رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المصروفات السرية فى تاريخ الصحافة

كان الاستبداد السياسى وما تبعه من أنماط ملكية الصحف وغيرها من وسائل الإعلام من أهم أسباب انهيار الكلمة وضياع مصداقيتها على قاعدة أن من يدفع أجر الزمار من حقه أن يسمع اللحن الذى يطربه، ومن يدفع ثمن بنزين السيارة يحدد طرق سيرها،

إضافة إلى أسباب ترجع إلى الصحفيين أنفسهم منها قدرة بعض أبناء الطبقات الدنيا، الذين نالوا حظاً من التعليم على غزو وسائل الإعلام والتأثير فى الرأى العام ونشر أنماط من سلوك طبقتها وفرض قيمها، وما تبع ذلك من فساد ذمم بعض الصحفيين، والسلوك المنحرف لبعضهم الآخر وأثره فى انتهاك معايير المهنية الصارمة، وتقاضى الرشا  بداية من الحصول على العطايا من  ديوان المعية السنية، ومن هبات ديوان الأوقاف والقيام بأعمال السمسرة فى منح الرتب والنياشين  والسقوط فى مستنقع المصاريف السرية وجلب الإعلانات وقبول الرشاوى المقنعة تحت مسمى القيام بوظيفة المستشار الصحفى، وانتهاء بفضائح التمويل الأجنبى لصحف وصحفيين بعينهم.

 

الهــبات والسمـسـرة

فى الرتب والنياشين:

 

نشأت الصحافة فى مصر فى كنف الحاكم، وكان الحكام يغدقون ببذخ على المشروعات الصحفية، وقد زاد هذا الإنفاق فى أيام الخديوى إسماعيل الذى كان شغوفاً بكل ما هو أوربى، وبسبب رغبته فى  صدور صحيفة مصرية على شاكلة صحيفة " الجوائب" التى تصدر فى اسطنبول، فأوعز إلى عبدالله أبو السعود بإصدار صحيفة " وادى النيل " عام 1867 وكانت أولى الجرائد الأهلية التى أنفق عليها ببذخ ، ولكن بعد أزمة الديون تضاءل الإنفاق إلى حد التقتير الذى بلغ مداه فى عهد الخديوى عباس حلمى بسبب بخله الشديد؛ فبدأت المشروعات الصحفية الواسعة تعول فى مصروفاتها وسداد نفقاتها على أثمان الرتب والنياشين التى تتراوح أسعارها من رتبة الميرمران بألف جنيه إلى رتبة البكوية من الدرجة الثانية بثلثمائة أو أربعمائة جنيه، وكان لصغار الصحفيين نصيب من « ديوان المعية السنية» ومن هبات ديوان الأوقاف.

 

وقد جاء فى الجزء الثالث من مذكرات أحمد شفيق باشا وهو أحد رؤساء الحاشية الخديوية:

    "إن الرتب أصبحت كالسلع السهلة، وكان لهذه التجارة وسطاء منهم الشيخ على يوسف، وحسين بك زكى، وأحمد بك العريس، وإبراهيم بك المويلحى، وهو مقيم بالآستانة يأتى كل شتاء لأخذ بضاعته من مصر  وأحمد شوقى بك الشاعر، والزعيم مصطفى كامل ".

 

تمويل الصحف الماسونية:

عندما جاءت الحملة الفرنسية على مصر 1798 شهدت مصر إنشاء أول محفل ماسونى أقامه الضباط الفرنسيون ( محفل إيزيس )،لكن الحقيقة المؤكدة أن الجيش الفرنسى  خرج من مصر بعد أن شهدت الإسكندرية ميلاد أول محفل ماسونى قى أواخر عام 1800، وبحلول القرن التاسع عشر حتى انتشرت هذه المحافل فى كل مصر خاصة فى القاهرة والإسكندرية*.

* د. أحمد يوسف، المخطوط السرى لغزو مصر، ص 30 ـ  31.       

وكان من الطبيعى أن يكون لهذه المحافل صحفها أداتها الرخيصة فى التعبير عن مصالحها مابين يومية وأسبوعية وشهرية، فكانت "جريدة التجارة" التى أصدرها أديب اسحاق بمساعدة جمال الدين الأفغانى عام 1881 وجريدتا "المقتطف" و"البيان" عام 1884 و"الصادق" عام 1886 و"الفلاح" عام 1885، و"اللطائف" عام 1890 وتلتها "المجلة الماسونية" عام 1901، وجريدة "النصوح"  الأسبوعية عام 1892 وبعدها "الميزان" عام 1893،  و"الجريدة الماسونية" فى الإسكندرية عام 1903 و"النظام" عام 1919 و"حيرام" فى عام 1923 فى الإسكندرية و"الميثاق الماسونية" فى القاهرة عام 1924 و"الأيام" عام 1929  و"الإخاء الماسونية" فى المنصورة عام 1935 و " التاج المصرى " و " الوقت " .

وأصبح الصحفيين فى هذه الصحف وتحت إغراء الربح والمال رهناء  أوامر الحفل الماسونى يكتبون ما يلقنه لهم القائمون عليه كالببغاوات ، وقد أصدر المحفل الماسونى منشوراً للصحفيين  فى عام 1892 يحدد للصحفيين فى الجرائد أن يستمدوا أفكارهم من مقررات مجلس المحفل وأن يتحاشوا نشر ما قيل أو فُعل فى المحفل .

