رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

«الاستنزاف».. الحرب المنسية

بوابة الوفد الإلكترونية

مؤرخ إسرائيلى يعترف: أثبتت الحرب قدرة مصر على استيعاب الخسائر وأصابتنا باليأس

طائرات الميج الروسية وصواريخ سام 3 كبلت الطائرات الإسرائيلية

ضابط إسرائيلى: الجنود فضلوا البقاء داخل الحصون على الإجازات خوفاً من الصاعقة المصرية

44 عاماً مرت على نصر أكتوبر المجيد، وما زال الكيان الإسرائيلى يعانى من هول الصدمة التى سببها له الجيش المصرى فى حرب 1973، وما زالت الأكاديميات الإسرائيلية العسكرية والمدنية تدرس وتفتش عن أسرار ذلك النصر، لمعرفة حقيقة ما حدث بل وإمكانية تكراره مجدداً.

ومن بين الذين انشغلوا بدراسة أسباب الهزيمة الساحقة التى لحقت بالجيش الإسرائيلى المؤرخ الإسرائيلى يواف جيلبر الذى خدم فى قوات المظليين برتبة رائد خلال حرب أكتوبر، وعمل بعدها كمساعد محقق فى لجنة «أجرانات» التى شكلتها الحكومة الإسرائيلية للتحقيق فى أسباب الهزيمة، وقد أصدر جيلبر حديثا كتابا تحت عنوان «الاستنزاف.. الحرب المنسية» رصد فيه أهم مشاهداته خلال الحرب وعمله بلجنة «أجرانات» وبحثه الخاص بمعرفة أسباب الهزيمة التى لحقت بالجيش الإسرائيلى، وكيف هدمت مصر نظريات الدفاع الإسرائيلية، ونجحت فى إنهاء أسطورة الذراع الطويلة لإسرائيل «سلاح الجو» الذى استثمرت فيه أكثر من نصف ميزانية الدفاع.

ويؤكد جيلبر أن حرب أكتوبر «يوم الغفران» كانت صدمة كبيرة للشعب الإسرائيلى لم يتحرر منها حتى اليوم، ويدين كافة القيادات الإسرائيلية فى فترة الحرب وعدم قدرتهم على تقدير الموقف على الجبهة المصرية بشكل صحيح، مع تعمدهم التقليل من القدرة المصرية، وفشلهم فى قراءة خريطة الأحداث بشكل جيد، مع عدم وجود استراتيجية دفاعية منظمة، مكتفين بالاعتماد المفرط على القوات الجوية والدعم الأمريكى الذى لن يترك إسرائيل بمفردها فى الحرب مع العرب.

ويرى جيلبر أنه لمعرفة ما حدث فى حرب أكتوبر لابد من العودة إلى الوراء، وما حدث بعد انتهاء حرب 67، إذ إن كل الأحداث التى تلتها كانت تؤكد أن المصريين ليسوا ذلك العدو الذى يمكن الاستهانة به، وأن تسلسل الأحداث كان يشير إلى أن نجاح عملية العبور هى النهاية الطبيعية لذلك التسلسل.

ويشير إلى أن حرب الاستنزاف التى أطلق عليها فى كتابه «الحرب المنسية» كانت مفتاح النصر لمصر، وأن تلك الحرب كانت تحمل الكثير من الإشارات القوية التى لم يلتفت لها القادة الإسرائيليون.

ويشير جيلبر إلى أن دراسة أو تحقيقا أجرته المخابرات الحربية الإسرائيلية «أمان» بمشاركة أكاديميين وباحثين فى علم النفس على الأسرى المصريين فى أعقاب حرب 67 كانت المضلل الأكبر للقيادة الإسرائيلية وأثر عليها فى كل القرارات التى اتخذتها فيما بعد.

إذ خلص التقرير إلى نتيجة «أن المصريين لم يتقدموا من حرب 1948إلى 1956، ومن 1956 إلى 1967 - لذلك ليس هناك سبب لتوقع أن نراهم أكثر تطوراً فى الحرب المقبلة».

وبناء على تلك النتيجة كان كل اجتماع لمناقشة الأوضاع ينتهى برفع رئيس الاستخبارات العسكرية، أهارون ياريف، الدراسة فى وجه من أمامه قائلا: «عندما نتعامل مع العرب، نجد أن نواياهم وأهدافهم دائما ما تكون أكبر من قدراتهم».

