رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

» د. محمد السعيد إدريس يكتب : الحل السياسي في ليبيا وخط «داعش

د . محمد السعيد إدريس
د . محمد السعيد إدريس

تواجه ليبيا سباقاً بين مسعيين، أولهما، مسعى التسوية السياسية للأزمة الوطنية المثارة بين كافة أطراف الصراع الليبي الداخلي وامتداداتها العربية والإقليمية والدولية، ومسعى سيطرة «داعش» على أهم مناطق تصدير النفط الليبي كضرورة ملحّة وعاجلة لمواجهة التحديات الجديدة التي تواجه التنظيم في العراق وسوريا والتي أخذت تضيق الخناق على مصادر التمويل، ناهيك عن احتمال أن تكون ليبيا حاضنة بديلة للتنظيم الإرهابي في حالة انكساره المتوقع أمام التطورات العسكرية المتصاعدة بعد دخول أطراف جديدة في الصراع أبرزها روسيا ومن بعدها فرنسا ثم بريطانيا، إضافة إلى دعوة الأمريكيين لضرورة دخول قوات برية للقتال ضد «داعش» للقضاء عليه.

مسعى التسوية السياسية يشهد هو الآخر سباقاً بين حرص الأطراف الداخلية على التوصل إلى حل داخلي من دون تدخل أي أطراف خارجية، وبين اهتمام إيطاليا، على وجه الخصوص من بين كل الأطراف الدولية، بضرورة الإسراع في إنجاز حل سياسي بات ضرورياً لتأمين ليبيا أمام طموحات «داعش» الذي تلحظ إيطاليا تطلعه للدفع بعناصره إليها هروباً من جحيم الصراع في العراق وسوريا وانسداد منافذ دخول مقاتلين جدد إلى الداخل العراقي والسوري بعد إغلاق الحدود بين تركيا وسوريا بضغوط روسية وأمريكية.
ففي الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني في كلمته أمام مجلس الشيوخ الإيطالي مساء الأربعاء (2-12-2015) أن بلاده «تعكف على جمع المجتمع الدولي في العاصمة روما لبحث الأزمة الليبية يوم الأحد 13-12-2015 بهدف التعجيل بتسوية سياسية بين الفصائل المتنافسة في ليبيا» كانت الأطراف الليبية المتنافسة خاصة ممثلي البرلمانيين المتنازعين( المؤتمر الوطني الليبي العام «طرابلس» والبرلمان الليبي المنحل «طبرق») مجتمعة في تونس للتوصل إلى حل فيما بينها ينهي الصراع ويقود البلاد نحو الاستقرار.
وزير الخارجية الإيطالي وهو يعلن عن الاستعدادات التي تقوم بها بلاده لاستضافة وفدي الحكومتين الليبيتين وأطراف دولية وإقليمية في روما غداً (الأحد) أوضح أن الاجتماع المزمع حدوثه يهدف إلى التوصل إلى اتفاق سريع من أجل قتال تنظيم داعش، وأوضح أهمية عامل الزمن لإنجاز هذا الحل ومدى حيويته بقوله «ليس أمامنا الكثير من الوقت، ولا نريد أن نمنح التنظيم وقتاً». وكان كل من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الوزراء الإيطالي مايتو رينتسي أكدا في باريس الأسبوع قبل الماضي ضرورة تكثيف الجهود الدولية لمنع تنظيم «داعش» من تحقيق المزيد من المكاسب الميدانية في ليبيا».
هذا الإدراك الفرنسي - الإيطالي لخطورة الأوضاع في ليبيا توافق أيضاً مع مواقف لدول الجوار الليبي في اجتماع عقد في الجزائر (1-12-2015) ضم وفوداً من مصر وتونس والسودان والنيجر وتشاد بحضور الأمم المتحدة. وأكد الاجتماع على أهمية التوصل إلى حل سياسي في ليبيا ودعمها لخيار تشكيل حكومة وحدة وطنية سريعاً. هذه الرؤية تنطلق من إدراك لحقيقة أن غياب الحل السياسي للأزمة الليبية يصب في مصلحة الإرهاب بمختلف شبكاته.
كل هذا الإدراك يأتي من منطلق الوعي بخطورة التطورات الميدانية التي تحدث على الأرض الليبية من جانب تنظيم «داعش» في ظل زيادة تعقد الأوضاع العسكرية أمام التنظيم في العراق وسوريا، وفي ظل خسارة التنظيم لمصادر تمويله، أو أهمها بعد خسارته كركوك وبيجي في العراق، وخسائره في سوريا بسبب كثافة الضربات الروسية والدولية، الأمر الذي دفعه لنقل مركز الثقل إلى ليبيا ومحاولة السيطرة على النفط الليبي ومصادر تصديره للخارج في ظل طموح لتوسيع مناطق السيطرة من قاعدته الأساسية في مدينة «سرت» التي تقع في منتصف الساحل الليبي تقريباً، بالتمدد شرقاً نحو مدينة «أجدابيا» التي تبعد 250 كم شرقي سرت والواقعة ضمن «الهلال النفطي» الليبي بعد نجاحه في توسيع حدود إمارته نحو مدينة النوفلية شرقي سرت.
هذا التوسع يجيء كثمرة لجهود كبيرة بذلتها قيادة «داعش» المركزية التي استثمرت في ليبيا منذ وقت طويل، وبات المقاتلون الأجانب يتدفقون على سرت بدلاً من سوريا، وتحول معقل التنظيم في ليبيا إلى مركز للاستقطاب الرئيسي للمتطرفين في المنطقة.
فبعد السيطرة على مدينة سرت (450 كم شرقي طرابلس) سيطرة كاملة في يونيو الماضي بعد معارك طاحنة مع قوات«فجر ليبيا»التابعة لتيار الإخوان، اهتم التنظيم بجعل سرت أهم معاقله إضافة إلى امتداداته في مدن ليبية أخرى خاصة مصراتة ودرنة، حيث أضحت ليبيا هي الساحة الأرحب للإعداد والتنظيم هروباً من جحيم العراق وسوريا، في واحدة من أهم معارك هذا التنظيم الذي ينهج أسلوب ما بات يُعرف ب«سمكة الصحراء» التي تدفن نفسها في الرمال وتهرب من

