تأملات في سورة القلم
تتمحور سورة القلم حول ثلاثة مواضيع، موضوع رسالة النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- وما أثاره كفّار مكّة من الشّبهات حول دعوته، وقصّة أصحاب البستان وما أنزله الله بهم نتيجة كفرهم، وأهوال الآخرة وشدائدها، وما أعدّه الله للفريقين، ولكنّ المحور الرئيسيّ للسّورة هو إثبات رسالة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- وللوقوف على تأملات في سورة القلم، فقد تمّ اختيار هذه الآية من سورة القلم، قال الله تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}.
وقال في سورة الطور: {وَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ}،فمن الملاحظ أنّ الله تعالى زاد في الآية التي من سورة الطّور على الآية التي من سورة القلم بـ "بكاهن" فما هو السّبب؟ فقد وجد أكثر من سبب لذلك، ومن هذه الأسباب:
إن الله تعالى قد فصّل في سورة الطّور بذكر ما قاله المشركون في النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه كاهن ومجنون وشاعر، قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}، كما أنّهم قالوا عنه بأنّه كاذب، لقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ}.
بينما لم يذكر سوى قولهم إنّه مجنون في سورة القلم، {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}، فكان ذلك مناسبًا لذكر هذه الزيادة في سورة الطور. وكذلك ذكر الاستماع في سورة الطّور في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}.
والاستماع من ادّعاءات الكهنة لمن يتبعهم من الجنِّ، فكان ذلك مناسبًا لذكر الكهنة