وقد لعبت هذه الصحف بالعقول المصرية، وتلاعبت بأمتنا وقضيتها من خلال دعوات براقة لتقديم خدمات إنسانية ومساندة قوى الوطنية المصرية، لكنها فى حقيقة الأمر كانت عامل هدم وتخريب وطابورا خامسا للسياسة الغربية والصهيونية فى مصر، والذى بدا واضحا فى الدور الكبير للماسون فى إفشال انتفاضة عرابى فبمساعدتهم للحملة الانجليزية بقيادة الجنرال ولسى تم القضاء على الانتفاضة واحتلال مصر عام 1882، حيث قال ولسى ما نصه :

( .. إنى استسهلت الصعاب وسخرت بالأهوال فى كل البلاد ، لأننى حيث توجهت كنت ألقى إخواناً من الماسون يرحبون بى ويساعدوننى على ما أريد ، ولست أرتاب فى أن نجاحى كان لأننى أستاذ فى الماسونية ) .

وعن الأحداث فى فلسطين ذّكر د . سامى عزيز أن رئاسة المحفل الماسونى الأكبر الوطنى المصرى أصدرت منشوراً فى 2 ابريل 1922  يناشد عرب فلسطين التزام الهدوء، ومشاركة اليهود في بناء الوطن المشترك ، وجاء نصه :

" يا أهل فلسطين تذكروا دائما أن اليهود قد ركبوا متن الغربة فأفلحوا ونجحوا ثم هم اليوم يطمحون للرجوع إليكم لفائدة وعظمة الوطن المشترك بما أحرزوه من مال وما اكتسبوه من خبرة وعرفان .

اسمعوا وعوا هذا الصوت الذى تناشدكم به مصر شقيقتكم الكبرى ، إنها تدعوكم إلى السلام والوئام لمصلحتكم ومصلحة الشرق . "

وكان يتم تمويل هذه الصحف عن طريق الدعم السرى للمحفل الأكبر من سلطات الاحتلال الإنجليزى والقنصليات الإيطالية والفرنسية والألمانية والأمريكية فى مصر لخدمة أغراضها الاستعمارية والمنح، التى كانت تأتى إلى المحافل من السلطة الأم فى أوربا على اختلاف تبعيتها، بالإضافة إلى إيرادات اليانصيب الذى كان يعقد بشكل شهرى والطامبولا أثناء الحفلات، وهى وسائل تعتمد على المراهنة والقمار، وعطايا الشركات والبنوك الأجنبية وتبرعات بعض أكابر المصريين، الذين انضموا للمحافل الماسونية إما عن جهل بحقيقة الماسونية أو طلباً للوجاهة الاجتماعية أو لتحقيق منافع تجارية، وقد كشف تقرير نادر عن ميزانية المحفل الأكبر فى المدة من 1 يناير 1929 ـ 31 ديسمبر 1929 عن أن كشوف التبرعات التى كان يتصدرها الملك فؤاد ملك مصر بلغت التبرعات 782 جنيه مصرى و 75 قرشاً، وهو ما أفصح عنه جرجى زيدان مؤرخ الماسونية فى كتابه " تاريخ الماسونية العام " : ( .. وقد تمتعت الماسونية فى مصر برعاية ولاة النعم ).

وكان الماسون يرفضون الكشف عن سجلاتهم أو مستنداتهم أو مصادر تمويلهم، لأنه يتعارض مع السرية التامة التى تعد من أهم سمات الماسونية منذ إنشائها، بحيث لا تسمح القوانين الماسونية لأحد ولا حتى للدولة التى تعيش فى كنفها، أو لأعضائها العاديين بالاطلاع على أعمالها ونشاطها وطقوسها؛ ولذلك هربت إدارة المحفل الماسونى جميع المستندات والسجلات إلى لندن فور انقلاب يوليو 1952؛ وهو ما دفع  بالحكومة لحل الجمعيات الماسونية فى أنحاء البلاد فى 16 ابريل 1964 بعدما رفض محفلها الأكبر تفتيش وزارة الشئون الاجتماعية طبقاً للقانون.

رشاوى الشركات الاستعمارية:

 

كانت بعض الشركات الاستعمارية الكبيرة كشركة قناة السويس وبعض البنوك الأجنبية والشركات اليهودية التى تتحكم فى اقتصاديات مصر أيام الاستعمار الإنجليزى تخصص ميزانيات خاصة لتوزيعها على إدارات الصحف المصرية تحت اسم إعانات أو مساعدات وأحياناً تحت بند الإعلانات.

وقد وضع تقرير أمام جمال عبد الناصر بعد تأميم شركة قناة السويس يكشف أن الشركة قبل التأميم كانت تخصص من ميزانيتها سنويا مبلغاً يزيد على المليون جنيه لتوزيعها على الصحف والكتّاب فى صورة  هبات وإعلانات، حتى تضمن هيمنتها على أقلامهم وحتى لا يهاجموا أعمال السيطرة والاستغلال التى كانت تقوم بها *، وكان أصحاب الصحف يجدون سعادة لما كانت الشركات الاستعمارية تدفعه إليهم من مرتبات ومخصصات سنوياً.

* جميل عارف، أنا وبارونات الصحافة، ص ـ 102.

