رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أسواق النخاسة تعود من جديد

خادمة اجنبية-صورة
خادمة اجنبية-صورة ارشيفية

«الوفد» تكشف سيناريو تهريب الخادمات الإفريقيات إلى مصر

تشديد الإجراءات أدى لظهور مافيا جديدة ضمت مسئولين ورجال أعمال .. والتأشيرات العلاجية أحدث طرق التحايل

 

الخادمات الأجنبيات ظاهرة انتشرت فى مصر منذ سنوات طويلة، بين طبقات الأثرياء من سيدات المجتمع ورجال الأعمال، ويأتى اعتبار الخادمة نوعاً من التفاخر والتباهى بين سيدات الطبقة الراقية فى مقدمة أسباب انتشار تلك الظاهرة، فهذه السيدة تتباهى بخادمتها الفلبينية، فيما تتفاخر أخرى بخادمتها الإندونيسية. وازدادت الظاهرة انتشاراً بين الطبقات الأقل ثراء، نتيجة دخول الخادمات الإفريقيات سوق العمل فى مصر، وانخفاض رواتبهن مقارنة بمثيلاتهن من المصريات، وتحول الأمر إلى بيزنس نتيجة القوانين التى تمنع استقدام عمالة أجنبية، وارتفع سعر سماسرة الاتجار بالبشر، نتيجة تشديد وزارة الداخلية إجراءات دخول العمالة الأجنبية؛ حفاظاً على العمالة المصرية، ما أدى إلى ظهور مافيا من نوع خاص تتولى عمليات تهريب الخادمات، ضمت رجال أعمال وضباطاً، تحايلوا على القوانين وزوروا تأشيرات مقابل مبالغ كبيرة.

«الوفد» قررت فتح هذا الملف لكشف أحدث طرق تهريب الخادمات إلى مصر.

بدأت ظاهرة الخادمات الأجنبيات فى ثمانينات القرن العشرين، بعد الانفتاح الذى خلفه عهد الرئيس السادات، وظهور طبقة جديدة من الأثرياء، حاولت تقليد السائحين العرب باستقدام خادمات فلبينيات وإندونيسيات، ومع بداية التسعينات انتشرت ظاهرة جديدة فى مصر، هى الخادمات الإفريقيات، وتحديداً من إثيوبيا والسودان والصومال ونيجيريا؛ نتيجة انخفاض رواتبهن، حيث صارت موضة وغيرة بين سيدات المجتمع، بدأت بالفتيات الإثيوبيات اللاتى توافدن على مصر بأعداد كبيرة بتأشيرات سياحية، وهنا ظهرت السمسرة، ولم يكن السماسرة من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة، بل كانوا من رجال الأعمال، ولعلنا نشير هنا إلى تلك الواقعة التى تناقلتها وسائل الإعلام فى ذلك الوقت، عندما أدرج مكتب الهجرة الفلبينى على القائمة السوداء مواطنًا مصريًا لمسئوليته عن إدارة شبكة لتهريب الفلبينيات للعمل كخادمات فى مصر. وتبين أنه يرتبط بصلة مصاهرة بإحدى الشخصيات القوية داخل النظام حينذاك، وأصدر وقتها مفوض إدارة الهجرة الفلبينية مرسومًا بمنع رجل الأعمال المصرى من دخول الفلبين، وإدراجه على القائمة السوداء؛ نظرًا لممارساته غير المشروعة، وإرسال مئات الفتيات الفلبينيات لمصر للعمل كخادمات.

وتم تعميم القرار على السفارات الفلبينية بدول العالم لعدم إصدار تأشيرة دخول له إلى الفلبين مرة أخرى.

وقد صدر قرار منع رجل الأعمال المصرى بعد أن تلقى قسم الشئون الخارجية بوزارة الخارجية الفلبينية تقريراً من بيترونيلا جارسيا، السفير الفلبينى بالقاهرة، فى ذلك الوقت، أكد فيه أن المئات من الخادمات الفلبينيات اللاتى استقدمن من خلال رجل الأعمال المصرى صاحب السطوة والنفوذ، تعرضن للاعتداء البدنى والجنسى وسوء المعاملة وعدم دفع الرواتب، والعمل ساعات طويلة بلا مقابل.

