رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

المصريون يستعيدون ذكريات الأيام الأولى للحرب

بوابة الوفد الإلكترونية

عقارب الساعة تشير إلى الثانية ظهرا، الشوارع فى ساعة الذورة لخروج الموظفين والعاملين، عائدين إلى منازلهم فى نهار شهر رمضان، والكل لا يعلم أن خبرا سعيدا سيشهده العالم بعد خمس دقائق فقط.

أوجاع وآلام نكسة 1967 مازالت تشق فى قلوب وعقول المصريين، الذين شعروا بأن الزمن توقف ولن يمضى مجددا إلا بالخلاص من العدو الإسرائيلى الذى دنس أرض سيناء الحبيبة.. وها قد حانت ساعة الخلاص.

الساعة الثانية وخمس دقائق تبدأ أعظم حرب شهدها التاريخ الحديث، الطائرات المصرية تشق جدار الصمت، وتعبر القناة إلى أرض القمر، لتبدأ الضربة الجوية الأولى على أهداف العدو فى سيناء لتحقق نسبة نجاح تعدت الـ90% فى سابقة لم تحدث من قبل فى الحروب، ومن بعدها أطلقت المدفعية نيرانها المكثفة وأصابت الجنود الإسرائيليين بالجنون والفزع، والإذاعة المصرية تزف البشرى لمصر ولكل العرب ببدء حرب أكتوبر وتحطيم خط بارليف فى 6 ساعات.

46 عاما مضت على نصر أكتوبر، ولكن أحداثه بكل تفاصيله مازالت محفورة فى ذاكرة من عاشوا أفراح النصر.

«الوفد» التقت عددا منهم لتستعيد معهم الذكريات الخاصة بأيام الحرب وحال الشعب المصرى فى الأيام الأولى من هذا النصر الكبير.

فريدة النقاش: اطمأن قلبى بعد نبرة الهدوء فى تناول أخبار الحرب

كانت فى مكتبها بمقر جريدة الجمهورية تمارس عملها اليومى بشكل طبيعى، ولا تعلم أنها بعد دقائق ستكون على موعد مع خبر سعيد انتظرته طويلا، وإذا بالنبأ يأتيها من الراديو، معلنا انطلاق حرب أكتوبر.. هكذا بدأت الكاتبة فريدة النقاش فى رواية ذكرياتها عن يوم النصر.  «أكثر ما لفت نظرى فى هذا اليوم وجعلنى أشعر بالراحة لأنى عشت أحداث حرب 1967 والدعاية السلبية الفظيعة التى ارتبطت بها، هو هدوء نبرة الإعلام وعدم المبالغة فى أى خبر عن حرب أكتوبر، عكس ما حدث فى 1967 عندما كانت الأخبار تأتى بإسقاط الطائرات الإسرائيلية وفى النهاية اكتشفنا الكارثة.. بهذه الكلمات عبرت النقاش عن إحساسها كلما سمعت البيانات العسكرية.  وتابعت، «بعد هذا الهدوء فى تناول الأخبار عن حرب أكتوبر اطمأن قلبى»، مشيرة إلى أنها قبل الحرب عاصرت مرحلة حرب الاستنزاف وتعرفت بدقة من زملاء وأصدقاء وأقارب كانوا مجندين فى الجيش كيف أنه كانت هناك عملية بناء جيش جديد وهذا هو الدرس الذى استنتجه عبدالناصر من هزيمة 67 وهو ما حدث خلال سنوات حرب الاستنزاف.

ولفتت «النقاش»، إلى أنه كان من الطبيعى أن تؤدى حرب الاستنزاف إلى الانتصار الذى حققناه فى أكتوبر 1973، والذى أذهلنا نحن المصريين قبل أن يذهل العالم كله، بعد حالة عدم الثقة فى النفس التى شاعت فى أوساط العرب بسبب ما حدث لهم بعد هزيمة 67 المذلة، ولذلك كنا مذهولين من النتيجة وانتظرنا المزيد، مضيفة «رغم فرحتى بالانتصار ونتائج هذه الحرب فإنى لم أكن سعيدة بخطوة السادات بالذهاب إلى القدس».

وعن حالة وإحساس المصريين أثناء الحرب، قالت «خلال أيام الحرب وخاصة اعتقال الجنرال الإسرائيلى عساف ياجورى وإذاعة ذلك على التليفزيون شاهدنا استجابة شعبية رائعة، ولم يكن المصريون يصدقون أن مثل هذا يمكن أن يحدث وكان فرحا غامرا وانتظر الناس نتائج مشرفة للحرب.