ولم يكن أى منهم يجد حرجاً فى أن يكتب بخط يده رسالة شكر وامتنان لرئيس الشركات الاستعمارية لمبادرته بإرسال المبالغ المقررة له ولجريدته فى المواعيد المتفق عليها.

الحكومات الحزبية

والمصروفات السرية:

 

كانت الحكومات الحزبية التى تعاقبت على حكم مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952 تسعى للدعاية لنفسها من خلال شراء ذمم بعض الصحفيين، بإغراء المال فأدرجت أسماء هؤلاء الصحفيين فى كشوف المصروفات السرية. التى كانت تطلق عليها اسم مساعدات اجتماعية أو إعانات... وأحياناً اسم مكافآت لبعض الصحفيين.

وكان هؤلاء الصحفيون يتوجهون فى أول كل شهر لتسلم المبالغ التى كانت مقررة لكل واحد منهم من خزينة وزارة الداخلية.

ولم يكن بعض هؤلاء الصحفيين يجد حرجاً فى أن يوقع بإمضائه فى كشوف هذه المصاريف السرية اعترافاً منه بتسلم ما كانت الحكومة تخصصه له.

البرلمان

والمصروفات السرية:

 

الغريب فى الأمر أن البرلمان ممثلاً فى مجلسى الشيوخ والنواب كان يوافق على هذا البند الخاص بالمصروفات السرية عند مناقشة الميزانية بلا أدنى اعتراض، وكانت تختلف قيمتها من وزارة إلى أخرى، وإن كانت تتراوح ما بين 150 ألفا و 250 ألف جنيه فى السنة الواحدة.

وكان لكل حكومة قائمة بأسماء الصحفيين الذين يحصلون على  هذه المصروفات السرية. وكان بعض الصحفيين قاسما مشتركا فى قائمة كل الحكومات.

توفيق نسيم

فى "عش الدبابير":

 

عندما تولى توفيق نسيم باشا رئاسة مجلس الوزراء فى عام 1935م كان شرطه الرئيسى لقبول تولى منصب رئاسة الحكومة هو إلغاء المصاريف السرية من ميزانية الدولة، وعندما اتخذ قرار الإلغاء، لم يعجب موقفه الذين كانوا يتقاضون هذه المصاريف السرية فأخذوا يتربصون لأخطاء وزرائه ويهاجمونهم؛ حتى يظهروه بموقف العاجز عن تولى منصب رئيس الحكومة.

وعندما مرض الرجل وسافر إلى النمسا للعلاج تعرض لحملات صحفية حول ما ادعوه عن غرام رئيس الوزراء العجوز بممرضته الحسناء النمساوية مارى هوبكنز.

وتعرض الرجل المريض لنهش الكلاب المسعورة وطعنات الأقلام المسمومة، ولقى ما لم يلقه أحد من رؤساء الوزراء  قبل الثورة، بالرغم مما كان معروفاً عنه من نزاهة وأمانة وعفة نفس.!

.. صحفيو القصر:

وكان للقصر الملكى قائمة تشمل عدداً من الصحفيين الذين كان يُطلب إلى رئاسة مجلس الوزراء، وإلى وزارة الداخلية أن تدفع لهم مبالغ شهرية ضخمة من ميزانية المصروفات السرية.

وكان أبرزهما  كريم ثابت المستشار الصحفى للملك فاروق وإدجار جلاد الصديق الشخصى له وصاحب جريدتى الجورنال دى يجيبت والزمان، وكان كلاهما يحصل على 1000 جنيه شهرياً.

المصرفات السرية فى أول

 اجــتماع لنقابة الصحفيين:

 

فى أول اجتمـــــــاع للمجلس المؤقت لنقـابة الصحـــــــفيين يوم 8 أبريل سنة 1941 والذى عقد فى مكتب جبرائيل تكلا قى جريدة الأهرام، بعد أسبوع واحد من صدور المرسوم الملكى بإنشاء النقابة فى 31 ـ 3 ـ 1941، أراد محمد التابعى وكان مالكاً ورئيساً لتحرير مجلة آخر ساعة أن يثير عاصفة أثناء اجتماع المجلس المؤقت للنقابة حول مصادرة مجلته التى صدر قرار من وزير الداخلية بمصادرتها فى نفس الأســــبوع الذى عقد فيه الاجتماع.

ادعى التابعى أن حكومة حسين سرى أرادت تحية نقابة الصحفيين بمناسبة صدور المرسوم الملكى بإنشائها، فصادرت مجلة آخر ساعة واقترح أن يصدر المجلس بياناً يعلن فى احتجاجه على قرار المصادرة.

ورفض المجتمعون فكرة إصدار مثل هذا البيان للاحتجاج على قرار المصادرة قبل التحقيق فى أسبابها. وأمام إصرار التابعى كاد الاجتماع ينقلب إلى مشاجرة وتشابك بالأيدى بعد أن رد عليه فارس نمر باشا قائلاً:

- "شو احتجاج يا أستاذ تابعي.. أنت ماكو قابض إمبارح 500 جنيه من حسن رفعت باشا وكيل الداخلية".

وأدرك أعضاء المجلس المؤقت ما كان يعنيه الرجل فاتجهت بأنظارهم ناحية محمد التابعى الذى كان يرتجف فى مكانه من الصدمة، ويؤكد أنه ليس وحده الذى يحصل على هذه المصروفات السرية لأن بعض أعضاء المجلس المؤقت لنقابة الصحفيين يتقاضونها فى صورة مكافآت شهرية من الحكومة.