وربما كانت هذه الحادثة هى التى فتحت بابًا جديدًا لعمالة من بلاد جديدة، فاتجهت الأنظار إلى إفريقيا، وشاعت ظاهرة الفتيات الإثيوبيات والإفريقيات، وأغلبهن يتحدثن الإنجليزية، وهو ما لقى قبولاً لدى كثير من العائلات الغنية فى مصر، حتى يتسنى لأطفالها تعلم الإنجليزية منذ الصغر.

وفى هذه الفترة دأبت وزارة الداخلية على شن حملات على فترات متباعدة على أماكن تجمع أولئك الفتيات، مثل النوادى حيث يكن فى صحبة الأطفال المصريين، أو فى الأماكن التى يعشن فيها، إذ تستأجر كل مجموعة من الفتيات مسكناً خاصاً يتقاسمن إيجاره.

ولكن ما هو الوضع الآن؟ وهل تم القضاء على ظاهرة الخادمات الأجنبيات بتشديد القوانين؟ الإجابة بالطبع لا.

بدأنا طريقنا لكشف الحقيقة من مصلحة الجوازات، حيث أكد ضابط برتبة عميد، رفض ذكر اسمه أن ظاهرة الفتيات الأجنبيات العاملات فى مجال الخدمة بالبيوت انتهت تماماً، وأنه لا وجود لمكاتب تعمل فى هذا المجال إطلاقاً، وأضاف أن وزارة الداخلية تطبق القوانين بكل حزم؛ حفاظاً على الأمن القومى المصرى والعمالة المصرية، حيث منعنا تماماً استقدام أى خادمات، وأصبحت الإجراءات صارمة ومعقدة، منها الإقامة والرسوم وتجديد إقامة كل 10 شهور، ووصل الأمر لتدخل جهاز الأمن الوطنى، ووزير الداخلية شخصياً فى الموضوع، لكن معظم الطلبات التى تقدم للمصلحة غالباً ما يتم رفضها.

وأشار إلى أن الحالات المشروعة التى يسمح فيها بدخول المربيات والعاملات الأجنبيات مصر، هى قدومهن مع أسرة مغتربة أو أجنبية، ويسمح لهن وقتها بالمكوث فى مصر ثلاثة أشهر، بتأشيرة سياحية وتجدد الإقامة حسب حالة المخدوم ووضعه داخل البلاد. ويضيف أنه فى حال اكتشاف وجود فتيات أجنبيات يعملن لدى أسر مصرية، فإنه يتم ترحيلهن فوراً، كما يتعرض من كانت تعمل لديه للمساءلة القانونية.

ويقول اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق والخبير الأمنى: إن هناك حظراً تاماً على استقدام الخادمات الأجنبيات إلى مصر، وهو مطبق منذ سنوات طويلة، ولا توجد استثناءات إلا من خلال وزير الداخلية أو مدير الأمن الوطنى، واستشهد بواقعة كان شاهد عيان فيها عندما كان مديراً للإدارة العامة لمباحث الأحداث، حيث فوجئ باتصال من شخصية نسائية شهيرة كانت تشغل منصباً مهمًا فى ذلك الوقت، حيث كانت قادمة من إحدى الدول الإفريقية، ومعها خادمتان إفريقيتان، وفوجئت بضباط المطار يرفضون السماح للخادمتين بالدخول للبلاد فاتصلت به، فأخبرها بأن القانون يمنع دخولهما، وأن هناك إجراءات قانونية منها موافقة أمن الدولة، وبالفعل أجرت اتصالاتها، وتدخل جهاز أمن الدولة وتم استيفاء الإجراءات، وسمح للخادمتين بدخول البلاد، وأضاف اللواء نور الدين أن هناك عمليات تحايل على القانون، تحدث أحياناً وبشكل قانونى، كأن تدخل الخادمة بتأشيرة سياحية أو بأى صفة أخرى غير خادمة كممرضة مثلاً، ولكن فى الفترة الأخيرة تم تدارك هذه الأمور، خاصة مع القادمات من الدول الإفريقية مثل إثيوبيا والسودان وإريتريا، وأصبح من الضرورى أن تجرى تحريات دقيقة عليهن، للتأكد من أسباب حضورهن الحقيقية، وأصبحت الإجراءات أكثر صعوبة مما مضى، للقضاء على هذه الظاهرة التى تهدد الأمن القومى المصرى.

