رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بريد «الوفد».. وافد افتراضي

بوابة الوفد الإلكترونية

 

 

لا أحد منا يمكنه تملك الحقيقة كاملة، كما أنه لا يمكن لأى منا اعتقاده بالوصول إلى اليقين وبلوغ منتهاه، كلها اجتهادات، نصيب فى بعضها ونقع فى الخطأ فى الكثير منها، شريطة أن يكون الشفيع الأوحد هو حسن النوايا، فـ«فى البدء كانت كلمة»، وربما كانت هذه الكلمة هى سقيا لروح ظامئة، أو ربما كانت طوق نجاة لنفس معذبة متأرجحة بين الوقوع والثبات، أو تكون يدا ممدودة بالعون، فالنفس البشرية تتوق للبوح لاستخراج ما بداخل البئر الإنسانية من تجربة، لعلها تفيق عقب مرحلة المخاض الروحى، فتكون بمثابة استرجاع الروح لفعل الشهيق والزفير بلا كمد، ولأننا فى العالم البشرى لا الملائكى فلا يمكن أن نغمض أعيننا عن حقيقة أصيلة متجذرة فى التركيبة البشرية هى الخطأ والوقوع فيه وأحياناً ممارسته.

معكم فى باب «بريد الوفد» نستمع لذلك الأنين الإنسانى بداخل كل منا، لعلنا نقدم كلمة تُصلح نفسا أو تحييها، ونقر بحقيقة واحدة أننا جميعا ننتمى إلى تلك التركيبة البشرية بما تحمله من تناقضات.

ننتظر رسائلكم على العنوان الإلكترونى:

[email protected]

أو: شارع بولس حنا - الدقي - مقر جريدة الوفد - قسم بريد الوفد

 

وافد افتراضى

عزيزى المحرر:

بالتأكيد لا يعنيك أن تعرف اسمى، ربما تضع فى مخيلتك تصورا أو تصنع لى اسما يلائم قصتى التى أكتبها لك، عصية وصعبة علينا البدايات، وإن كنت قد انتويت أن أبدأ من نقطة ثم غيرتها وعاودت إلى نقطة جديدة يمكن البدء منها، وحين دقت أناملى لوحة الكيبورد وجدتنى تناسيت كل النقاط التى كنت قد خططت لها مسبقا.

دعنى أبدأ معك من البدايات الأولى، فأنا فتاة فى منتصف العشرينات من عمرها، أنهيت تعليمى الجامعى، ولأننى أنتمى لأسرة ريفية مستورة الحال وليست ميسورة، كان الخروج من باب البيت عقب التخرج الجامعى شيئا صعبا، ولأن العلاقات فى القرية متقاربة، رشحت لى الأسرة أحد شباب القرية الذى يجاور منزل والدى على أمل أن تتم الخطبة وبعدها بأشهر معدودة يتم الزواج نتيجة لسفره للعمل بوظيفة جيدة فى إحدى دول الخليج.

يقولون عنى إنى متفلسفة، وأنى أجيد تنميق الكلام، لكنى فى رسالتى لك لا أريد أن أظهر براعتى بقدر ما أود أن أتحدث بلا قيد أو قواعد فى اختيار اللفظ أو تجميل وصياغة العبارة، نحن نتحدث بحقيقتنا حين يكون المخاطب مجهولا لنا، أو شخصا عابرا نلتقى به مرة ويستمع إلينا ثم نفترق، مثل تلك السيدة التى تجلس وتجاورنى فى مقعد قطار أراها لمرتى الأولى، تكون الحكايات وقتها من القلب لأن لكل منا محطة سينزل فيها.