إسفاف لا يليق:

تدخل فكرى أباظة لتنظيم الجلسة وضبط مستوى الحوار قائلاً:

- يا جماعة.. إحنا لا نملك إهمال الشكوى التى تقدم بها الأستاذ التابعى لمصادرة مجلته، وعلينا أن نناقش الموضوع حتى نتعرف على الظالم والمظلوم فى القضية.

وعاد  الهدوء إلى اجتماعات المجلس المؤقت لنقابة الصحفيين.

وتبين من المناقشة التى دارت حول الموضوع.. أن مجلة (آخر ساعة) كانت قد نشرت خبراً عن زوجة عبد القوى بك أحمد وزير الأشغال  فى حكومة حسين سرى باشا، قالت فيه إن زوجة الوزير شوهدت وهى ترقص بلدى فى حفل عائلى أقامته لصاحباتها فى بيتها.  

وأثار الخبر أزمة وزارية، وطلبت زوجة الوزير الطلاق غضباً من زوجها الذى لم يستطع حماية كرامتها ومنع نشر هذا الخبر الذى أساء إليها كثيراً. وبادر الوزير بتقديم استقالته إلى حسين سرى باشا رئيس الوزراء جاء فى أسبابها:

"قالوا.. إن زوجتى راقصة، ولذلك أنا لا أصلح أن أكون وزيراً فى حكومتك.. أو فى حكومة أخرى !."

  وكانت أغرب أزمة وزارية فى تاريخ مصر، ووجد حسين سرى باشا الحل عندما أصدر تعليماته إلى وزارة الداخلية بمصادرة  مجلة "آخر ساعة" إرضاء للوزير ولإقناعه  بسحب استقالته.

وكان قرار المجلس المؤقت لنقابة الصحفيين فى أول اجتماع له.

- أن الخبر الذى نشرته (آخر ساعة) عن زوجة الوزير يعتبر إسفافاً لا يليق.

   وأن قرار الحكومة التزم جانب الحق !

 

دعوة هيكل

لتطهير الصحافة:

بعد الثورة بعشرين يوماً، وفى 13 أغسطس 1952 ، دعى محمد حسنين هيكل لتطهير الصحافة ، فى مقال نشره فى (آخر ساعة) جاء فيه:

إنى أقولها بصراحة ـ وأنا أعتقد أنها ستجلب لى متاعب الدنيا والآخرة ـ إن بلاط صاحبة الجلالة فى حاجة إلى تطهير كبير، لقد كان الملك السابق كارثة على مصر، هذا صحيح، وكان زعماء الأحزاب السياسية كارثة على مصر، هذا صحيح، وكان محترفو السياسة كارثة على مصر، هذا أيضاً صحيح، ولكننا ـ نحن بلاط صاحبة الجلالة ـ كنا كارثة أخرى، ويجب أن نعترف أن علينا مسئولية كبرى فى كل الذى صارت إليه الأحوال، ولقد بدأت مصر كلها تنادى بالتطهير وعلينا نحن أيضا أن ننادى مع مصر بالتطهير، تطهير أنفسنا قبل تطهير الآخرين.

إن الصحافة اليوم ليست ملك أصحاب الصحف ولا ملك المحررين، إنما الصحافة اليوم مؤسسة عامة تؤدى دوراً بالغ الخطورة، إنها أشبه ما تكون بعجلة القيادة للرأى العام، وينبغى أن تتوافر كل الضمانات لعجلة القيادة، فلا يكون بها خلل ينحرف بالمركبة إلى اليمين حيث ينبغى أن تكون إلى اليسار، أو ينحرف بها إلى اليسار حيث ينبغى لها أن تكون إلى اليمين، لا يستطيع أحد أن يركب سيارة أصيبت عجلة القيادة فيها بخلل، خصوصاً إذا كان سيقطع بها طريقا شاقا مليئا بالمنحنيات والمنعرجات.

إنى لا أطالب بالحد من حرية الصحافة بل العكس أنا أعتقد أن الصحافة الحرة هى المعنى الوحيد للديمقراطية، ولكن اسمعوا ما حدث فى إنجلترا، وإنجلترا هى بلد حرية الصحافة مهما اختلفنا فى الرأى حول سياسة الإنجليز، بعد الحرب العالمية الأخيرة ثار فى مجلس العموم لغط حول الصحف البريطانية واتجاهاتها وقرر مجلس العموم تأليف لجنة برلمانية لفحص حالة الصحافة البريطانية وتضمن هذا ما يلى :

ـ فحص الحالة المالية للصحف البريطانية ومن هم أصحابها ومن هم حملة الأسهم وما مصادر تمويلها.

ـ فحص حالة الصحافيين وما هى اتجاهاتهم وما الآراء والتيارات التى تسيرهم فى الطريق الذى يسيرون فيه؟.

حدث هذا فى إنجلترا بلد الحرية الصحفية التى لا تعرف حدوداً. أما فى مصر فإن الحكومات تصرف مرتبات سرية لعدد من الصحافيين، أما فى مصر فإن تيارات كثيرة ومصالح متشابكة معقدة ـ بل ومريبة ـ تعمل عملها فى الصحافة وليس هناك من يطالب بحساب أو بعقاب. وبعد فدعونى اقترح ثلاثة حلول ولتكن لنا الشجاعة فى مواجهتها :

ـ ينبغى إلغاء المصاريف السرية للصحافة فوراً.

