رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

دموع الأفعى

بوابة الوفد الإلكترونية

«لم أعد أقوى على العيش مع حماتى الظالمة، قررت أن أرحل عن العالم، وأعلم أن قتل النفس حرام، لكن أى عذاب لن يكون كالعذاب النفسى والمعنوى الذى أتعرض له منذ عامين.. منذ أن حكم على القدر أن أعيش مع زوجى، ابنها الذى لا يرفع عنى ظلمها، ولا يربت على ظهرى حين يرانى باكية.

لا تغضبوا منى، اخترت مصيرى فى هدوء، وبمحض إرادتى، ولا تفتشوا عن التفاصيل، انتهى الأمر.. وداعًا.

حدق «تامر» فى تلك الورقة بين يديه فى ذهول وأعاد قراءتها للمرة الثانية فى غير تصديق، ثم لم يلبث أن انتفض مسرعاً نحو جسد «هدى» الممدد على الأرض وقد تصلبت ملامحها وتجعد جلد بشرتها على نحو مخيف، فراح يربت على وجنتيها بعنف محاولاً إفاقتها ولما لم تستجب صرخ بصوت مرتعد:

_ ماما.. ماما.. أين أنت؟

لم تمض دقيقتان حتى اقتحمت الغرفة امرأة فى العقد الخامس يغلب على ملامحها الحدة والجدية، هرعت نحو ابنها ونظرت إلى جسد «هدى» هاتفة:

_ ماذا حدث؟ هل ضربتها؟

أسرع يقول نافياً:

_ لا لم أفعل...

ثم توقفت الكلمات فى حلقه وازداد توتره ولم يستطع إكمال حديثه، فلمحت أمه تلك الورقة بين أصابعه، ودون حتى أن تسأله أسرعت بانتزاعها منه بعنف والتهمت عيناها حروف كلماتها بسرعة ثم امتقع وجهها بشدة وأسرعت تمزقها إرباً وتلقى بها فى سلة للمهملات، ثم أزاحت ذراع «هدى» المفرودة بجانبها.. أزاحته بقدمها بقسوة فانزلقت من بين أصابعها زجاجة صغيرة التقطتها هى وتفحصتها جيداً ثم نظرت إلى جسد «هدى» قائلة بازدراء:

_ سم فئران؟!

ثم إنها انحنت على الجسد وقلبته جيداً قبل أن يهتف ابنها بلهفة:

_ أما زالت حية؟

هزت رأسها نافية وقالت:

_ بل ماتت..

قابلت شهقة ابنها الملتاعة بنظرة حادة جعلته يبتلع ما بقى منها، وأشارت إليه قائلة بلهجة آمرة:

_ هيا اتصل بدكتور «حازم» ابن خالتك.

نظر إليها بدهشة سائلاً:

_ وما الداعى له.. ألم تقولى إنها ماتت؟

قلبت شفتيها فى اشمئزاز وصاحت:

_ أيها الغبى... إذا عرف أهلها أنها ماتت منتحرة فسنتعرض للمساءلة وحتى يثبت انتحارها سنكون أول المتهمين.. لكن ابن خالتك سوف يساعدنا فى كتابة تقرير وفاة طبيعة فنكون قد جنبنا أنفسنا كل ذلك.

هز رأسه متفهما فاستطردت هى مهددة:

_ وإياك أن يعرف أحد بفحوى تلك الرسالة التى مزقتها.. أفهمت؟

أسرع يهتف:

_ حاضر.. حاضر

* * *

أمسك بذراعها فى لهفة فرحة بينما كانت تخطو عتبة شقتها وقد انطلقت الزغاريد والضحكات تزفها بصحبة عريسها إلى عشهما.

حاولت أن تخفى فرحتها بين حمرة خجلها بينما أسرع هو يغلق باب شقته مودعاً أقاربه، فإذا بأحدهم يدفع الباب بعنف قبل أن يتم غلقه، فنظر إلى أمه بدهشة وقد أسرعت تزيحه فى هدوء حازم دالفة إلى الشقة وهى تصيح:

_ لماذا تتسرعان غلق الباب؟

ارتبك ابنها بينما ازدادت «هدى» خجلاً وأطرقت فى حرج، ثم نظرت أمه نحوه بدهشة مصطنعة وهو يقف لدى الباب متسمراً وقالت:

_ لماذا تقف هكذا يا «تامر» هيا اغلق الباب وتعال.

قالتها وجلست بجوار العروس مستطردة:

_ أتريدان أن تتركانى أبيت تلك الليلة وحدى؟

نظر إليها ابنها فى استنكار بينما قطبت «هدى» حاجبيها فى دهشة، وازدرد «تامر» لعابه وتنحنح فى حرج قائلاً ببطء:

_ ماذا تقصدين يا ماما... أنا لا أفهم!

ابتسمت بسخرية وقالت:

_ أقصد أننى سوف أقضى الليلة معكما ...

_ أنت تمزحين بالتأكيد.

قالها ابنها ذاهلاً، فاتسعت ابتسامتها الساخرة وقالت بحدة:

_ بل أتكلم بجدية...

ثم نظرت إلى العروس التى أصابتها صدمة عقدت لسانها، هاتفة:

_ وأنت هيا اذهبى وغيرى ملابسك تلك.. ولتجهزى «السفرة» حتى نتناول عشاءنا!

* * *

أسرعت تلقى على جسدها ما يصل إلى يديها من الملابس وقد انتابها خجل ممزوج بالغضب، بينما لف زوجها جسده بملاءة السرير وهو يهتف:

_ ماذا حدث يا أمى حتى تقتحمى علينا الغرفة هكذا؟

لوت عنقها باعتراض وصاحت:

_ أقتحم؟

قال فى ارتباك:

_ عفواً يا أمى...

