم تنفيذها فى المجالات المختلفة، ومفاهيم الحوكمة ومكافحة الفساد، فضلًا عن أساسيات الكتابة الرسمية باللغة العربية والمهارات الأساسية لاستخدام الحاسب الآلى.

كما ضمت الخطة التنفيذية تدريب المرشحين على حزمة برامج الجدارات السلوكية وتشمل كلا من: الدافعية للإنجاز، والاتزان الوجداني، وفعالية الاتصال، وكفاءة التعامل مع الواقع، وكفاءة الأداء، والانفتاح على الخبرة، والثقة بالنفس، والعمل الجماعي، واتخاذ القرار، وإدارة الوقت.

وتشمل الخطة التدريبية أيضًا حزمة البرامج التخصصية حيث يتم تدريب كل مجموعة فى مجال عملها مثل استكمال تدريب الموارد البشرية، وتدريب العاملين بإدارة التعاقدات، وتدريب العاملين بالشئون القانونية، ويتم التنسيق فى هذه البرامج مع الوزارات والأجهزة المعنية كل فيما يخصه، كما تشمل حزمة برامح التطبيقات من خلال تدريب عملى على كيفية إجادة استعمال التطبيقات المقرر تعميمها فى العاصمة الإدارية الجديدة، بحيث يكون الموظفون المنتقلون على دراية كاملة قبل الانتقال بكيفية تشغيل واستخدام هذه البرامج.

وأعطت الحكومة عدة محفزات للموظفين الجدد، حيث خصصت لهم عددًا من الوحدات السكنية ضمن مشروع «سكن مصر» فى مدينة بدر، بمساحات تصل إلى 118 مترًا، وتبعد نحو 7 كيلو مترات عن الحى الحكومى بالعاصمة الإدارية بتكلفة تصل إلى 450 ألفًا بعد خصم ثمن الأرض والمرافق.

يدفع الموظف 25% من قيمة الوحدة على تسهيلات، كما أن 75% يتم دفعها على أقساط ربع سنوية على مدار 7 سنوات ويتم تسديد القسط من بدل الانتقال الذى سوف تمنحه الحكومة إلى الموظف والذى يبلغ 2000 جنيه كحد أدنى.

وفى حال رفض الموظف الحصول على وحدة سكنية، يتم منحه حافزًا ماديًا موزعًا على 3 مستويات ويختلف باختلاف الدرجة الوظيفية موظف عادى- موظف مدير عام- موظف رئيس قطاع أو رئيس هيئة، على أن يكون الحد الأدنى للحافز 2000 جنيه. كما يحصل الموظف على خصم 50% فى اشتراك المدينة الرياضية بالعاصمة الإدارية الجديدة.

ولسهولة انتقال الموظفين للعاصمة ربطت الحكومة القاهرة الكبرى بالعاصمة الإدارية عبر 16 حزمة من وسائل النقل الجماعي، تضم الحزمة الواحدة 192 أتوبيسًا بإجمالى 48 خطًا للانتقال من وإلى العاصمة، بالإضافة إلى تيسير خطوط نقل جماعى لربط مدينة بدر بمنطقة سكن الموظفين، فضلاً عن تنفيذ مشروعات أخرى مثل القطار المكهرب، والمونوريل.

كافة هذه التسهيلات والمزايا، أوجدت نوعاً من الضغينة بين المرشحين للانتقال للعاصمة الجديدة والباقين فى العاصمة القديمة، حيث قال لنا أحد موظفى وزارة الصحة: إن المنقولين يتعاملون بتكبر مع باقى الموظفين وكأنهم ذاهبون للجنة ونحن باقون فى النار، كما يعتبرون أنفسهم أعلى شأناً من الآخرين وأن قدرتهم النفسية والعقلية أفضل من غيرهم، وبعضهم ينتظر الانتقال للإدارية الجديدة بفارغ الصبر لكى يبعد عن الضوضاء والبيروقراطية الشديدة بالعاصمة القديمة.

على النقيض تماماً من ذلك، هناك فئة من المنقولين للعاصمة الجديدة لم يرحبوا بفكرة النقل، بل إن بعضهم يعتبره عبئاً، حيث أكد لنا أحد المنقولين، أنه فور إبلاغه بأنه ضمن المرشحين للانتقال للعاصمة انقبض قلبه وشعر بالحزن، ورغم خضوعه لكافة التدريبات اللازمة لنقله للمكان الجديد فإنه شعر بسعادة أنه تم تأجيل الانتقال بعد انتشار فيروس كورونا.