ـ ينبغى أن تعلن أسماء جميع الصحافيين الذين استحلوا لأنفسهم أموال المصاريف السرية فى جميع العهود.

ـ ينبغى أن يقوم ديوان المحاسبة ( الجهاز المركزى للمحاسبات حالياً ) بفحص حسابات جميع الصحف المصرية لنعرف ما هى مصادر تمويلها وكيف تعيش.

هذا هو الطريق للتطهير، تطهير أنفسنا قبل تطهير الآخرين.

العقاد

و" تطهير الكتابة " :

وقد دعا عباس محمود العقاد إلى تطهير عالم الكتابة فى مقاله بمجلة الهلال ـ عدد نوفمبر 1952 ـ بعنوان : " عالم الكتابة والكتّاب فى حاجة إلى التطهير " ، وعام الكتابة يشمل الكتابة فى الصحف كما يشمل كتابة المصنفات والرسائل وكل كتابة منشورة على العموم . مستلهما ما جاء فى مقال هيكل من أفكار بعدما أضاف إليه المسئولية الاجتماعية لجماهيرالقراء فى محاسبة كل كاتب على كذبه وزوره وتضليله للرأى العام .

بدأ العقاد مقاله بضرورة تطهير عالم الكتابة لكونها المسيطرة على أقدار الشعوب وهى الموكلة بالتذكير والتبشير بغير شريك ولا نظير ؛ ولأن الكتابة فى الأمة صورة للكاتب والقارئ فى وقت واحد ، فإذا حسنت هذه الصورة فهى علامة حسنة على خلائق الكتاب وعقولهم وعلامة حسنة كذلك على الأخلاق والأفكار وحسن الإدراك عند القراء، وأن الفضل فضلهم فى صدق كتابهم ونهوضهم بأمانتهم ، لأن هؤلاء الكتاب لا يقدرون على الكذب والزور حيث يظهر الكذب والزور بيناً لكل قارئ .

وأنهى العقاد مقاله بأن تطهير الكتابة تطهيران : تطهير من جانب الحكومة وتطهير تقع مسئوليته على جمهور القراء

 

مهمة الحكومة :

ـــــــــــــــــــــــــ

تطهير من قبل الحكومة وتطهير من قبل القراء ، والتطهير الذى تستطيعه الحكومة أن تراجع أضابير الدواوين وتستخرج منها أسماء أصحاب " الرواتب السرية" فى عهد كل وزارة غابرة ، وأن تحاسب الوزراء الذين أخذوا من خزانة الدولة مالاً باسم المصاريف السرية وكيف أنفقوه وعلى من وزعوه ، وكيف استجازوا أن يستعينوا بمال الأمة على تضليل الأمة وحملها على قبول الرأى المأجور والثناء الزائف والفكرة التى يكتبها الكاتب غير مؤمن بها ولا مخلص فى الدفاع عنها .

وأوضح العقاد أن المصاريف السرية ليست هى كل الأجرة التى يؤجر بها أصحاب الأقلام المسخرة والضمائر الخربة ، فهناك الوساطات فى الصفقات والمنافع وهناك السمسرة  "الأدبية" فى الشفاعات والاستثناءات .

وطالب العقاد الحكومة بكشف ما تم صرفه من خزائن الأحزاب والشركات على شراء الأقلام وترويج النفوذ الذى يسيطر على الحياة من غير الطريق المستقيم .

وأكد العقاد على ضرورة فضح الأقلام المأجورة التى تسخرها الدول الأجنبية جواسيس على أوطانها لتفسد سياسة أوطانها وتخدم مصالح تلك الدول .

مهمة القراء :

ـــــــــــــــــــــ

أما التطهير الثانى فهو من قبل القراء الذين يجب أن يحترموا عقولهم ويضنوا بمصالحهم العامة أن تلعب بهم أقلام المأجورين . فيحاسبون كل كاتب على كذبة وزوره ، ويقابلون ما يكتبه بالإعراض فلا تروج له تجارة بينهم ، ويصبح منبوذاً ويظل عبرة لغيره ممن يكذبون ويزورون .

 

 مؤتمر استعراض القوة:

نظمت نقابة الصحفيين فى مارس 1953 أول مؤتمر للصحفيين العرب فى القاهرة، وكتب محمد حسنين هيكل مقالاً فى "آخر لحظة"، التى كانت تصدر كملحق لمجلة آخر ساعة وكان رئيساً لتحرير المجلة، يعترض فيه على إقامة هذا المؤتمر، وكان يتردد فى ذلك الوقت أن أصحاب الصحف وصحفيى المصاريف السرية أرادوا أن يستعرضوا بهذا المؤتمر عضلاتهم فى مواجهة مجلس قيادة الثورة، حتى يبتعد المنادون بتطهير الصحافة عنهم فلا تشملهم عمليات التطهير.

وكرر هيكل مطالبه ولم تمر هذه المقالة بسهولة، لم يسكت الصحافيون هذه المرة، خاصة أن العلاقة أنذاك بين الصحافة والثورة لم تكن طيبة، فى وقت كانت فيه الدبابات والسيارات تقف بالقرب من دور الصحف مستعدة ومتحفزة.