قاطعته قائلة:

_ إذن هيا تعال معى حيث شقتى فإنى أريد ان آخذ رأيك فى أمر هام.

انتفض واقفاً، وتناول ملابسه قائلاً:

_ حاضر.... سوف أرتدى ملابسى فى الحمام وآتى معك.

اتسعت عينا «هدى» وهى لا تصدق ما يحدث، ثم تذكرت أمراً فنظرت إلى حماتها متسائلة:

_ هل كان باب الشقة مفتوحاً؟

أطلقت المرأة ضحكة مستهزئة وطوحت بمفتاح تمسك به قائلة وهى تنظر إلى عينيها فى تحد سافر وقالت:

_ لقد فتحته بالمفتاح... إننى أحتفظ بنسخة من مفتاح الشقة..

ثم أردفت وسط غيظ «هدى»:

_ إنه بيتى أنا... ومن حقى أن أدخل أى غرفة به فى أى وقت.

وعادت لتضحك بسخرية.

* *

_ لماذا تتعاملين معى هكذا.. ماذا فعلت لك كى أستحق منك كل

هذا؟

صاحت بها «هدى» من بين دموعها، فصاحت حماتها:

_ أترفعين صوتك على أيتها الحقيرة؟

ثم هوت بكفها تصفع وجه «هدى» بعنف فأطلقت الأخيرة على أثرها صرخة مدوية وانهار جسدها على أقرب مقعد وراحت تنتحب.

أسرعت حماتها تعاجلها بجذبة عنيفة لشعرها جعلتها تسقط أرضاً وتطلق شهقات متقطعة من الألم، بينما حماتها تهتف:

_ مرة أخرى عندما أطلب منك تنظيف شقتى تسرعى بتنظيفها حتى لو كنت تموتين تعباً.. أفهمت؟

لم تكد تنتهى من عبارتها حتى فتح باب الشقة فأسرعت المرأة تفلت شعر «هدى» وهرعا نحو ابنها هاتفة:

_ «تامر».. أترى ما فعلت زوجتك معى.. لقد رفعت صوتها على وسبتنى.. لقد أهانت أمك يا «تامر».

رفع حاجبيه فى دهشة فصاحت «هدى» وهى تقاوم ألمها:

_ لم أفعل.. بل هى التى صفعتنى و...

قاطعتها أمه بحدة:

_ كاذبة.

تملكت «هدى» دموعها وقالت وهى تنتحب:

_ ألا ترانى ساقطة على الأرض.. لقد كانت تجذبنى من شعرى وتركلنى...

عادت لتقاطعها:

_ كاذبة... بل أنت من جلس هكذا على الأرض لتجيدى تلك التمثيلية وتخدعى ابنى.

ثم نظرت إلى ابنها بحسم، فبدأ مضطرباً ثم حسم أمره وأسرع نحو زوجته صارخاً:

_ بل أنت الكاذبة... إن أمى لا تكذب أبداً.

ثم أمسك بشعرها بقسوة قائلاً:

_ كيف تشتمين أمى وترفعين صوتك عليها.

ولم يمهلها لحظة، فقد راح يكيل لها اللكمات والركلات، بينما ابتسمت أمه فى خبث وغادرت المكان فى هدوء ورضا تاركة وراءها ناراً تستعر.

* * *

_ لماذا تزوجته يا ابنتى؟

قالتها جارتها تلك العجوز فى إشفاق واضح وهى تضمد جراح وجهها وذراعها، فأجفلت «هدى» وقالت بأسى:

_ لم تكن أعلم ما يخبئه لى القدر.. لقد كان هو وأنا يظهران لى الود والحب طوال فترة الخطورة وظننت أن الله يعوضنى عن أمى التى ماتت وأنا صغيرة وعن ذلك العذاب الذى لقيته على يدى زوجة أبى.. لكنها كانت مصدراً لعذاب أشد.. وما يصيبنى بالأسى أن ابنها لا يمنح نفسه فرصة التفكير فيما تفعل ودائماً يدافع عنها حتى صارت تهيننى أمامه دون اعتبار له وهو لا يبدى أى رد فعل بل إنه يزداد قسوة على و.....

لم تكمل فقد غلبتها دموعها وهى تذكر ما ذاقت وتذوق من عذاب، فربتت العجوز على كتفها فى حنان وقالت:

_ هونى عليك يا ابنتى فأنت لست الضحية الوحيدة لتلك الأفعى.

نزعتها عبارتها من دموعها فأسرعت تسألها:

_ ماذا تقصدين؟

زفرت العجوز بحزن وأجابت:

_ تلك الفتاة التى كان زوجك قد تزوجها قبلك.. قد لاقت على يديها أشد العذاب حتى لقد تسببت لها فى الإجهاض مرتين وانتهى الأمر بتلك الفتاة إلى العلاج فى مصحة نفسية بعد أن كاد عقلها يذهب مما تفعله بها حماتك.

ثم أطرقت فى تردد وكأنها تنوى أن تضيف شيئاً، فاستحثتها «هدى» بلهفة بائسة:

_ وماذا أيضاً.. قولى.

بدا على العجوز حزن شديد وكأنها تسترجع ذكرى مؤلمة وقالت:

_ لقد كان زوجها رجلاً طيباً، لم يتحمل قسوتها وشرها ف....

صمتت قليلاً ثم أردفت:

_ انتحر.

انتفضت «هدى» من هول الصدمة ثم لم تلبث أن التمعت عيناها وكأنما استقرت على أمر.

* * *