وأشار إلى أن زوجته موظفة بالقاهرة ولن تستطيع الذهاب معه إلى مكان عمله الجديد خاصة أنها تعمل فى قطاع خاص، فضلاً أن مدارس أبنائه وأصدقائهم فى العاصمة القديمة، ولا يفضلون الانتقال لمكان عمله الجديد، ما يعنى أنه من المحتمل أن يذهب وحده دون أولاده وزوجته.

وأكد أنه حاول جاهداً أن يعتاد على مكان عمله الجديد، لكن للأسف ظروف حياته عرقلته عن ذلك، فعندما قرر الذهاب بسيارته إلى المكان الجديد استغرق الأمر قرابة ثلاث ساعات ونصف العام فى الذهاب ومثلهم فى العودة، أى أن أكثر من ربع اليوم ضاع فى الطريق فقط، مما دفعه فى النهاية إلى الاعتذار عن الانتقال وفضل البقاء فى منصبه القديم.

وأشار إلى أنه اتخذ قرار الاعتذار عن الانتقال بعدما قام بحساب كافة النواحي، من حيث أولاده وزوجته وتكاليف الانتقال للمكان الجديد، مشيراً إلى أنه رغم توفير الحكومة بدل انتقال للموظف نحو 3 آلاف جنيه شهرياً فإنه أقل من المصاريف التى ينفقها فى اليوم والتى تصل لـ200 جنيه بإضافة تكلفة وجبات الإفطار والغذاء، أى أنه يحتاج لأكثر من 4000 جنيه شهرياً، بما يعادل ضعف بدل الانتقال.

 

 

الإفطار.. «وجبة مقدسة» للتهرب من العمل

يبلغ عدد الموظفين فى الحكومة وقطاع الأعمال العام قرابة 6 ملايين شخص.. تصل مرتباتهم لنحو 83 مليار جنيه و771 مليون جنيه خلال العام المالى 2019– 2020، كل موظف منهم له حكاية مختلفة مع مواطن أو عده مواطنين، قليل منها يتسم بالنبل ومراعاة الضمير، بينما أغلبهم يعتمدون على مبدأ «شخلل علشان تخلص» أو «لازم اضربك واتشاجر معاك» أو «هعطلك يعنى هعطلك» أو «عدى علينا بكره».

كثير من الموظفين يطمئنون على مستقبلهم الوظيفى بمجرد أن يحصلوا على اللقب الحكومي، رغم أن أغلبهم يفتقدون أدنى قواعد التعامل مع المواطنين ولا يؤدون مهامهم الوظيفية بكفاءة وسرعة.. فهناك أنماط عدة نتعامل معها يومياً أو يدفعنا «الحظ» إلى مقابلتها، لنشعر بعدها أن حياتنا أزدادت بؤسًا.

هناك نمط من الموظفين يتفنن فى تعطيل مصالح الناس بشتى الطرق، حسب دراسة أعدتها الجامعة الأمريكية، وتكشف عن أن الموظف المصرى يعمل نصف ساعة من إجمالى 7 ساعات نظراً لتهربه من العمل وإهدار وقته بوسائل متعددة، وأظهرت الإحصائيات أن 29% من الموظفين فى 3 وزارات يتسربون من العمل بعد التوقيع بالحضور مباشرة، فيما يتحايل بعض الموظفين للتهرب من العمل المنوط بهم بوسائل متنوعة، من بينها التمارض، ومهام العمل الخارجية الوهمية، وتوقيع الموظفين بالحضور والانصراف لبعضهم البعض، والتهرب من أداء الواجبات الوظيفية بحجة الصلاة أو تناول الفطور.

هؤلاء متواجدون فى كافة المؤسسات، لكن بشكل خاص تتزايد أعدادهم فى العديد من القطاعات الحيوية وعند مرورنا على بعضها، شاهدنا أغرب ما يمكن أن يتصوره عقل.. فبدلاً من أن يكون الموظفون مصدرًا لراحة المواطن، أصبحوا يتفننون فى تعطيل مصالحه.

«مصلحة الشهر العقارى» واحد من هذه القطاعات التى يتمتم كل من يصل إليها علناً بألا تتكرر تجربة زيارة هذا المكان مرة أخرى، فلا تزال الأمور العبثية والهزلية حاضرة، رغم جهود الدولة للتخفيف من حدة الإجراءات الروتينية فى بعض الفروع لمنع التكدس بالمكاتب وتقديم الخدمة فى فترة وجيزة، فخلال عام 2020 تم تطوير 52% من المكاتب وباتت مميكنة بالكامل، ومن المزمع استكمال ميكنة 48% من مكاتب الشهر العقارى التى يبلغ عددها 525 مكتباً تضم حوالى 9 آلاف موظف بينهم 3500 موثق.