"بطحة" النقابة:

بعد نشر المقال تحسس القائمون على أمر النقابة رءوسهم وقرروا إحالة هيكل إلى مجلس تأديب بتهمة إهانة المهنة، وبالفعل تحددت جلسة 26 أبريل 1953 لمحاكمته، دون أن يسبق ذلك تحقيق أو استجواب أو سؤال كما ينص القانون، وكانت فرصة لأن يرد هيكل بمقال أشد عنفا، نشره فى (آخر ساعة) فى 23 إبريل عام، 1953 كتب فيه :

لقد وقفت نقابة الصحافيين ضدى وأحالتنى إلى مجلس تأديب، ووقف الرأى العام معى فتلقيت مئات

من المكالمات التليفونية والبرقيات والرسائل، كلها تشعرنى أنى لست وحدى، هكذا رد الفعل عن نقابة الصحافيين، وهكذا كان رد الفعل عند الرأى العام، فهل يمكن أن تكون هناك هوة أعمق من هذه وأعرض؟.

ثم أضاف متحديا : "أريد أن أقف أمام مجلس التأديب لأكرر ما قلته."

***

تجميد القرار:

عقد مجلس النقابة اجتماعا لبحث تحدى هيكل لهم، وانقسم أعضاء المجلس على أنفسهم، وكان تخوفهم أن يتحول مجلس تأديب هيكل إلى محاكمة للمتورطين منهم الذين وردت أسماؤهم فى كشوف المصاريف السرية، والتى سربها إليه صديقه البكباشى جمال عبد الناصر.

وكان قرارهم: هو تجميد القرار، ورفع الأمر إلى القضاء، وكانت هذه أول دعوى من نوعها ترفعها نقابة الصحفيين ضد صحفى منذ صدور قانون نقابة الصحفيين سنة 1941، تاركة للمحكمة مهمة تحقيق وقائع الدعوى، وجاء فى  مذكرة النقابة أن مجلس النقابة لم يتول التحقيق فى هذا الموضوع بالذات نأيا منه عن أية شبهة فى قضية وضع الكاتب نفسه طرفا فيها، ووضع الصحافة ونقابتها طرف خصومة، وأن مجلس النقابة ينزل عن حقه مختارا.

حكم البراءة:


وفى 2 يوليو  1953، قدم أحمد لطفى حسونة محامى أخبار اليوم مذكرة إلى محكمة الاستئناف ـ  محفوظة فى أرشيف أخبار اليوم - قال فيها:

ما كنا نظن أن الثورة الجامحة الحاسدة تدفع المجلس إلى هذا التجنى، فالمقال لم يزلزل الأرض ولا السماوات، وهو دعوة صريحة إلى الجد بعد حياة الذل الطويلة، ودعوة صريحة إلى حرية الصحافة وتنزيهها عن التملق والرياء ومسح أعتاب الحاكمين.. والمقال قبل ذلك وفوق ذلك لم يمس أحدا.

وقضت المحكمة ببراءة هيكل مما نسب إليه بسبب المقال، وقد نشرت جريدة الأخبار خبر حكم البراءة فى صدر صفحتها الأولى فى اليوم التالى.

حل النقابة:

بين "بطحة" هيكل للنقابة، وتحسس القائمين عليها لرءوسهم، وحكم براءة  الصحفى الشاب، تلاحقت الأحداث سريعاً؛  ففى 15 إبريل سنة 1954 أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بحل مجلس نقابة الصحفيين.. وتشكيل لجنة لإدارة شئون النقابة، تتكون من فكرى أباظة ووكيل وزارة الإرشاد القومى وممثل للنائب العام والمدير العام لحسابات الحكومة.

وقرر مجلس قيادة الثورة فى نفس الوقت تعديل قانون نقابة الصحفيين للفصل بين المحررين وأصحاب الصحف، وكان مجموعة من الصحفيين قد تقدموا إلى وزير الإرشاد القومى بمذكرة يقترحون فيها شطب أسماء أصحاب من جدول نقابة الصحفيين حتى تتحول إلى نقابة للمحررين فقط.

 

إعلان كشوفات

المصاريف السرية:

 

وفى نفس الوقت أذاع مجلس قيادة الثورة قائمة نشرتها الصحف اليومية فى صفحاتها الأولى فى اليوم التالى بأسماء 23 صحفياً، عُثر على وثائق ومستندات تثبت تقاضيهم لهذه المصروفات السرية، وهم:

حسين أبو الفتح ( نقيب الصحفيين ) ـ مصطفى القشاشى ( سكرتير عام النقابة ) ـ أبوالخير نجيب ( رئيس تحرير الجمهور المصرى )  ـ إحسان عبد القدوس (  رئيس تحرر روز اليوسف ) ـ فاطمة اليوسف ( صاحبة مجلة روز اليوســف ) ـ  قاســم أمين ( زوج فاطمـة اليوسـف ) ـ مرسى الشــافعى ( عضو مجلس نقابة الصحفيين ومدير تحرير جريدة المصرى ) ـ ألبرت مزراحى ( صاحب جــريدة التسـعيرة والصراحة ـ محــمد عبد المنعــم رخـــا ( عضو مجلس نقابة الصحفيين ) ـ دكتور إبراهيم عبده ( أستاذ الصحافة ) ـ دكتور حسنى خليفة (صاحب أول وكالة مصرية للأنباء) ـ كامل الشناوى ـ إدجار جلاد ( صاحب جريدتى الجورنال ديجيبت والزمان ) ـ كريم ثابت (رئيس تحرير المقطم والمستشار الصحفى للملك السابق ـ أحمد حسين  (المحامى ورئيس الحزب الاشتراكى وصاحب مجلة الاشتراكية ) ـ عبد الرحمن دنيا ( عضو مجلس نقابة الصحفيين ) ـ عبد الرحمن الخميسى (الكاتب بجريدة المصرى ) ـ عبد الشافى القشاشى ـ  عبد الرحمن زايد  (المحرر بجريدة المصرى ) ـ  أحمد محمود على عصفور ـ  محمد خالد (عضو مجلس نقابة الصحفيين ) ـ  محمد على غريب ( عضو مجلس نقابة الصحفيين ) ـ نعمة الله غانم .

 

-        وأذاع مجلس قيادة الثورة فى نفس الوقت قائمة أخرى بأسماء الصحف والمجلات التى تقاضت مصروفات سرية وبيانا بالمبالغ التى حصلت عليها :

 

مجلة روز اليوسف 19281 جنيهاً، جريدة الجمهور المصرى وكان صاحبها هو أبو الخير نجيب 2808 جنيهات، مجلة الصباح وكان صاحبها هو مصطفى القشاشى سكرتير عام نقابة الصحفيين 7222 جنيهاً، جريدة الأساس وهى الجريدة التى كانت لسان حال الهيئة السعدية 48000 جنيه، جريدة البلاغ وهى جريدة مسائية كانت معارضة للوفد ثم أصبحت مؤيدة له بسبب هذه المصاريف السرية 7900 جنيه، جريدة صوت الأمة وهى جريدة وفدية 2900 جنيه، جريدة النداء وهى جريدة أسبوعية وفدية 2200جنيه، جريدة الحوادث وهى جريدة أسبوعية 4550 جنيهاً جريدة السوادى 25250 جنيهاً، جريدة السياسة وهى جريدة ناطقة بلسان الأحرار الدستوريين 15500 جنيه، جريدة الدستور  3900 جنيه، جريدة بلادى 5300 جنيه، جريدة التسعيرة والصراحة  1000 جنيه جريدة المقطم 7198 جنيهاً، جريدة الزمان 12500 جنيه.

 

"دراويش" التصوف الاشتراكى

والبصـــاصين فى تكـايا الصحـف:

مع تأميم الصحف عام 1960 وتبعيتها  للاتحاد القومى ومن بعده الاتحاد الاشتراكى، أصبح الولاء هو المعيار الوحيد، وأصبح شرط عضوية الاتحاد الاشتراكى شرطاً رئيساً من شروط التعيين فى الوظائف الصحفية والقيد فى جداول نقابة الصحفيين، وسارعت النخبة من الضباط لتأخذ مكانها فى مواقع العمل الصحفى مثل مصطفى بهجت بدوى وأنور السادات وخالد محيى الدين ويوسف صديق ويوسف السباعى وأحمد حمروش وعبد المنعم السباعى، كما اختير بعض رؤساء التحرير من الذين كانوا يعملون فى الاستخبارات أو الأمن القومى مثل مصطفى المستكاوى وكمال الحناوى، وكان للشللية أيضا نصيب فأصبح المحرر الفنى لمجلة الإذاعة حلمى سلام من ثلة المشير عامر والمستشار الصحفى لزوجته الممثلة برلنتى عبد الحميد رئيساً لدار التحرير، ولجريدة الجمهورية..!!

 وانتقل بند المصاريف السرية إلى خزينة وزير الإرشاد الذى أصبح من أولى مهامه رعاية المنظّرين لما أسموه "فكر الثورة وصياغة فلسفتها" داخل حدود مصر، ورعاية منابر إعلامية وأقلام مأجورة خارج الحدود، وهو ما عبرت عنه دعابة الرئيس اللبنانى شارل حلو فى لقائه بالصحفيين اللبنانيين: "أهلا بكم فى بلدكم الثانى لبنان !!".

أما فيما يختص بصغار"البصاصين" وكتبة التقارير فى الوسط الصحفى، فقد انتقل بند المصاريف السرية إلى جهات أمنية تقدمه لهم فى شكل ترقيات وعلاوات ومكافآت ومنح وميزات، منها الحصول على شقق سكنية فاخرة وفيلات وسيارات من الأملاك الخاضعة للحراسة بأقل من قيمتها بكثير.