وأضاف اللواء محمد نورالدين أن وزارة الداخلية لا تقوم بالتفتيش على الخادمات بالمنازل لحرمتها، ولكن يتم اكتشاف عمليات التهريب عندما تحدث مشكلة مع العاملة الأجنبية، كاتهامها بالسرقة، أو هروبها، حيث يتم الإبلاغ، وتبدأ الشرطة فى البحث عنها.

قررت أن أتأكد من الإجراءات التى أخبرنى بها ضابط الجوازات، ولجأت لإحدى صديقاتى، وطلبت منها أن تذهب إلى مصلحة الجوازات بمجمع التحرير، وتقدم طلباً لاستقدام خادمة إثيوبية، وكانت بالفعل العملية معقدة حيث رفض ضابط الاتصال بالجوازات قبول الطلب، وأخبرها بأن عليها إحضار موافقة وزير الداخلية أولا أو مدير الأمن الوطنى.

وعلى قدر سعادتى بالإجراءات الصارمة حرصاً على العمالة المصرية والأمن القومى المصرى، إلا أننى كنت على يقين بأن الإجراءات الشديدة تفتح الأبواب الخلفية، وتدفع الفاسدين للمخاطرة ومخالفة القانون مع رفع سعر المخالفة، والذين يرغبون فى استقدام خادمة أجنبية، فى الغالب هم من طبقة لا يعنيها المال، بقدر ما يعنيها تنفيذ رغباتها، بأى شكل وبأى ثمن، وخير دليل على ذلك، تلك القضية التى ضبطتها الداخلية منذ شهور قليلة، حيث ألقى القبض على مافيا ضمت ضابط شرطة بالمطار

وخليجيين، وكشفت تحقيقات النيابة أن الضابط المتهم يعمل بالجوازات بمطار القاهرة، واتفق معه خليجيان على رشوة 15 ألف جنيه، مقابل تزوير تأشيرات دخول وخروج لـ3 خادمات إندونيسيات من مصر «لبيعهن» لشركات السياحة بمقابل مادى، وتبين أن الخليجيين دخلا مصر قادمين من دولة الأردن، ومثبت بجوازى سفريهما أن بصحبتهما 3 فتيات إندونيسيات كخادمات، وذلك لبيعهن للأثرياء داخل مصر للعمل خادمات، مقابل حصول الخليجيين على مبالغ مالية نظير ذلك، وقررت النيابة حبسهم 4 أيام على ذمة التحقيقات بتهمة الاتجار فى البشر.

كما نجحت سلطات مطار القاهرة أيضاً، فى ضبط عصابة تقوم بتوريد الخادمات الإندونيسيات إلى مصر عبر مواطن بحرينى، بعدما وصل على الطائرة الإماراتية، قادماً من دبى وبصحبته خادمتان من إندونيسيا مثبتتين على جواز السفر الخاص به. وأثناء إنهاء إجراءات وصوله، اشتبه محرر إجراءات الجوازات فيه، خاصة أنه كثير التردد فى الفترة الأخيرة على الإمارات، وكانت آخر رحلة له منذ ثلاثة أيام، حيث أوضح جواز سفره أنه فى كل مرة كان يقوم بإثبات خادمتين من إندونيسيا على جواز سفره، وبالتحرى تبين أن الراكب يقوم بترك الخادمتين فى كل مرة لصاحب مكتب تخديم للعمل فى القاهرة، ويقوم عبر شخص آخر فى الإمارات بتوريد غيرهن، إلى أن اكتشف محرر الجوازات الواقعة. و ذلك يدل ويؤكد ظهور مافيا جديدة يشترك فيها فاسدون من الداخل والخارج.