وأضاف: عندما بدأ المصريون الهجوم على الضفة الشرقية للقناة فى عمليات متقطعة ثم تطورت إلى عمليات قصف مستمرة على طول الخط، ترافقها دوما كمائن على الضفة الشرقية للقناة، وبدأت إسرائيل تستهدف العمق المصرى، ودمرت محطة كهرباء كبيرة وسدين على نهر النيل فى أكتوبر 1968، أوقف المصريون ضرباتهم لكن القيادة الإسرائيلية لم تلحظ أنهم عندما عادوا لهجماتهم بعد شهرين فقط كانت أكثر تنظيما وقوة وبشكل عملياتى أفضل بكثير».

 

وهم القوة المطلقة

ويقول جيلبر انطلاقاً من حالة الغرور والشعور المزيف بالقوة لم تضع القيادة الإسرائيلية خطة للمواجهة على أرض سيناء بل كانت جميع الخطط لتجميع ونشر القوات، ولم تكن هناك مناقشة جادة واحدة حول إمكانية أن نجبر على الدفاع وضعت كل الخطط على أساس الهجوم وكسر هجوم المصريين، لم يكن يتصور أحد الانهيار السريع لخط بارليف، لأنه فى لحظة المواجهة سنتقدم إلى الأمام ونعبر فوراً إلى الجانب الآخر، وفى جميع تدريبات المحاكاة، كان السيناريو: «بدأ المصريون محاولة العبور، فى غضون ست ساعات، نطيح بهم وننتقل إلى الجانب الآخر».

وكان هناك رأى وحيد لكنه لم يكن مسموعا للواء يسرائيل تل، قائد المدرعات والذى تبناه أيضاً ارييل شارون يعارض خطة الدفاع الثابت للخط، وكان يرى أنه «لا ينبغى أن تكون القوات عالقة فى الأرض داخل الحصون مثل البط تطلق النيران، بل يجب أن تكون القوات متنقلة محمولة تتغير أماكن تواجدها ويصعب اصطيادها».

ويشير جيلبر إلى حالة النجومية الإعلامية التى أصابت ضباط وجنود الجيش الإسرائيلى فى أعقاب حرب الأيام الستة، وكيف تبلور الخطاب فى المجتمع الإسرائيلى لتكريس صورة ذهنية كاذبة عن الجندى الإسرائيلى الشجاع حسن المظهر مقابل الجندى العربى الجبان الذى يخلع حذاءه ليسهل هروبه من المعركة.

وجاءت دراسة أسرى الحرب لتؤكد تلك الأكذوبة والتى فحص فيها المحققون خطابات الجنود المصريين لأسرهم.

ومن بين النتائج الكارثية لهذه الدراسة التى أعجب بها القادة كثيراً وكانت سبباً فى صدمة العبور فى 6 أكتوبر «أن المجتمع المصرى مجتمع بدائى لم يتقدم بعد»، و«تقرر أن مستوى الذكاء لدى الضباط المصريين أقل بكثير من مستوى الضباط الإسرائيليين، وتم تعريف تفكيرهم على أنه بدائى وشخصيتهم غير ناضجة وغير متصلة بالواقع».

وكلما تساءلت جولدا مائير عن إمكانية تغير العرب بعد الحرب، أشهر رئيس الاستخبارات العسكرية، أهارون ياريف، نتيجة الدراسة فى وجها قائلاً: «عندما نتعامل مع العرب، نجد أن نواياهم وأهدافهم دائما ما تكون أكبر من قدراتهم».

 

خط بارليف ونظرية الهجوم

ويقول جيلبر لم توضع خطة الدفاع عن غرب سيناء إلا فى نهاية عام 1968، وشملت ثلاثة مبادئ: خط المياه كعقبة، وإقامة قوات مدرعة فى الخط الأمامى، وإنشاء خط دفاع ثان فى معابر الجدى وميتلا، كما تقرر بناء نظام يحذر من عبور القناة، وكان بارليف يعتقد أن الخط الدفاعى سيعوض نقص المدفعية إذا بدأت الحرب على الخط، ومع تحذيرات المخابرات المبكر من 24- 48 ساعة سيتم دحر أى هجوم سريعاً، وكانت نظرية بناء القوة الإسرائيلية تتجاهل الاستثمار فى القوة المدرعة قائلة إذا طارت القوات إلى الأمام لا أحد يستطيع صدها ففى أى شىء سنحتاج إلى المركبات المدرعة والمدفعية.