وأشارت النقاش، إلى أن ما حدث فى أكتوبر لا نستطيع أن نقيمه بعيدا عن حرب الاستنزاف، لأن الاستنزاف كان فيها العلم والجدية والمسئولية والإحساس بأن المصلحة العامة لابد أن نقدمها على المصالح الخاصة.

وعن أهم قيم حرب أكتوبر التى نحتاج استرجاعها الآن، أهمية العلم وعدم المجاملة ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

 

سكينة فؤاد: أكتوبر أعادت الروح للمصريين.. والحرب لا تزال مستمرة

عاشت أوجاع هزيمة 1967 ومرارتها، شعرت بأن الزمن قد توقف بعد النكسة ولن يمضى إلا بحرب تعيد للجيش والمقاتل المصرى كرامته أمام العالم. كان فى يقينها أن ساعة الحرب ولحظة الخلاص اقتربت، استمعت إلى أول بيان للحرب فى مبنى ماسبيرو.. إنها الكاتبة سكينة فؤاد، التى تتذكر سنوات ما بعد الهزيمة وأفراح النصر، فتقول: «أغلب من عاش فترة هزيمة 67 وما بعدها شعروا بأن الزمن توقف، ولن يتحرك إلا بإعلان حرب تنهى وجود هذا التدنيس الصهيونى على أرض سيناء الغالية.. المصريون كان لديهم إيمان بأننا نمتلك جيشا وطنيا لا يقبل الهزيمة، وأن ما مر به فى عام 1967 لم يكن هزيمة عسكرية ولكن هزيمة سياسية، ولذلك أبناؤنا المقاتلون والقيادة السياسية لم يقبلوا وجود العدو على أرض سيناء وكانت لحظة المعركة فى أكتوبر 1973».. بهذه الكلمات بدأت سكينة فؤاد تروى ذكرياتها عن الحرب.  وتابعت، «كنا نعيش على انتظار الساعة الفاصلة ولحظة الخلاص وكان اليقين كاملا بالنصر رغم الدعايات الكاذبة من العدو وحربه من أجل إشاعة اليأس والإحباط لدى المصريين والأكاذيب والافتراءات بأنهم الجيش الذى لا ينهزم وأن مصر لا تستطيع أن تدخل فى حرب»، مشيرة إلى أن الحياة كلها كانت مرهونة بهذه اللحظة الفاصلة وكان كل شىء يدور بناء عليها ومعلقا عليها.

وأكدت فؤاد، أننا كنا واثقين فى الله بأن هذه اللحظة قادمة وأننا أمة لا تقبل الهزيمة، وما مر بنا لم يكن بسبب أن جيشنا لم يستطع أن يواجه العدو، بل بسبب الظروف السياسية التى جعلته ينسحب بشكل عشوائى.

وأشارت الكاتبة الصحفية، إلى أنها كنت تكتب برنامجا للراديو فى مبنى ماسبيرو عندما استمعت إلى خبر أول بيان للحرب، قائلة: «جاء النصر لنا جميعا وخاصة فى شهر رمضان وكأن الله استجاب لدعاء المصريين فى هذا الشهر الكريم».  «وحدة الصف والكراهية للعدو فقط وعدم تصديق الفتن والأكاذيب والشائعات التى يصنعها العدو كانت أبرز سمات الشعب المصرى أثناء الحرب»، بحسب سكينة فؤاد.  وتابعت، «فى أكتوبر 73 كان العدو سارق الأرض واضحا، أما العدو فى 2019 فهو الجماعات الإرهابية ذيول وعملاء الأعداء الذين تستخدمهم القوى الاستعمارية لتحقيق مآرب العدو الصهيونى الذى أصبح يحارب بأدوات ووسائل بعضها يدعى بأنه ينتمى إلينا بدلا من أن يحارب بنفسه، ووقتها كانت وحدة الصف وراء جيشنا والثقة والتماسك ظاهرة جدا للجميع».

واختتمت فؤاد تصريحاتها قائلة، «العدو يحاول الآن تحقيق أهدافه ومخططاته الشيطانية التى فشل فى تحقيقها خلال حرب 73 ولكن بوسائل وأدوات مختلفة».