أثناء إجراء التحقيق لفت نظرى إعلانات مكاتب وشركات عمالة تعرض خادمات أجنبيات على الإنترنت، ولها صفحات على الفيسبوك، ربما أشهرها موقع «بيزات» الذى أخلى مسئوليته عن مضمون الإعلانات، حيث كتب بخط غير واضح أسفل الإعلانات: «نرجو التحقق من مصداقية البيانات الواردة فى الإعلان لأن الموقع غير مسئول عن ذلك»، وجاءت نصوص الإعلانات كالتالى: «نوفر لكم جليسة الأطفال وراعية المسنين.. لدينا عاملات نظافة تجيد جميع أعمال المنزل، نوفر لكم سائقين، طباخين، بوابين من إفريقيا وشرق آسيا «الفلبين – إندونيسيا»، وهناك إعلان من فتاة إثيوبية 27 عاماً تطلب العمل «بيبى سييتر» لدى أسرة محترمة، ووضع شخص يدعى محمد رقم تليفونه المحمول بجوار الإعلان.

ويبقى السؤال.. كيف تستقدم هذه المكاتب والشركات العمالة الأجنبية؟ وهل الشركات تختلف عن الأفراد من حيث الإجراءات أم هناك بيزنس فى هذا الشأن؟!

هذا وكانت مصادر بالقوى العاملة قد صرحت مراراً، بأن عدد مكاتب تشغيل الخادمات فى مصر يتعدى الـ250 مكتباً، 5 منها فقط مرخصة من وزارة القوى العاملة، والباقى مخالف ودون تراخيص، وذلك بسبب الشروط التى تضعها الوزارة للحصول على الترخيص، وأن أوراق 90% من الخادمات اللاتى يتم إدراجهن فى إعلانات مكاتب التخديم على الإنترنت غير سليمة، وأن لهذه المكاتب دوراً ثانوياً للغاية فى تشغيل الخادمات، لأن الغالبية العظمى سواء من راغبى الخادمات، أو الخادمات الراغبات فى العمل بمصر الآن تعتمد على المعارف والأقارب، نظراً لتشديد الإجراءات على استقدام الخادمات الأجنبيات وحضورهن بطرق غير شرعية، وأن كثيرين من رجال الأعمال يلجأون إلى أصدقائهم من أصحاب النفوذ والعلاقات بمسئولين كبار فى الداخلية لإنهاء الموافقات القانونية وإدخالهن بطرق شرعية، وهناك من يلجأ إلى بعض معارفه من رجال الأعمال وأصحاب الشركات التى لها فروع فى دول إفريقية، ويترددون عليها بانتظام ولهم إقامة فيها، ويطلب منه إحضار خادمة معه، والبعض يستغل حيازته لإقامة فى دول إفريقية ويتخذ من استقدام الخادمات وسيلة للربح وزيادة ثروته، وهناك من يتحايل على القانون فيحضر الخادمة بتأشيرة سياحة أو دراسة أو للعلاج وتختفى عنده فى منزله بصورة غير قانونية.

واصلت التحقيق رغبة فى الوصول إلى أحدث طرق تهريب الخادمات، وتوصلت لأحد السماسرة عن طريق بعض صديقاتى، وعلمت أنه يتقاضى 3 آلاف دولار مقابل إحضار خادمة إفريقية بخلاف تكاليف الأوراق، وزعمت رغبتى فى إحضار خادمة وطلبت منه مساعدتى، فطلب ألفى دولار أخرى بخلاف الثلاثة الأولى نظير الأوراق، وعندما طلبت منه التفسير، رفض فى البداية، وقال إن كل ما يهمنى هو تسليم الخادمة لى فى شقتى، ومع إصرارى وإلحاحى لمعرفة تفاصيل العملية وتهديده بعدم إتمام الصفقة، اضطر للفضفضة وقال إنه سيرينى عدة صور لفتيات إفريقيات لأختار واحدة منهن، وبعدها سيحضر صورة جواز سفرها، وسيستخرج شهادة من مستشفى خاص بأن هذه الفتاة مريضة، وتحتاج إلى إجراء عملية جراحية لتستخرج تأشيرة من بلدها للعلاج، وبالطبع تقرير المستشفى يحتاج لمبلغ مالى، كما أنه سيعطى الفتاة مبلغاً مالياً بالدولار على الأقل 3 آلاف دولار، لتحضر به إلى مصر فليس من المعقول أن مريضة تأتى إلى مصر لإجراء عملية وليس معها ثمن العملية وتكاليف المستشفى.