الدروس المستفادة من سورة المؤمنون
استهل الله -جلّ وعلا- سورة المؤمنين بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}،ولهذا فإنّ أول مقاصد سورة المؤمنون هو إقرار فلاح المؤمنين الذين ذكر صفاتهم وخصالهم وأنّهم هم الفائزون في الدنيا والآخرة، ثمّ إنّ الله -تبارك وتعالى- ذكر كيفية خلق الإنسان وعرض أطوار الحياة البشرية والمراحل التي يمر بها الإنسان إلى أن ينتهي به الحال إلى الموت كحال جميع البشر، فقد قال -تعالى-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ}.
وهذا يعتبر من مقاصد سورة المؤمنون إذ أنّ الله -تعالى- ذكّر الإنسان بأصله ونهايته وبيوم البعث بإشارةٍ منه إلى أنّه هو الخالق العظيم.
ومن مقاصد سورة المؤمنون أيضًا أنّها تذكر العديد من نعم الله -تعالى- على خلقه وتبيّن عظمته وإعجازه فقد قال -جلّ وعلا-: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ * وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُون}،وقد ذكر فيها من قصص الأنبياء الأولين كقصة نوح -عليه السلام- الذي دعا الناس لعبادة الله الواحد، فقد قال -تعالى-: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ أَفَلَا تَتَّقُونَ}،وهذا ما يبيّن أنّ من مقاصد سورة المؤمنون الدعوة لعبادة الله وحده واجتناب الشرك والكفر والعصيان.
وكان من مقاصد سورة المؤمنون الدعوة لاتّباع الرزق الحلال والطعام الحلال
وقد بيّن الله -تبارك وتعالى- أنّ الابتلاءات تكون في بعض الأحيان على شكل نعمة، فالمال والبنون والنعم الفائضة قد يغترّ بها أصحابها فتكون بالنسبة لهم ابتلاءاتٍ من الله -تعالى-، فقد قال: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ}،[١٥]أمّا المؤمنون فإنهم يخشون الله ويؤدّون ما عليهم من واجبات وحقوق ومع هذا يبقى الخوف في قلوبهم بأنّهم مقصرون.
ويُلاحظ عند دراسة مقاصد سورة المؤمنون أنّ الله -جلّ وعلا- في مجمل آيات هذه السورة كان ينبّه من شر الشيطان وأمر بالاستعاذة منه ومن همزاته بقوله:{ وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}، وكان -جلّ وعلا- يذكّر عباده بيوم الحشر وأهوال يوم القيامة والنفخ في الصور وبأنّ مرجوعهم إليه -سبحانه وتعالى- فقد قال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}،وبهذا تشمل مقاصد سورة المؤمنون بيان فلاح المؤمنين وصفاتهم وحال المشركين وصفاتهم وأسباب الخلاص والهداية لتنتهي السورة بتعظيم الله والإقرار بأنّه مالك الملك ربّ العرش العظيم.