وأخيراً تبين فى يوم الغفران أن نظرية بارليف بالاعتقاد بأن سلاح الجو يمكن أن يحل محل المدفعية، خطأ فادح، دفعنا ثمنه عندما كانت قذائف الهاون الإسرائيلية والمشاة عاجزون عن أداء أى دور فعال.

وفى ديسمبر 1968 بدأت خطة لتحصين خط القناة ببناء 33 حصنا فى غضون أربعة أشهر، كانت عملية هندسية ضخمة تعرض خلالها عشرات المعدات العسكرية ومئات العمال للقنص من الجانب المصرى، وفى مارس 1969 بدأ السعى نحو قرار شامل لوقف إطلاق النار من شأنه أن يتيح الفرصة للقوات لتحصين نفسها.

بعد ذلك بدأت عمليات القصف الواسعة للطائرات والمدفعية «على وجه الخصوص» على مصافى النفط فى السويس ومحطات توليد الكهرباء ومطار فايد والسفن المصرية، وفى خلال ذلك القصف «استشهد» رئيس أركان الجيش المصرى الفريق عبدالمنعم رياض وأصيب قائد الجيش الثانى، مما أعطى ثقلاً لنظرية بارليف وعزز الثقة فى قدرة الخط الأمامى، وقال بارليف: «اتضح لنا وللمصريين أن عبور القناة حتى ضد القوات النظامية القائمة أمر مستحيل».

ومن هنا نشأت النظرية الخطأ لدى القيادة الإسرائيلية بأن الجيش النظامى على خط بارليف والقوات الجوية يمكنهما وقف أى هجوم مصرى، على الرغم من أن ذلك لم يجرب فعلياً وكانت أول محاولة عبور واسعة النطاق للمصريين فى يوم 6 أكتوبر لتشكل صدمة حقيقية وهدما لنظرية بارليف.

 

وقف إطلاق النار ينقذ إسرائيل من اليأس

وتابع جيلبر لقد استغرق الأمر وقتا طويلاً

حتى يفهم قادة الجيش أن حرب الاستنزاف هى حرب أخرى «حرب مستمرة تتطلب النفس الطويل والقدرة على استيعاب الخسائر»، تحمل المصريون الخسائر ولم يؤثر العدد الكبير لضحايا الاشتباكات فى قوتهم الوطنية، على العكس مما حدث معنا فكانت الزيادة فى الرسم البيانى للخسائر، من دون إنجازات ودون حل واضح تحدث خفضا كبيرا فى الروح المعنوية سواء بين المقاتلين أو فى الجبهة الداخلية وبدأت وسائل الإعلام الكذب بشأن أعداد القتلى والمصابين من الجنود.

فمن مارس 1969، وطوال الصيف، واصل المصريون سلسلة من العمليات والقصف المدفعى كل يوم كانت هناك وفيات وإصابات كثيرة فى صفوفنا، وأضاف: إن «المسافات الشاسعة والمعقدة لإجلاء الجرحى أدت إلى خسائر فادحة إضافية فى الأرواح البشرية، ورغم ضربات الجيش الإسرائيلى المتكررة للعمق المصرى، إلا أنه بدا عليهم أنهم أكثر استيعاباً للخسائر مننا».

وتجسيداً لحالة الإحباط التى ضربت الجيش الإسرائيلى خلال تلك الفترة ينقل جيلبر عن الضابط المظلى على خط القناة يوسى اوزارد، والذى يعد حالياً كتابا جديدا عن حرب يوم الغفران قوله: «توقف الجنود ببساطة عن الخروج إلى الإجازات، خوفا من الهجمات التى تشنها القوات المصرية»، وكانت تصل مدة بقائهم داخل الحصون إلى ثلاثة أشهر.

وبدأت أصوات الاحتجاج الأولى تعلو داخل إسرائيل، والتى عبرت عما سماه جيلبر «الشقوق فى التماسك الوطنى» وظهور حركات احتجاج بين الطلاب، بجانب ضغوط اليسار ومعسكر السلام، من ناحية أخرى، وتساءل كبار السن عن كيفية خدمتهم فى الجيش «فى حرب دائمة وغير مجدية»، الأمر الذى أدى إلى ضجة كبيرة. على الرغم من أنها لم تعكس عملياً روح الشباب فى تلك الأيام.

وللخروج من تلك الحالة ونتيجة حالة القلق التى أصابت جولدا مائير شخصياً تقرر فى يناير 1970 أن يبدأ القصف الجوى للقوات الجوية المصرية وبطاريات الصواريخ، واعتقد بارليف والمخابرات العسكرية أن ذلك سيكون المخرج من تلك الحالة.

