رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مصر.. جمهورية المليون «توك توك»

بوابة الوفد الإلكترونية

يعتبره الكثيرون آفة غزت مجتمعنا المصرى، ويعتبره آخرون وسيلة تحمى أقدامهم من السير فى طرق متعرجة غير ممهدة، وتساعدهم فى نقل بضائعهم التى يعجزون عن حملها، وفئة أخرى تجد فيه مصدرًا للرزق فى ظل عدم قدرة الحكومة على توفير فرص عمل لملايين الشباب الذين يدفعهم «يأس الحاجة» للتسول أو الإجرام.

قد يتأذى منه المواطنون الذين يجدونه أكثر عدداً من المترجلين، وتشتكى الحكومة من سائقيه الذين يخالفون دائماً التعليمات ويثيرون الفوضى، ويتضرر سائقوه من الملاحقات الأمنية لهم، وسرقته وقطع مصدر رزقهم.

«الوفد» تتعرض لجميع القضايا الخاصة بـ«التوك توك»، فى محاولة للوصول لحلول تحفظ لأكثر من مليون بيت فى مصر أرزاقهم، وتضمن للدولة حقها فى فرض نظام يسير عليه الجميع.

بداية نشير إلى أن «التوك توك» ظهر فى الهند فى أوائل الستينيات ثم ظهر فى البلاد النامية ذات الكثافة السكانية العالية، وذلك لانخفاض تكلفته وقدرته على السير داخل القرى المتزاحمة ليخترق دروبها الضيقة وحوارى المناطق العشوائية فربما نجح «التوك توك» فيما فشلت فيه الحكومات المصرية المتعاقبة، فبالرغم من فشلهم فى حل أزمة البطالة على مدار سنوات متعاقبة، إلا أن هذه الوسيلة نجحت فى الانتشار فى كافة المحافظات خلال سنوات قليلة‏. ‏

وتفيد بعض التقارير عن الأرقام غير الرسمية إلى وجود نحو مليون «توك توك» فى مصر. وقد أشارت شعبة مستوردى الدراجات والتروسيكلات بالغرفة التجارية بالقاهرة فى عام 2013 إلى أن مصر تستورد سنوياً نحو 50 ألف توك توك بسبب زيادة الطلب عليه فى المناطق الشعبية والشوارع الضيقة والقرى والنجوع حيث يخدم التوك توك أكثر من 20 مليون مواطن وقد وصل حجم المعاملات التجارية فى هذا النشاط نحو 3 مليارات جنيه.

وأصبح الشائع رؤية عدد كبير من «التوك توك» ينطلق فى أنحاء المدن بدون لوحات رقمية أو ترخيص حيث شجع عدم وجود لوحات رقمية للتوك توك على استخدامه فى جرائم السرقة بالإكراه والاختطاف والاغتصاب وتشجيع الكثير من الخارجين عن القانون لاستخدام التوك توك بدلاً من الدراجة النارية، وذلك لعدم وجود لوحات رقمية به تساعد على التعرف على ماهية السائق وعدم تسهيل مهمة الشرطة فى القبض على المسجلين خطر عند المطاردة حيث إن التوك توك يستطيع أن يقتحم أماكن لا تستطيع سيارات الشرطة الدخول إليها والسير فيها، فإنه يستطيع أن يمشى على الرصيف وفى الاتجاه المعاكس.

وفى منطقة «ناهيا» كان لنا لقاء مع بعض سائقى «التوك توك» لننقل لكم كل الظروف التى تحيط بهم، ولماذا ترك البعض منهم الحرف التى كانوا يمارسونها من أجل «سواقة التوك توك».

علاء سيد لم يستكمل تعليمه يقول: «إن أزمة البطالة التى تزامنت مع استيراد التوك توك، كانت من أهم الأسباب التى جعلت الشباب يتجهون إلى العمل كسائق للتوك توك».. مضيفاً: على سبيل المثال أنا عملت فى مهنة «السمكرة» لكن للأسف دخلى من هذه المهنة كان لا يكفينى بمفردى ولو كنت استمريت فى هذه المهنة كان ممكن أن أتزوج وأنا كهل فعملت على توك توك واستطعت من مكسبه أن أتزوج، حيث أعمل على ورديتين ومكسب 5 ساعات 150 جنيهاً فى الوردية الواحدة فقط. ويؤكد «علاء» أن سائقى التوك توك الصغار فى السن هم الذين يسببون المشكلات ويخالفون دائماً قانون المرور.