مقاتليها، ثم تفاجئهم بالظهور من حيث لا يحتسبون.
وفق تقديرات صحيفة «واشنطن بوست» فإن «داعش» يواجه الآن مشكلة تراجع مصادر تمويله التي كانت تعتمد أساساً على سرقة النفط وبيعه من ناحية، وعلى الغزو ومصادرة الأراضي والابتزاز. ومع خسارة التنظيم المزيد من الأراضي فإن هذه المصادر أخذت تتراجع، ولعل هذا ما يفسر الهجمات الانتقامية الخارجية ل«داعش» خاصة مذبحة باريس، ثم وهذا هو الأهم، التوجه المكثف نحو ليبيا للاستحواذ على مصادر تمويل جديدة وتحويل ليبيا إلى قاعدة احتياطية ومحتملة جراء ما يواجه التنظيم من تحديات ومخاطر في الساحتين العراقية والسورية.
وهذا ما يؤكده مسؤول عسكري في الجيش الليبي بقوله إن تنظيم «داعش» يحاول التمدد نحو مدينة أجدابيا شرقي مدينة سرت، وأن الجيش الليبي يحاول منعه عبر تنفيذ غارات جوية ضد أهدافه. لكن «داعش» يتحرك في اتجاه آخر من شأنه زيادة تعقيد الأزمة السياسية في ليبيا حيث يتعمد إثارة التوترات في الجنوب الليبي بين قبائل «التبو» و«الطوارق»، ما يشكل «برميل بارود» من شأنه زعزعة استقرار المنطقة الممتدة من السودان حتى تشاد.
كل هذا يحدث والصراع لم يتوقف بين مقاتلي برلمان طبرق وحكومته وبرلمان طرابلس، ما يجعلها جميعاً حتى مع قوات ما يسمى ب«فجر ليبيا» عاجزة عن التصدي لتدافع المقاتلين «الداعشيين» إلى الساحة الليبية، الأمر الذي جعل وزير الدفاع الفرنسي يقول إنه «من دون اتفاق بين الفرقاء الليبيين ستنتصر «داعش» في ليبيا»، لكن الوزير الفرنسي لم يتحدث عن الغفلة الدولية عن هذا الخطر.
فالواقع الأليم يقول إن الغرب لا يتحرك إلا من أجل الدفاع عن مصالحه الخاصة والمباشرة، ولا يهمه أي تهديدات أو مخاطر تواجه الغير. فرنسا تدخلت في سوريا وقبلها روسيا وبعدها بريطانيا وربما ألمانيا بعد حادثة المذبحة الباريسية، لكن المخاطر الكامنة في ليبيا لم تجذب الاهتمام بعد، وما زالت واشنطن ومعها الأمم المتحدة ترفض مطالب تسليح الجيش الليبي، رغم تصاعد الخطر «الداعشي» الإرهابي على دول الجوار الليبي خاصة مصر وتونس.
الكل يعلق الحل في عنق الأطراف الداخلية الليبية ولعل هذا ما يضاعف من أهمية الاتفاق الذي توصلت إليه أطراف الحوار الذي جرى الأسبوع الماضي في تونس بين أطراف داخلية بحتة، وهو الاتفاق الذي أعلن عنه في مؤتمر صحفي ظهر يوم الأحد الماضي (6-12-2015) ووصف بأنه«اتفاق مبدئي وترجع أهميته، حسب المتحدث باسم المؤتمر الوطني الليبي، إلى أنه تم بأفكار ليبية خالصة على أرض تونس» وأنه «سيفتح الباب لحلول سريعة للأزمة الليبية عجز حوار سنة تحت الرعاية الأممية عن حلها».
اتفاق مبدئي مهم، لكن يبقى السؤال: وماذا عن اجتماع روما المشار إليه؟ وهل سيصطدم هذا الاتفاق «المحلي البحت» بإرادة الأطراف الدولية؟ لكن ما هو أهم: من سيتولى مهمة التصدي لخطر «داعش» الذي يسابق كل الحلول السياسية للأزمة في ظل غفلة تبدو متعمدة من المجتمع الدولي الذي لا يرى الخطر «الداعشي» إلا بعين واحدة؟

نقلا عن صحيفة الخليج