من بين المكاتب التى لم يصل إليها قطار التطوير، الشهر العقارى فى منطقة «أبورواش» بالجيزة، وهو بالكاد يمكن الصعود إليه عبر سلالم مكسورة، ومن يصعد إليه سيرى «العجب» يتجسد أمامه، ففى الداخل يتواجد على جانبى المكتب عدد من المقاعد الخشبية  المتهالكة التى يضطر الزائرون الجلوس عليهم للراحة من عناء السلم، العجب الأكبر ليس فى الوضع غير الآدمى للمكان، وإنما جلوس الموظفين وسط كومة من الأوراق القديمة المسجلة بها كافة التوكيلات للعملاء، والتى يطلق عليها أرشيف التعاملات اليومية، وتكون أوراقه متهالكة نتيجة مرور سنوات على الدفاتر فى مكان تحتله الأتربة من كافة الجوانب.. هذا لم يمنع أيضاً أن بعض هذه الأوراق عليها بقايا طعام أو شراب الموظف المختص الذى يطالب الزائرين بمساعدته فى البحث فى الأرشيف فى بعض الأحيان لاستخراج رقم التوكيل.

يمتد العجب بتصرفات موظفى المكتب التى تعيدنا عقود للوراء، فى كافة الإجراءات الروتينية التى يقومون بها، بدءاً من تسليم البطاقة، ثم ملء استمارة التوكيل أو إلغائه، ثم تسجيل بيانات الزائر فى الدفتر، ومن ثم تحديد قيمة الرسوم، وإعطاء وصل أو ورقة بها المبلغ المطلوب لدفعه فى الخزينة، إلى أن يأتى فى النهاية دور المدير الذى يقوم بختم الأوراق بشكل نهائى.

فى كل مرحلة من هذه المراحل لابد أن يقوم المواطن بصعود ونزول السلم لتصوير كل ورقة تطلب منه، لدرجة أنه نشبت مشادة بين زائر للمكان والموظف المختص بسب عدم طلبه الأوراق المطلوبة لتصويرها دفعة واحدة، فيكون مبرر الموظف: «بأن هذا نظام لابد أن يسير عليه حتى لا تتم لخبطة الأوراق ويصبح عاجزًا عن أداء عمله»، مضيفاً: «لو حضرتك مستعجل أوى فوت علينا بكره، لكن لا تقول لنا ما يجب علينا فعله»، لم يفض هذه المشاجرة إلا تهدئة أحد الجالسين على المقاعد للزائر.

 

 

إنهاء الخدمة.. قرار نادر الحدوث

 أحد أهم أسباب الإقبال الكبير على الوظيفة الحكومية، هو أن موظف الحكومة لا يمكن فصله من وظيفته، إلا فيما ندر.

وطبقاً للقانون رقم 73 لسنة 2021، يتم فصل الموظف نهائيًا من العمل فى حال ثبوت تعاطيه للمواد المخدرة

ويتيح القانون للجهات المختصة الحق فى اتخاذ الأسلوب المفاجئ لإجراء التحليل، كمنهج سنوى طبقًا لخطة تعدها الجهات بحيث تشمل جميع العاملين بها.

فيما يقر القانون رقم 10 لسنة 1973 فصل الموظف من عمله فى حالة وجود قرائن جدية على ارتكابه ما يمس الأمن القومى للبلاد وسلامتها أو أخل بواجباته الوظيفية بما من شأنه الإضرار الجسيم بمرفق عام بالدولة أو بمصالحها الاقتصادية.

 

 

مستشفيات التأمين الصحى.. داء بلا دواء

فى مصر قرابة 40 مستشفى تأمينيًا و249 عيادة شاملة منتشرة فى أنحاء الجمهورية تتولى علاج أكثر من نصف سكان مصر، حيث وصلت نسبة المترددين على هيئة التأمين نحو 58٫5٪ مواطن منهم مليون موظف وعامل وأصحاب المعاشات والمرأة المعيلة، 14٫5 مليون طفل منذ الولادة حتى سن المدرسة، بالإضافة لنحو 20٫6 مليون تلميذ وطالب فى المراحل التعليمية المختلفة قبل الجامعى، فى حين وصلت الميزانية المخصصة للهيئة قرابة 7 مليارات جنيه.