وفى غضون ستة أسابيع شنت الطائرات الإسرائيلية 25 هجوماً داخل مصر، ولكن على النقيض من توقعات الجميع، عزز الروس طائرات ميج المصرية وأمدوهم بصواريخ سام 3 الحديثة مما أصاب الجميع بالذهول داخل القوات الجوية الإسرائيلية، وقد عجز الجميع عن وضع حل لمواجهة تلك الصواريخ حتى الأمريكان لم يكن لديهم جواب واضح للتعامل معها.

ويقول جيلبر «من يونيو إلى أغسطس 1970 فقدنا 14 طياراً - خمسة قتلى وتسعة أسرى، وكان من الواضح أنه من الصعب العودة لتفجيرات العمق، وبدأ يتركز عمل القوة الجوية فقط على الحد من انتشار بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات، إلى أن تم التوصل إلى وقف إطلاق النار وصدرنا ذلك للجمهور، كما لو أننا انتصرنا فى الحرب على عكس الواقع، وبات واضحاً أننا بدأنا نفقد التميز الجوى».

وقد استغل المصريون وقف إطلاق النار بشكل جيد، تحدثوا عن وقف مؤقت عندما كانوا يخططون لإعادة تأهيل الخط الأمامى، ومواصلة القتال بينما طالبنا بوقف كامل لإطلاق النار وتجميد فورى للعمليات حتى لا يستطيعوا دفع المزيد من الصواريخ إلى القناة.

رفضت جولدا الاقتراح فى البداية، وسافر الرئيس جمال عبدالناصر إلى روسيا للتشاور، وعندما عاد أبلغ بشكل غير متوقع الأمريكيين بموافقته على شروط وقف إطلاق النار، وتابع: «كل ما كان يهم الأمريكيين هو تجديد المبادرة السياسية، وكل ما كنا مهتمين به بحق، هو وقف إطلاق النار وانسحاب الصواريخ».

وبعد وقف إطلاق النار، بدأ المصريون التحرك لبناء شبكة الصواريخ على خط القناة، خاصة فى ليالى الجمعة والسبت، حيث لا توجد أى طلعات جوية، وبهذه الصواريخ تمت مواجهة الطائرات الإسرائيلية خلال حرب يوم الغفران.

وقال: «خابت التوقعات للقوات الجوية التى تم استثمار أكثر من نصف ميزانية الدفاع فيها، واعتبرناها شهادة التأمين لنا، كما وصفها القادة الميدانيون فى لجنة «أجرانات»، ولم تكن تقديراتنا لقوتنا الجوية واقعية، وخلال الأيام الأربعة الأولى من الحرب، كانت القوات الجوية مشغولة بمواجهة الصواريخ وفشلت فى تقديم أى مساعدات للقوات البرية».

 

فشل المدرعات وتأخر التعبئة

وعن فشل المدرعات الإسرائيلية فى المواجهة البرية فى الأيام الأولى من حرب أكتوبر يقول جيلبر «كان الجميع مقتنعين بأن 300 دبابة فى سيناء كافية في بداية الحرب، وربما كان ذلك صحيحاً لو لم يرسلوا جميع الدبابات فى وقت مبكر جدا إلى الحصون بدلا من مناطق العبور، وقد وصلت الدبابات إلى الحصون فى وقت مبكر جداً». وفى هذه الأثناء عبر المصريون القناة ثم انتظروا الدبابات التى نصبوا لها أكمنة محكمة لاصطيادها على الطريق إلى المصاطب.

وفى إشارة واضحة إلى نجاح خطة التمويه المصرية، يقول جيلبر كان من بين الأخطاء القاتلة التى وقع فيها قادة الجيش الإسرائيلى هو عدم تحديد موعد انطلاق الهجوم المصرى فى حرب يوم الغفران، وقد أدى ذلك إلى تأخر اتخاذ قرار إعلان التعبئة العامة إلى الساعة العاشرة والنصف من صبيحة يوم السادس من أكتوبر بعد الكثير من النقاش والمداولات الطويلة، وعن موقف لجنة «أجرانات» من تأخر القرار بإعلان التعبئة قال: «لقد تم تعييننا وفقا لقرار حكومى، لذلك لا يمكننا الإطاحة بالحكومة وتركنا القرار للجمهور لمحاسبة الحكومة».