تزوجت من ذلك الشاب ومرت سنوات الحياة والعمر، عشر سنوات، كان نصيبى منها فى كل سنة ثلاثة أشهر، ومع كل إجازة صيف يستقر فى حشاى طفل، فأنجبت من الأطفال ثلاثة أنعم الله بهم علىّ، لكن حدوتى الفعلية بدأت منذ عامين، حيث إحدى الإجازات، ومع كل إجازة صيفية كان لى هدية، وكانت الهدية هذه المرة منذ عامين هى هاتف أندرويد إصدار حديث، كان تعاملى طيلة الأعوام الماضية مع شبكة الإنترنت من خلال الحاسب أو جهاز الكمبيوتر الثابت، عبر وصلة نت، منتشرة فى ربوع قرى مصر، وباتت وصلة النت مفردة مهمة فى الحياة حيث يمكن للزوج الحديث معى دون كلفة مادية وكذا الاطمئنان على الأطفال، صفحتى على الفيس بوك معظمها أدعية، ونماذج لمقولات ومقتطفات من كتابات متناثرة. لكن منذ عامين، كان ذلك الوافد من العالم الافتراضى غير المرئى.

البداية ما زلت أتذكرها جيدا، رسالة خاصة عبر الحساب الشخصى له، يكتب أنه يعرفنى رغم أنى لا أعرفه وأنه يتابع ما أكتبه ويكن لى الاحترام ويرغب فى الاطمئنان على وعلى أسرتى. لن أخفى دهشتى من هذه الرسالة الوافدة بغير توقيت، لا تحمل صفحتى صورة شخصية لى، وربما زادت تساؤلاتى وانتهيت إلى أنه ربما يكون قريبا من العائلة أو أحد إخوتى.

لكنى أعترف أن الفضول كاد أن يسيطر علىّ وأنا أقلب فى سطور الرسالة الثلاثة وأعيد قراءتها لمحاولة معرفة هوية صاحب الرسالة. حتى دق صوت رنين الرسائل ليعلن أن رسالة من ذلك الوافد قد أتت، وهنا وجدتنى راغبة فى إكمال الحوار، وكان الحوار الأول الذى بدأ بسيطا، عبارات موجزة حول الاطمئنان على الصحة والأولاد ثم بادرته بتساؤل هل تعرفنى؟ فكان رده أنه لا يعرفنى لكنه يشعر بى، حدثنى هو عن نفسه وعن عمله وأخبرته أننى لا أعمل واكتفيت من الحياة بتربية الأولاد، وكانت دهشتى حين انتبهت لصوت المؤذن يدعو الناس لصلاة الفجر. وكانت هذه هى مرتى الأولى لأن أسهر تلك الليلة وذلك الكم الزمنى أتحدث إلى رجل غريب لا أعرفه. لكن الفخ الأكبر فى البدايات ولم أكن أعلم أنه سيلاحقنى فى الظهيرة وفى المساء، وتطور الأمر فى الحديث عن مرض أحد أبنائى ووجدته يرسل لى رقم هاتفه لإمكان التواصل رغم أنه يسكن فى محافظة بعيدة عنى.

ثم باتت الكثير من الحواجز تتلاشى ووجدتنى أسيرة منتظرة اتصاله، وفى كل محادثة كتابية كان هناك سور يتهدم، بدأ هو بإرسال صورته الشخصية وبعد إلحاح منه أرسلت صورتى له، صورة محتشمة وأنا مع أولادى فى حديقة عامة.