كما تتعاون الهيئة مع 676 مستشفى بوزارة الصحة ومستشفيات جامعية وقوات مسلحة وشرطة والقطاع الخاص، بالإضافة إلى 731 معملًا طبيًا ومركز أشعة ومركز غسيل كلوى، ورغم أن كل هذه العيادات والمستشفيات دورها الوحيد هو توفير الرعاية الصحية للمترددين عليها ولكن أحيانًا تكون تلك العيادات هى الداء وليست الدواء والدليل هو حالة المواطن «عبدالمنعم أمين».

«عبدالمنعم أمين» 65 عاماً مريض بالظهر ويعانى تآكل فى الغضاريف القطنية، يوضح أنه لكى يتم تشخيص مرضه وكتابه الدواء اللازم لحالته المرضية «داخ السبع دوخات»، حيث اضطر أن يتوجه لعيادة «عرابى للتأمين الصحي» من أذان الفجر لحجز موعد للكشف عند طبيب المخ والأعصاب، الذى عادةً ما يعتذر عن الحضور بعدما ينتظره المرضى لأكثر من 7 ساعات.. لافتاً إلى أنه استمر فى المجىء عند موعد حضور الطبيب لأكثر من

سنة لكنه لا يأتى، مما تسبب فى تدهور حالته الصحية. لذلك نصحه بعض المقربين منه أن يحصل على خطاب تحويل من العيادة لأحد مستشفيات التأمين ليستطيع الكشف عند الطبيب.

وأشار إلى أنه لم يكن الحال أفضل من «عيادة عرابي» كثيراً فأغلب موظفى هيئات التأمين الصحى متشابهون، فعندما أراد الحصول على التحويل.. موظفى العيادة لم يسارعوا إجراءات التحويل وظلوا يتصنعون حجج وهمية للهروب من أداء إعمالهم، كما أن بعضهم غير متواجد فى محل عمله فى موعده وحتى وأن جاء مبكراً يرحل بشكل سريع أو يبقى فى مكانه ويختلق الأعذار للتهرب من أداء مهامه.

وأضاف أن مستشفى التأمين كان على نفس درجة الإهمال والتعنت فى إنهاء الخدمة، فعندما ذهب بخطاب التحويل للكشف عند طبيب المخ والأعصاب.. أخبره الموظفون بعد مماطلة ساعات طويلة، أن يأتى بعد شهر لكى يتم عرضه على الطبيب المختص لفحصه، مشيراً إلى أنه بمجرد أن سمع المدة المحددة من الموظفة المسئولة كاد أن يغمى عليه من الصدمة، حيث إنه شعر باليأس من أن يعالج.

وأشار إلى حظه العثر اضطره إلى للجوء إلى التأمين الصحى، بعدما كان يعتمد على الكشف فى العيادات الخاصة، لافتاً إلى أن العديد من الأطباء الذين كان يتابع معهم على نفقته الخاصة أخبروه بضرورة إجراء عملية جراحية اٍسفل ظهره وثمنها لا يقل عن 30 ألف جنيه، مما جعله يتردد مرة أخرى على عيادات ومستشفيات التأمين الصحى للمتابعة مع الطبيب المختص وإجراء العملية.

ويقول عبدالمنعم: بعد المدة التى حددتها الموظفة بالمستشفى والتى وصلت لقرابة شهر، ذهبت فى الموعد المحدد للطبيب حيث خرجت من بيتى فى أذان الفجر حتى أستطيع أن أحجز دوراً متقدماً فى الطابور الطويل الذى ينتظر أمام المستشفى للكشف، وعند وصولى للمستشفى كانت الساعة أوشكت على الـ6 صباحاً فانتظر حتى الساعة التاسعة إلى أن جاءت الموظفة وقامت بجمع البطاقات التأمينية من المرضى لترتيب أدوارهم فى كشف الانتظار لحين وصول الطبيب الذى عادةً ما يصل بين الساعة الواحدة بعد الظهر إلى الثالثة عصراً.

واستكمل: بعد انتظار دام لأكثر من 8 ساعات، جاء الطبيب فى تمام الساعة الـثانية والنصف بعد الظهر، وبدأ يتردد عليه مريض تلو الآخر إلى أن جاء دوره، والذى لم أعرف حتى الآن كيف وصلت لرقم 30، رغم أنى كنت من أوائل المنتظرين، ولكننى لم أدقق كثيراً فى هذا الأمر، بل كان ما يهمنى أن أدخل للطبيب الذى تحملت عناء وشقاء الوصول إليه.