 

يوسف القعيد: «شوفت ناس هتموت من الفرحة بالعبور»

قضى فى الجيش 9 سنوات، كان من الدفعة التى من المفترض أن تنتهى خدمتها قبل هزيمة 67 بـ30 يوما، ولكن القدر شاء أن تعلن حالة الطوارئ ويبقى مع زملاء دفعته حتى قيام حرب 73 ويقضى مدة خدمة اقتربت من التسع سنوات، رأى فرحة الشعب بإعلان الحرب وهو فى ميدان التحرير، وكلف بعمل ملف صحفى عن معارك الجيش المصرى عقب انطلاق الحرب.. إنه الروائى والأديب يوسف القعيد.

«كان من المفترض أن تنتهى خدمتى العسكرية قبل عدوان 1967 بـ 30 يوما، لكن أعلنت حالة الطوارئ وقتها، وصدر قرار باستبقاء القوات المنتهية خدمتهم، لذلك بلغت مدة خدمتى حوالى 9 سنوات».. بهذه الكلمات تبدأ رواية القعيد عن ذكرياته عن النصر.

«القوات المسلحة قامت بتسريح بعض هؤلاء المستبقين يوم 4 أكتوبر قبل الحرب مباشرة ضمن خطة الخداع الاستراتيجى، والتى كان من ضمنها أيضا نشر خبر الموافقة على أداء ضباط الجيش للعمرة فى جريدة الأهرام.. سلمنا المخل ومشينا، وعرفنا مساء السبت أنه تسريح شكلى».

وأشار إلى أنه خرج من وحدته لينضم إلى عمله فى دار الهلال، وأثناء عودته إلى منزله يوم السبت 6 أكتوبر سمع البيان الأول للقوات المسلحة فى ميدان التحرير وشاهد فرحة الناس، متابعا «شوفت ناس كانت ممكن تموت من الفرحة وبدلا من العودة إلى منزلى عدت إلى دار الهلال مجددا وكلفت بعمل ملف عن معارك الجيش المصرى فى التاريخ وتم نشره فى نهاية الأسبوع».

وأضاف، «بدل ما أروح بيتى رجعت دار الهلال، وكلفت بعمل موضوع صحفى

عن المعارك وطلعت الأرشيف وجبت ملف جيش مصر، وقعدت أجيب الجمل اللى اتقالت عن الجيش وعملت صفحتين عنوانهما عبارة لنابليون وهو بيحارب المصريين «لو كان لدى نصف هذا الجيش لغزوت به العالم» لأنه شاف العزيمة والإصرار وشاف الرغبة فى الدفاع عن الوطن.

وأوضح أنه عندما عاد إلى منزله تلقى استدعاء بالعودة إلى وحدته العسكرية صباح اليوم التالى، وعلم بعدها إن تسريح قدامى المستبقين كان جزءا من خطة الخداع الاستراتيجى.

وأشار «القعيد»، إلى أنه خلال أيام الحرب من كان يذهب إلى مبنى ماسبيرو كان يجد الفنانين ومعهم أكلهم واحتياجاتهم اليومية وهم جالسون عند المسئولين يطلبون منهم فعل أى شىء لصالح البلد، ولم يتقاض فنان مليما واحدا مقابل أداء الأعمال الفنية الغنائية التى سجلت فى ظروف صعبة للغاية.

وتابع، «عندما كنت أخدم فى مستشفى غمرة العسكرى خلال أيام الحرب كان المواطنون يأتون إلينا للتبرع بالدم من كل مكان دون طلب منهم، ولم يتم شراء لتر دم واحد من الخارج أو استقدام من وحدات أخرى»، كما زار الأديب نجيب محفوظ المستشفى للاطمئنان على نجل أخيه الذى كان ضابطا وأصيب فى الحرب، لافتا إلى أنه زار عددا آخر من المصابين من أجل الاطمئنان عليهم وهذا هو دور المثقف الحقيقى.

«التعبير فنيا وأدبيا وثقافيا عن بطولات الجيش المصرى فى حرب أكتوبر حتى الآن غير كاف وقليل جدا.. نقطة فى بحر بالنسبة لما جرى»، بحسب يوسف القعيد، الذى تساءل: «متى نوثق بطولات الجيش فى حرب أكتوبر؟.. كل اللى اتعمل عن حرب أكتوبر حتى الآن 12 فيلما فقط آخرها فيلم المواطن مصرى عام 1992، رغم أن الحرب العالمية الثانية التى انتهت فى أربعينيات القرن الماضى مازالت تصدر عنها أفلام».

وطالب القعيد بتوثيق تفاصيل حرب 73 خاصة الكواليس غير المعروفة لدى الجميع، حتى لا تترك للنسيان للأجيال القادمة.