وعندما طال الحديث بيننا كشف لى «علاء» عن أشياء عديدة ربما لم تكن واضحة، وهى أن كثيراً من سائقى التوك توك يحملون مؤهلات جامعية، ولكن «علاء» تحدث عن أن التوك توك أصبح خطراً على المهنيين والصناع حيث تعانى بعض المصانع من نقص الأيدى العاملة نتيجة للتمرد على يومية العامل فى المصنع التى لا تساوى حتى نصف يومية التوك توك.

وأصبح «التوك توك» شريكاً فى جريمة تجريف الحرف الفنية والصناعية. بالإضافة إلى أنه أصبح «ديلفرى» لنقل المخدرات من تاجر الجملة إلى القطاعى والصغار وتجدهم يقومون بذلك فى عز الظهر أمام مسجد «السنية»، وأصبحت الدولة وسياسات الحكومات المتعاقبة شريكة فيما يحدث فإذا كانت كثير من الدول ومنها مصر تعتبر التوك توك مركبة غير مطابقة للمواصفات الأمنية وذلك لعدم اتزانه وعدم صلابة هيكله الخارجي، وعدم وجود أبواب أو أحزمة أمان مما يعرض الركاب للخطر فى حالة الحوادث.

ويضيف علاء: لقد تسبب التوك توك أيضاً فى أزمة التاكسيات حيث خطف التوك توك كما يقولون الضوء منه فأصبح أولياء أمور طلبة المدارس يستخدمون «التوك توك» بديلاً عن الباص والتاكسى لذهاب أطفالهم إلى المدرسة، وذلك لسرعته وتجنبه لأزمة المرور التى لا يستطيع أن يتفادها سائق التاكسى، مما يؤخر الطلبة عن المدرسة. بالإضافة إلى ظاهرة عدم المشى، فأصبح الصغار والكبار يستسهلون التوك توك حتى لو كان الطريق لا يتعدى أمتاراً واختفت رياضة المشى وأصبح التوك توك غير مقصور على الشباب لحل أزمة البطالة فقط بل اتسع النطاق حتى لميسورى الحال لزيادة دخلهم أكثر كمشروع للاستثمار، حتى النساء دخلت عالم التوك توك فى إمبابة.

وقبل أن أنهى حديثى مع «علاء» سألته لو طلب منك أن تختار بين وظيفة أقل دخلاً أو أن تظل سائقا للتوك توك بهذا الدخل الخرافى فماذا تختار؟

لم يفكر «علاء» طويلاً، وكأنه يفكر فيما حدث له من خوف وترهيب أثناء عمله على التوك توك، كان الرد سريعاً: أعمل بالوظيفة لأنى فى كل يوم أنا معرض للخطر رغم هذا الدخل.. فالوظيفة أفضل لأنه لو حصل لى أى شىء أولادى سيكون لهم معاش.. هنا أيقنت أن الأمان للمصرى

أهم بكثير من المال، وأن ثقافة «إن فاتك الميرى اتمرمغ فى ترابه» مازالت قائمة حيث ترفض كثير من الأنظمة المرورية صرف لوحات ترخيص للتوك توك لإعتقادها فى عدم صلاحيته للسير فى طرق المدينة، بالرغم من ذلك لم يمتنع الكثير من السائقين عن قيادته وحتى الأطفال.

السائق الصغير

وقد لفت نظرى سائق آخر للتوك توك وهو عاطف وليد، ويبلغ من العمر 15 عاماً، تحمل مسئولية أسرته وهو طفل صغير، كان لابد أن يعمل حتى يستطيع الإنفاق على أسرته وقد بدأ يعمل كسائق للتوك توك منذ 3 سنوات حيث لديه 3 أخوات بنات.. «عاطف» هو رجل البيت وأهم شىء بالنسبة له - على حد قوله- أن أخواته لا يلجأن إلى أحد.