ولفت إلى أنه بعد دخوله وفحصه فى عيادة الكشف، طلب منه الطبيب مجموعة من التحاليل والأشعة، وهذا جانب آخر من المعاناة يطول الحديث عنه (حسب كلامه)، مشيراً إلى أن كل أشعة وتحليل فى جهة بعيدة عن الأخرى، فاستعوضت الله فى صحتى وبخاصةً أنى رجل لا حول ولا قوة لى وعاجز عن الحركة، فلا استطيع المشى إلا خطوات قليلة ثم أسارع بالجلوس.

وأوضح أنه «لولا مساعدة ولاد الحلال من جيرانه» ما كان أنجز الأشعة والتحاليل التى استغرقت نحو 10 أيام بعد إلحاح ودفع ما يلزم من أموال للموظفين للإسراع من استلام الفحوصات المطلوبة، لافتاً إلى أنه تعرض لنوع جديد من المعاناة بل أكثر شدة عندما زار عيادة الهرم الشاملة بمنطقة الهرم، حيث تردد عليها لاستلام الحزام الطبى الذى أوصى الطبيب به بعد فحصه الأشعات والتحاليل التى أجراها وعرضها عليه فى موعد حددته إحدى الموظفات.

وأشار إلى أنه بمجرد وصوله للعيادة بمساعدة أحد جيرانه، شعر بالدوار وقلة الحيلة فليس هناك بالمكان شخص يوجه أحد أو يعرفه بالإجراءات الواجب اتباعها لاستلام الحزام، مشيراً إلى أنه بعد ساعات من الحيرة نصحه أحد المرضى بأن لابد أن ينهى الأوراق الخاصة باستلام الحزام فى مركز خدمة العملاء ثم عليه بعد ذلك التوجه لمخزن الأدوية بالعيادة.

«مركز خدمة العملاء» الذى ذكره «أمين» خلال رحله معاناته للحصول على الحزام الطبى، قمنا بزيارته، فإذا بنا فى قلب الجحيم.. لم أكن أتخيل أن المكان بهذه الدرجة من العبثية والروتين، حيث إن مئات المرضى فى مساحة صغيره بعضهم يجلس وآخرون يقفون نظراً لأن أعداد الكراسى بالمكان أقل من المتواجدين فيه، مما تسبب فى تكدس كبير بالمكان كان بمثابة قنبلة تكاد أن تنفجر فى وجهه الجميع وبخاصةً أنه بعض من هؤلاء المرضى مصاب بـ«كورونا»، وبعضهم يأتى للمركز لإنهاء الإجراءات لعمل تحاليل أو لاستلام الأدوية أو لتحويله لمركز طبى آخر يتابع فيه حالته.

 وعلى جميع المتعاملين مع المركز الانتظار لما بين 3 إلى 5 ساعات لإنهاء الإجراءات التى تتمثل ما بين إمضاءات أو استلام ورقة تمكن المريض من صرف الأدوية والمستلزمات الطبية المكتوبة له، بينما مركز الأدوية المختص بتسليم المستلزمات الطبيبة يفتح أبوابه من الساعة 9 إلى 1.30 ظهراً أى عادةً ما يعجز المريض عن استلام ما يلزمه فى نفس اليوم، فيضطر إلى المجىء يوم آخر!

 

 

أوتوبيسات النقل العام.. «خناقات» فى الزحام

للموظفين ضحايا بالآلاف.. فى كل جهة حكومية توجد عشرات الحكايات، كل منها تحمل مأساة ضحيتها مواطن مصرى، تعرض للضرب أو للشتائم أو للابتزاز، والجانى «موظف حكومة».

حكاية «ناصر سيد أحمد» واحدة من تلك الحكايات.. «ناصر» رجل ستينى بسيط، يروى مأساته، قائلاً: بمجرد أن وطأت قدماى أوتوبيس هيئة النقل العام، لم أكن أتخيل أنه بعد هذا العمر وبلوغى سن المعاش أن أصاب بكدمات فى وجهى وتُمزق ملابسى من موظف عام بسبب خلاف على الأجرة».