وكانت المفاجأة الكبرى أن أرسل لى رسالة نصية يخبرنى فيها أنه فى زيارة عمل للقاهرة ويمكنه لقائى، نظرا لقرب محافظتى للقاهرة، لا أخفيك أمراً أنى كنت متلهفة لذلك اللقاء، ربما تسبنى فى سرك الآن عزيزى المحرر، وربما تسألنى: كيف تركت أبناءك بمفردهم؟، لكن أود أن أخبرك أمراً، أن المرأة إذا أرادت شيئا لتفعله فعلته ولو وقف أمامها المستحيل ذاته، ولا تتسرع فى الحكم علىّ. فإن رغبتى كانت فى اكتشاف ذلك الفضول ومن ثم الكفر به، لكنى أعترف أننى كنت على خطأ فقد وقعت فى أسره وكأنما قد علم عنى كل شيء، كنت أتأمله كأنما قد تربى معى منذ الصغر يعرف عنى ما لا أعرفه، كان يصاحبنى كأميرة، ومع كل تفصيلة كان هناك تنازل، ومع كل اتصال كان هناك شغف للقاء ووصل، حتى وقعت فى حبه، وصرت لا أبالى بأى شيء إلا شيء واحد وهو رضاه، وقد بدا فى الآونة الأخيرة منفعلا أكثر من مرة، لكنه فاجأنى برغبته لأن أزور والدته فى بلدته، فكان ثمة تنازل أخير عزيزى المحرر، إننى انتويت واختلقت قصة لأبى، صحيح نسيت أن أخبرك أن أمى متوفاة، وتوجهت لزيارة والدته... لكن لم يكن بالمكان سوى أنا وهو، وقد حدثت الخطيئة الأولى، حدثت بلا أى مقدمات، حدثت دون دراية منى، لكنى استفقت فقط عقب عودتى لبيت أبى أصطحب أبنائى إلى بيتى.

أتحدث إليك كاشفة سوءتى مثلما أتحدث لشخص لا أعرفه ولا يعرفنى، أظهر لك قبحى، ولا أنكر هزيمتى، لكن المؤلم هو ما كان بعد ذلك اليوم، هو مطاردتى له، فقد قلت مكالماته بحجة عمله، صرت أتوسل إليه ليحادثنى أو يلتقينى، صارت

عقارب الساعة كئيبة متثاقلة تمر فى وهن واستثقال على أمل رنين من هاتفى يحمل اسمه.

أكتب إليك وأنا عازمة على أمر هو طلبى للطلاق من زوجى، أضحت حياتى متوقفة بتنسم ذلك الوافد الذى التقيته لمرة يتيمة، باتت الحياة مستحيلة مع الرجل الذى أنجبت منه أولادى، ربما تلعننى مرة أخرى فى سرك عزيزى المحرر....

فهل أجد عندك من حل لتلك المأساة التى أحياها، وقد مر على واقعتى معه نصف عام؟

 

إلى صاحبة الرسالة..

أتوقف معك عند جملتك التى سأفتتح بها ردى عليك بقولك: «وقعت فى حبه». ولا أعلم عن أى حب تتحدثين، وقد تحضرنى مقولة أجدها هى الدستور الفعلى لهذه الكلمة المقدسة، الحب، يقول جلال الدين الرومى: «اثنان لا يجتمعان إلا على طهر الحب والصلاة». فكيف يجتمع الحب مع الدنس، وكيف نسمى القبح جمالاً. إن طبيعة النفس البشرية فعل الاختيال والتزيين والتزييف، نلجأ إلى مسكنات الضمير بحجج لا تنتمى للواقع ونلبس معانى سامية غير كسوتها، والقاتل دائما هو الحب. رغم أن الحب منزه عن كل ما يوصم به.

الأغرب أننى أعدت قراءة رسالتك مرة ثانية وثالثة ولم أجدك قد تحدثتِ عن زوجك، الذى أتى لك بالمال، وأتى لك بوسيلة التواصل السريعة عبر الافتراض، أتدرين أين تكمن الخطيئة الأولى؟!

إن الخطيئة الأولى تكمن فى الفضول، الفضول فعلاً وقبلها الفضول تفكيراً، كانت خطيئة أبينا آدم عليه السلام هى فعل الفضول للاقتراب من الشجرة المحرمة، أنت تحادثينى عن ذلك الوافد الغريب، ولم تسألى نفسك كيف سولت له نفسه أن يسرق ما ليس له إن كنت أراه قناصا نصف ماهر أجاد حصار فريسته ومن ثم ذاق عسيلتها ومضى.