آخر بهدلة

أيمن محمد، سائق توك توك، وكان يعمل ميكانيكياً فى الماضى ثم أصبح التوك توك هو كل حياته ويقول: لو تمت مصادرة التوك توك فى حملة مرور أو مرافق، وهو بدون ترخيص، لن ينالنى سوى البهدلة، وإنفاق 4 آلاف جنيه من أجل استعادته مرة أخرى، هذا بجانب «العطلة»، إجراءات استرجاع التوك توك قد تصل لـ10 أيام، والسائق يلف «كعب داير» بين إدارات المرور، ولابد فى النهاية من ترخيصه.

ويضيف قائلاً: «يعنى لو كان تم ترخيصه من البداية كنت ارتحت». لافتاً إلى أن «التوك توك ممنوع من السير فى الشوارع الرئيسية مثل شارع السودان».

ويرى «أيمن» أنها مشكلة كبيرة تواجهه، مؤكداً أن غرامة سير «التوك توك» فى الشوارع الرئيسية، فى حال إن كان مرخصًا، تصل لـ40 جنيهًا، وتكون فورية، أما لو غير مرخَّص فالأمر مختلف، وتتم مصادرته.

رشوة مقنعة

نفس المشكلة يعانى منها سمير صبرى، وهو كان يعمل سباكا ثم ترك المهنة من أجل «التوك توك» منذ 3 سنوات، وهو متزوج ولديه طفلان.. ويقول بانفعال شديد: «أنا كل أوراقى سليمة لكننى اضطررت إلى دفع 80 جنيها لأحد رجال الشرطة وأخذت منه إيصالاً بـ40 جنيهاً فقط دون سبب.. وتتكرر تلك المسألة باستمرار ألا يكفى ما نعانيه من سائقى الميكروباص ومحاولاتهم المستميتة فى خطف الزبائن منا»؟!

وقبل أن ننهى رحلتنا التقينا بالسائق «حذيفة» وهو اسم الشهرة الذى قاله لنا ويبلغ من العمر 22 عاماً خريج كلية الزراعة، ويعمل كسائق «توك توك» منذ أكثر من 4 سنوات، وهو ينفق على نفسه وأسرته ويطالب المسئولين بترك مكاتبهم الفاخرة والنزول إلى الشارع حتى يروا أن هناك الكثير من سائقى التوك توك متعلمون وليس كلهم بلطجية بل كل ما نريده «هو أن نأكل من عرق جبيننا».. لكن يتعامل معنا رجال المرور بطريقة قاسية ويفرض علينا البعض منهم إتاوة وإذا لم ندفعها قد تتم مصادرة التوك توك.. ويكشف لنا «حذيفة» أن هناك بعض «التكاتك» المسروقة التى يتراوح سعرها من 10 إلى 12 ألف جنيه بينما سعرها الحقيقى هو 29 ألف جنيه.

رأى الأمن

كشف لنا مصدر أمنى بوزارة الداخلية أنه يتم الترخيص للتوك توك وفق شروط كل محافظة، وهناك بعض المحافظات التى تعطى أرقاماً مؤقتة ومحافظات أخرى تقوم بطرح أرقام، ويتم عمل قرعة عليها لكن هناك بالطبع بعض «التكاتك» غير المرخصة علما أنه يتم التعامل مع «التكاتك» كمركبة أجرة وهى تتطلب اشتراطات أمن من أجل الحصول على تصريح مثل باب وحزام أمان ولكن لا يتم للأسف الالتزام بها.. مما يعنى أن معظم تلك «التكاتك» غير مرخصة.

وفى النهاية نحن نهيب بالمسئولين أن يعيدوا النظر فى الأيدى العاملة الفنية والاهتمام بها وتقديرها مادياً حتى لا نفقد هذه الأيدى التى تحتاجها الدولة بشدة فى النهوض بمصر وحتى لا يكون التوك توك هو فأس تجريف الصناعة المصرية.