ويضيف: «الحكاية بدأت أثناء ركوبى أوتوبيس هيئة نقل عام من الخازندار بشبرا مصر متوجهاً إلى السواح بالأميرية، وفوجئت بامتناع المُحصل عن تنفيد توجيهات الهيئة بإعفاء كبار السن من تذاكر ركوب المواصلات العامة، حيث يعفى من ثمن التذكرة من يتجاوز سن الـ70 عاماً، ويدفع من يتجاوز 60 عاماً نصف تذكرة فقط.

وأوضح رغم أنى أخرجت له بطاقتى الشخصية لكى يتحقق من السن القانونية، فإن «المُحصل» أصر على أخذ الأجرة كاملة والتى تقدر بنحو 5 جنيهات، وعندما رفضت دفع هذه القيمة المالية، تطاول على بالسب والإهانة وقام بتمزيق ملابسى.

وقال: «اشتدت المشاجرة فى الأوتوبيس، لدرجة أن السائق أوقف الأوتوبيس ليهدأ الطرفان، ولكن المشكلة تعقدت، بعدما ضرب المُحصل عرض الحائط بتوسلات الناس والسائق، وقام بضربى بقلم جاف كان ممسكاً به فى يديه، ما تسبب فى جرح عميق فى وجهى الأيمن».

وتابع: «حاولت تحرير محضر فى القسم التابع لشرطة النقل والمواصلات، ضد محصل الأوتوبيس لكن توسل إليه بعض أصدقاء المُحصل للتنازل والعفو عنه، ما جعلنى أوافق على عدم تصعيد الواقعة، رغم أننى لم أكن راضياً عما فعلت وبخاصةً أنه بدر من الموظف بعض العبارات غير اللائقة فى حقى، التى لا يليق أن يتلفظ بها موظف عام أثناء تعامله مع الجمهور».

هذه الواقعة مجرد قصة بسيطة من مئات الحوداث التى تقع يومياً بسب بلطجة بعض الموظفين، حيث يحدد قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 فى المادة 136: «عقوبة الحبس لكل من تعدى على أحد الموظفين العموميين أثناء تأدية عملهم»، إلا أن هناك آلاف الاعتداءات التى يرتكبها موظفون ويغفل عنها القانون.

 

 

بورتريه الموظف بأقلام الأدباء:

استغلالى وفاسد.. ومكافح أحياناً

رصدت الروايات والأفلام السينمائية أنماطاً مختلفة من الموظفين، منها الاستغلالى والمُكافح والفاسد المتربح من وظيفته، واعتبر كثير من المؤلفين الوظيفة مصدر إلهام استوحوا منها حكايات أبطال قصصهم، إلا أن كثيرًا من المفكرين والأدباء وعلى رأسهم عباس العقاد وصف الوظيفة بأنها رمز للعبودية، وافتخر بأنه أول موظف مصرى يستقيل من وظيفة حكومية بمحض اختياره.

ولعل أبرز شخصيات الموظفين فى الأفلام كان أنيس أفندى فى فيلم «ثرثرة فوق النيل» المُدمن للحشيش والساخر من كل شىء فى الواقع، سواء فيما يكتبه من تقارير حكومية أو فيما يشاهده من أحداث فى المجتمع، أبرز نموذج للمهنة البيروقراطية.

فى حين كان عثمان بيومى فى فيلم «حضرة المحترم» نموذجًا مختلفًا برؤية مغايرة عن الوظيفة، حيث يمضى سنوات عمره راجياً أن يكون عمله الحكومى والتزامه الكفء بوظيفته شفيعاً له فى الآخرة.

أما محجوب عبدالدايم فى فيلم «القاهرة 30»، فنمط الموظف الوصولى الذى يريد فعل أى شىء بغض النظر عن الأخلاقيات أو القيم مقابل الوصول لمكانة مرموقة أو نفوذ دائم.

ويمثل عيسى الدباغ فى فيلم «السمان والخريف» النموذج الناجح والمشهود له بالذكاء والنبوغ والمستقبل المشرق، الذى يستيقظ كل يوم شعلة من الحماس نموذج لا يزال موجوداً.

أما كامل عبدالشكور فى فيلم «الموظفون فى الأرض» فموظف بسيط يتخذ التسول حرفة لكسب المزيد من الأموال، وحينما تم كشف ما يفعله برر بأن «التسول أفضل من الرشوة أو أخذ أموال حرام من الموطنين مقابل إنهاء مصالحهم». فيما كان «فرحات» فى فيلم «البيه البواب» تجسيداً للموظف الذى يصل لأعلى الدرجات الوظيفيه ولكنه ظل وأسرته يعيشون فوق خط الفقر بقليل.