ولكن دعينى أسالك سؤالا.. هل سيكتفى فضولك عند هذا الوافد الذى هبط من عالم الافتراض؟!..أم سيكون هناك فضول آخر وآخر لاكتشاف وافدين جدد؟، وما ذنب ذلك المعذب الذى ارتضيتِ بكامل رضاك أن يرتحل مغتربا من أجل أحلام يحققها لك، ما ذنبه فى لعبة الخداع؟ بل إن السؤال الأصعب: هل يقتضى النبل والشرف مصارحته بفعلتك؟ أم تقتضى الحياة السير لتربية الأولاد وستر ما تم؟ وكلاهما خياران بهما من المرارة ما يكفى لالتزام الصمت.

وهل كنت أو استطعت أن تكونى مرآة لذاتك؟ برأيك هل تعرفين كيف أنت الآن؟، دعك من نظرة الآخرين لك، إن سؤالى موجه لنظرتك لذاتك، لا أخفيك سراً أن الأمر معقد، لأن هناك ثلاثة من الأبناء لا ذنب لهم جراء فضولك الذى أفقدك روحك ونفسك، لكن هناك آخر مغيباً ومخدوعاً هو من تحملين اسمه وشرفه. لعلك ذكرت ساعات طويلة من ذلك اللقاء المدنس عبر صفحة الافتراض خاصتك فهل كنت تقضين كل هذا الوقت مع من تحملين اسمه وتعيشين فى خيره؟. أحياناً تحتاج الأمور إلى مشرط جراح حين يصل الأمر مداه، الأمر معقد بالنسبة للمرأة عن الرجل، فالرجل مسارات أعصابه طبعت على ظاهره بينما المرأة تكمن مسارات أعصابها فى العمق، لا تتحرك ولا تستسلم إلا إذا بلغ الأمر منتهاه فتكون وقعت فى الأسر أولا ثم استعذبت الحديث ثم حدث انسجام ربما كان وهميا وأخيرا يكون السقوط.... لكن دعينى أصرخ فى وجهك أن السقوط هنا ينتفى عنه لفظ الحب ببرئه وطهره.

الأمر معقد إلى حد كبير، تقول الأسطورة القديمة: إن المرأة إذا تنسمت عرق رجل فإنه يسكنها، فكيف لامرأة تنسمت العرق وطبع آخر بصمته ووشم جسده عليها، فكيف يمكن أن تصير الحياة؟.

هل يمكن أن تكون مصارحة الزوج هنا هى نوعاً من البطولة الكلاسيكية البعيدة عن الواقع؟.. ثم يتبادر سؤال وسؤال: هل يمكن أن تسير الحياة عقب الاعتراف؟.. هل سيشك الزوج فى سلوك الزوجة وتصبح محل توجس وريبة؟.. هل نتفق مع قول يهمس بداخلنا أن الله قد ستر الأمر فنتفرغ لتربية العيال وننسى الأمر كأنه لم يكن؟

لا أتحدث هنا بصيغة القاضى الحكم ولا القديس الذى يحمل بشارة الخلاص للبشرية بقدر ما أتحدث محاولا الوصول لحل ليس فيه جناية على أحد، أتحدث ولا أدعى فعل القداسة، أتحدث وكأنما أحاول الوقوف فى مربع كل شخص من شخوص الحكاية، أنت.. الزوج.. الوافد، ثم أفيق على صراخ صغارك. يحلمون بأب يضمهم عقب المغيب، وهل كان المدان فضولك أم كان الشيطان الوافد يشاركك هذا الفعل أم كانت الغربة؟

الأمر مطروح لك أيضاً عزيزى القارئ... مطرح لك تدلو بدلوك فيما قرأته ربما تهدينا كلمة أو مشورة لا لصاحبة الرسالة فقط إنما لى أنا أيضاً ولصاحبة هذه الرسالة ولآخرين قرأوا جاهدين إيجاد مخرج ليس فيه جناية على أحد ولا جور لأحد.