أبو الحجاج الأقصرى
هو السيد يوسف بن عبد الرحيم بن يوسف بن عيسى الزاهد، الشريف الحسينى، ينتهى نسبه إلى الإمام الحسين سبط النبى صلى الله عليه وسلم ، وكنيته أبو الحجاج،
والأقصرى نسبة إلى الأقصر بصعيد مصر التى استقر بها بعد قدومه من بغداد التى وُلد ونشأ بها. ترجم له أحد أحفاده وهو الأستاذ محمد عبده الحجاجى ترجمة ضافية فى مؤلفه القيم: "شخصيات صوفية فى صعيد مصر فى العصر الإسلامى"، حيث أتاح له عمله فى المكتبات الجامعية والعامة الاطلاع على كثير من المراجع والمخطوطات مما لم تتوفر لكثيرين غيره، هذا بالإضافة إلى ما حباه الله من دأب على العلم وعشق للبحث والتنقيب عن أخبار الصالحين.. فكان هذا الكتاب مرجعًا لا غنى عنه لكل باحث فى تراث الصعيد الروحى فى العصر الإسلامى. "نشأ أبو الحجاج وتربى بين أحضان أسرة على قدر كبير من الزهد والورع والتقوى، فحفظ القرآن الكريم فى سن مبكرة، ونال قسطًا وافرًا من الثقافة الدينية تحت رعاية والده السيد عبد الرحيم، الذى كان – بجانب ورعه وخشوعه لله تعالى – يشغل منصبًا رئاسيًا فى الدولة فى عصره، ولم يلبث هذا الوالد أن توفى وأبو الحجاج لم يزل شابا حدثا، ولم يترك له من الدنيا شيئا، فامتهن صناعة غزل الصوف وحياكته، وكان له حانوت مشهور فى بغداد". روى الإمام شهاب الدين السهروردى (صاحب كتاب "عوارف المعارف") أن قاتلاً قتل رجلاً ودخل على أبى الحجاج (فى حانوته) هاربا، وكان لحانوته بابان، فقال: أجرنى. فقال له: انزل الجوزة (كلمة فارسية معناها حفرة النول) بين فخذىّ. ثم دخل أناس عليه وقالوا له: أين الرجل الذى دخل عليك؟ فقال أبو الحجاج: فى الجوزة بين فخذىّ. فقالوا: أتهزأ بنا؟ وانصرفوا. فقال الرجل لأبى الحجاج: أتيتك لتجيرنى فدللت علىّ. فقال له أبو الحجاج: لو كذبت لوجدوك فقتلوك، ولكن الله نجاك بصدقى. هذه الحرفة التى احترفها الشيخ درّت عليه رزقًا وفيرًا، سمح له بأن يتزوج وينجب أولاده وهو صغير فى السّن، وكان – إلى جانب عمله- "يتردد على حلقات الوعظ والدرس التى كانت تشتهر بها بغداد آنذاك، والتى كان يعقدها فحول الأئمة الواعظون وأقطاب التصوف. وعاصر وزامل الإمام شهاب الدين السهروردى صاحب عوارف المعارف، ونهلا سويًا فى علوم الحقيقة والشريعة على يد الشيخ القدوة أبى النجيب السهروردى (الفقيه الصوفى الواعظ) الذى كان يتمتع – فى ذلك الوقت – بشهرة واسعة النطاق فى مختلف أنحاء العراق" . فى المدرسة النظامية ببغداد، التى ذاع صيتها فى العالم الإسلامى آنذاك – درس الشيخ وتفقه على مذهب الإمام الشافعى، "وأظهر جدًا بالغًا فى الدرس والتحصيل، فقرأ الحديث والكثير من المؤلفات فى علمى الحقيقة والشريعة ككتاب "قوت القلوب" لأبى طالب المكى، و"الرسالة القشيرية" للإمام القشيرى، ومؤلفات الإمام أبى حامد الغزالى التى من أشهرها "إحياء علوم الدين" وكتاب "الغنية لطالبى طريق الحق عز وجل" للقطب عبد القادر الجيلانى، و"آداب المريد" لأبى النجيب السهروردى.. وقرأ أيضا الأدب بمختلف فنونه، وكان ذواقة للشعر" ونظم فى الشعر عدة منظومات. بعد أن حصَّل الشيخ أبو الحجاج قدرًا كبيرًا من العلوم اشتغل بالوعظ والتذكير ببغداد، خاصة وأن الله قد وهبه حُسن الإلقاء وملكة التأثير فى الناس. وأقبلت على دروسه جماهير غفيرة وكثر أتباعه ومحبوه. ثم خرج إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، ولكنه عندما عاد إلى بغداد وجد أحوالها قد تغيرت، والمعيشة بها قد ساءت.. يصف ذلك الأستاذ محمد عبده الحجاجى فيقول: "تغير وجه الحياة فى بغداد زمن الخليفة العباسى الناصر لدين الله الذى ولى العراق فى الفترة 575- 622هـ (1179- 1235م) والذى تعرضت البلاد خلال حكمه للعديد من القلاقل والفتن، حيث كان هذا الخليفة يتشيع ويميل إلى مذهب الإمامية على عكس آبائه وأجداده، كما يروى ذلك ابن أنجب الساعى فى مختصر تاريخ الخلفاء. فى عهد هذا الخليفة اشتد ساعد مجد الدين بن الصاحب أستاذ الدار ورئيس الديوان، وعظم نفوذه عندما ولى هذا المنصب حتى صار المتحكم فى الدولة وليس للخليفة معه حكم". "وكان ابن الصاحب هذا شيعيا متطرفا، يبغض أهل السنة كأبعد ما تكون حدود البغض، فكثرت من ثم الفتن والاضطرابات بين المسلمين، ونكّل الشيعة بأهل السنة وجرحوا علماءهم، معتمدين على سياسة الحكم القائم فى البلاد، فوقعت على أثر ذلك العديد من الحوادث وأريقت دماء". يصف سبط ابن الجوزى