الحوالات الصفراء ونهاية شبه سوداء
كيان وكرامة المواطن المصرى التى اهدرها النظام السابق بكل الطرق ، وبكل ما اوتى من سلطة ونفوذ ، لم يكن قاصرا على اذلال المصرى على ارض الوطن بل امتدت دلالاته وعوامله لتنال من كرامة وحقوق المصرى خارج الحدود ،
فلا كرامة فى الغربة لمن فقد فى وطنه كرامته ، وحاول كل مصرى على مدى العقود الثلاثة التى جثم فيها نظام مبارك على صدورنا ، حاول ان يثبت شخصيته ويتمسك بحقوقه فى الخارج عربيا واوروبيا ، بجهود ذاتية لا يساعده فيها سفارة ولا خارجية ، ولا اى سند قانونى من وطنه ، فقد كان سدنة النظام السابق مشغولين بانفسهم فقط ، وبملء خزائنهم كل فى مجاله بغض النظر عن المواطن المصرى فى الداخل والخارج .
وكانت قضية الحوالات الصفراء التى ترجع لعشرين عاماً مضت ، احد افرازات سياسة التجاهل لحقوق المصريين فى النظام السابق ، فقد عاد عشرات الالاف من المصريين العاملين فى العراق على اثر الاجتياح العراقى للكويت ، ومن ثم الحرب الامريكية على العراق ، عادوا صفر اليدين ، تاركين شقاء العمر وتعب الغربة من ايداعات ومدخرات بالبنوك العراقية ، وبايديهم مجرد ورقة صفراء تثبت هذه الحقوق وهى الحوالة الصفراء .
وعلى مدى 20 عاماً مضت ، مرت العراق بمتغيرات سياسية واقتصادية ، ومراحل هدوء وتوتر ثم هدوء، وما بين هذا وذاك ، لم تسع حكومات مبارك المتتالية بصورة جادة لاسترجاع اموال المصريين من البنوك العراقية ، باستثناء بعض الارهاصات التى كانت سرعان ما تنزوى ، وذلك رغم ملايين الدولارات التى تنهبها امريكا من العراق ، ورغم ملايين المساعدات الدولية التى تذهب للعراق ، ورغم القدرات الحقيقية للبنوك العراقية فى رد اموال المصريين فى اى وقت ، حيث لا تمثل اموال المصريين اجمالا مبالغ تذكر بالنسبة لهذه البنوك ، ولكن هيهات ان يعود حق وليس وراءه من يطالب به.
عاد المصريون منذ 20 عاماً انقضت الان ، مات منهم من مات بحسرته ، وبقى من بقى بصدمته ولوعته على ماله الذى لا يطوله فى البنوك العراقية ، اكثر من 408 ملايين دولار هى مستحقات لقرابة 750 الف مصرى ، بجانب الديون الخاصة بالشركات المدنية والعسكرية ، والتى تصل باجمالى المبالغ المصرية المستحقة لدى العراق لاكثر من 1٫7 مليار دولار ، اى ما يزيد علي 10 مليارات جنيه.
وكان مطلب استرداد حقوق واموال المصريين فى العراق ،
ان استرداد اموال الحوالات الصفراء الى مستحقيها دون اى فوائد او ارباح ، انما بمثابة نهاية شبه سوداء ، واسوأ ما يحدث هو تمسك الجانب العراقى بالاحتفاظ بما ليس هو حقه برفض دفع اى فوائد ، وتغاضى الحكومة وعدم تمسكها بهذه الفوائد والارباح ، وكأن هذه الاموال كانت مجمدة لا يد تمسها ولا استثمار يضخمها .
واذا كانت حكومة شرف تحاول ان ترقع الرتق والخروق التى تركها مبارك وزبانيته على مدى العقود الثلاثة الماضية ، اؤكد ان الترقيع غير كاف ، فعلى الحكومة التمسك بحقوق المصريين كاملة ، واسترداد كل المبالغ بالفوائد عليها ، انه حق قانونى لا يجب التنازل عنه ، أنصاف الحلول لم تعد تكفي فى زمن الثورة وتصحيح الاوضاع الفاسدة التى قبلها المصريون عقودا ، يجب خوض جولات اخرى من المفاوضات المصرية مع العراق فى هذا الشأن ، كفانا ضياع حقوقنا فى الداخل ، وما كان ينقصنا ان تضيع حقوقنا على ايدى الاشقاء العرب .
.