 

..ومواطنون: «مكناش مصدقين اللى بيتقال فى الراديو ووزعنا شربات فى الشوارع»

قال محمد حسن، موظف على المعاش، إنه عندما سمع أول بيان للحرب فى يوم 6 أكتوبر كان مستضيفا زميلا له فى منزله.

وأضاف، «فضلنا قاعدين فى البيت منتظرين للبيانات العسكرية كل شوية وقبل المغرب بنصف ساعة أذيع بيان العبور.. مكناش مصدقين اللى بيتقال فى الراديو بسبب اللى حصل فى 67، لما كان بيعلن إننا أسقطنا 40 طيارة وغيرها، فعلشان كده كان فى شك شوية فى الأخبار ولكن لما تأكدنا فعلا من الأخبار كانت الفرحة عارمة وشعور يختلف جدا عن عام 67».

وتابع «الواحد وهو ماشى فى الشارع كان حاسس إن رأسه مرفوعة قدام العالم»، موضحا أنه كان له أخ شارك فى الحرب وعاد إليهم بعد 20 يوما وحكى لهم تفاصيل ما حدث بالضبط.

وقال أحمد على، صاحب محل بقالة، إن ما حدث فى حر أكتوبر كان غير متوقع.

وأضاف، «اللى حصل فى حرب أكتوبر الشعب مكنش متوقعه، كأنك مثلا داخل امتحان وعارف انك هتجيب مقبول ولما ظهرت النتيجة لقيت نفسك جايب امتياز مع مرتبة الشرف.. الناس كانت بتنتظر البيانات العسكرية بفارغ الصبر علشان نسمع اسقطنا كام طيارة ودمرنا كام دبابة».

وتابع، «الحرب كانت فى شهر رمضان والناس كانت فرحانة فى الشوارع ومش بتنام تقريبا».

فيما قال عم سيد المراكبى، إنه كان ملتحقا بسلاح المهندسين بالمنطقة الغربية بالقرب من الحدود الليبية وعندما اندلعت الحرب انتقلنا بعد ذلك إلى محافظة السويس لدعم القوات هناك بعد حدوث ثغرة الدفرسوار.. كنت أصحى الصبح ممكن ما ألاقيش صاحبى اللى كان نايم معايا بالليل».

وتابع، «العساكر والضباط كانوا شجعان ومش بيخافوا من الموت وبنطلع الجبل نحفر فى الصخر»، مشيرا إلى أنه استشهد من كتيبته 5 جنود ولما رجع للبلد بعد انتهاء الحرب أقام له الأهالى زفة والناس كلها فرحت بالزغاريد وتوزيع الشربات.

وقال مصطفى إبراهيم، موظف بأحد النوادى الرياضية، إنه كان فى الثالثة عشرة عندما قامت الحرب، وكان يعيش فى حى الجمالية.

وأضاف أن أبرز ما يتذكره عن الحرب فرحة الناس فى الشوارع بأخبار تدمير الدبابات وعبور قناة السويس واعتقال الإسرائيليين وتعليق صور الأسرى فى الشوارع والحارات.

بينما قال عبدالعزيز أبو وحيد، من سكان القليوبية - بالمعاش - إنه شارك فى الحرب وكان ينتمى إلى سلاح دبابات وقاتل فى معركة الدبابات الشهيرة، مشيرا إلى أن المعركة كانت شرسة مع الاسرائيليين وكنا أحرص على الشهادة من أجل الوطن.

وأضاف «كنا عاملين حفر برميلية علشان نحتمى فيها من الغارات الإسرائيلية، ولما الدبابات الإسرائيلية انسحبت بدأوا يضربوا بالطائرات، وأثناء إحدى الغارات أسرع أحد الجنود للمخبأ الخاص به ليحتمى من القذائف، فنزل معه فى الحفرة كلب من شدة الخوف واحتضنوا بعضهم حتى انتهت الغارات».

وأشار إلى أنه عندما تأخر رجوعه إلى أسرته تصوروا أنه توفى وأقاموا عزاءه، لكن عندما نزل إجازة وذهب للمنزل فتحت له أمه باب المنزل وكان الوقت متأخرا، تخيلت أن أحدا يسخر منها أو حرامى، حتى تأكدت منه، فأغمى عليها من شدة الفرح».

وأكد أن أيام الحرب كانت أعظم أيام حياته وتجسد فيها الحب الحقيقى للوطن، والكل كان حريصا على فداء الوطن بروحه، مشيرا إلى أنه مستعد حتى الآن لفداء وطنه رغم كبر سنه.