عطايا الفاسى:

 

بدأت زفة محمد شمس الدين الفاسى الذى قدم إلى مصر بدعوة من جريدة الأهرام مدعياً أنه رئيس لما يسمى بالمجلس الصوفى العالمى، وقامت مؤسسة الأهرام بترتيب لقاءات له مع كبار المسئولين وتنظيم دعاية بملايين الجنيهات توزع على الصحف المصرية برعاية مدير مكتب الأهرام فى لندن ورئيس دار المعارف، وعندما نبه أحمد بهاء الدين إلى الخطر الذى يهدد صحافتنا نتيجة لمحاولات اختراقها فى مقال فى يومياته بجريدة الأهرام بتاريخ 13 مارس 1986 تناول فيه الشيخ شمس الدين الفاسى وما يسببه من إساءة إلى صحافة مصر والصحفيين وكشف أسرار الرجل، ووهم الكيان الذى يدعى رئاسته، وما يحمله الرجل فى جعبته، وحجب الأهرام المقال بعد صدور الطبعة الأولى، وطلب من أحمد بهاء الدين كتابة مقال آخر لينشر فى الطبعة الثانية، وألا يتعرض من قريب أو بعيد للشيخ الفاسى، ولكنه رفض، وقرر أن يتوقف عن كتابة عمود يومياته احتجاجاً على قرار منع مقاله.

وكانت حجة الأهرام أن المؤسسة أبرمت عقد إعلانات مع الفاسى قيمته 300 ألف جنيه استرلينى، تم توقيعه عن طريق مكتب الأهرام فى لندن، وأن هذا العقد يفى بنصف تكاليف الطبعة الدولية.

 

 ولم تكد تنفض زفة المجلس الصوفى العالمى حتى تحول بعض الصحفيين إلى مندوبى دعاية لأعياد ميلاد الأميرة هند الفاسى ابنته والأميرة سماهر بنت ترك حفيدته.

 

رشاوى الريان

 

لم تكد تنفض  زفة العائلة ( الفاسية )، حتى بدأ مولد الريان الذى بدأ أولى خطواته فى تضليل الناس وجذب أموال الفقراء لشركاته بتجنيد عدد من الصحفيين والكتاب، الذين استخدمهم فى وظيفة المستشار الصحفى بمرتبات خيالية وأرباح خرافية من إيداعاتهم الوهمية فى "كشوف البركة" وإغراق الصحف القومية والحزبية بالإعلانات، ودفع عشرات الملايين للمؤسسات الصحفية القومية ( الأخبار ـ الأهرام ـ التحرير ـ دار الهلال ـ روز اليوسف ) لطباعة كتب من خلال عقود خلت من تسمية كمية المطبوعات ونوعيتها وأسماء الكتب وتواريخ التسليم ، لكن فقط التزام بتسليم مبلغ معين مقابل تسليم أعمال مطبوعة مبهمة فقط .

وقد وصلت البجاحة ذروتها بعرض فتحى الريان تقديم (قرض حسن) لأعضاء نقابة الصحفيين بمصر بمليون جنيه وبدون فوائد بقيمة 3000 جنيه لكل صحفى من خلال استمارات تحمل اسم وشعار الريان، قام بتوزيعها صحفى رياضى كان عضواً بمجلس النقابة، وهو الأمر الذى تصدى له شيوخ المهنة بحزم وفضح أغراضه الخفية وعلى رأسهم محمود المراغى وجلال عارف سكرتير عام النقابة آنذاك.

 

مرسيدس صدام:

 

فى عام 1988، وأثناء حضور الاجتماع التأسيسى لمجلس التعاون العربى، الذى كان يضم مصر والأردن والعراق واليمن قدم الرئيس العراقى السابق صدام حسين لكل عضو من وفد رؤساء التحرير المرافق للرئيس مبارك سيارة مرسيدس، بعد "الفضيحة" التى أحدثتها فى ذلك الحين، عندما رفض مصصطفى شردي رئيس تحرير الوفد  هدية صدام فأمر مبارك بنقل ملكية هذه السيارات للمؤسسات القومية والحزبية حتى لا تتهم الصحف المصرية بأنها مخترقة من نظم عربية.

 

مكرمة ملك البحرين:

 

فى ديسمبر 2006، سافر عشرة من رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة لمقابلة عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وانتشرت "تقولات" فى الأوساط الصحفية عن هدايا ثمينة  وأموال قدمت للشخصيات التى شاركت فى الزيارة وتساؤلات عن القيمة المهنية للحدث، التى تجعل عشرة من رؤساء تحرير الصحف المصرية يسافرون فى "قفة" واحدة على حد تعبير أحد كبار الصحفيين.

 

أموال البترول

لدار الهـــلال:

فى الوقت الذى بلغت مديونية قطاع البترول للبنوك 61 مليار جنيه، وأن وزارة المالية تدفع 2 مليار جنيه لكى يستمر القطاع فى عمله، بعد أن وصل معدل الاستدانة فى السنوات الخمس الأخيرة من 5 إلى 6 مليارات جنيه، وهو ما يماثل ربع الموازنة العامة؛ كشفت مستندات صادرة عن وزارة البترول عن شيكات مالية منحتها الوزارة لمؤسسة دار الهلال  الصحفية فى شكل إعانات وتبرعات.

كما كشفت المستندات عن خطاب مؤرخ 7 فبراير 2007 متضمناً تعليمات وكيل أول وزارة البترول إلى رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) بضرورة مساهمة الشركة القابضة والشركات التابعة لها فى إصدار سلسلة الهلال البترولى، مرفق به بيان بحصة مساهمة كل شركة بإجمالى قدره 485 ألف جنيه موزعة على النحو التالى إيجاس القابضة ( 110 آلاف جنيه)، غاز مصر (125 ألف جنيه)، جاسكو (125 ألف جنيه)، تاون جاس (65 ألف جنيه) وبتروتريد (60 ألف جنيه)، هذا بخلاف حجم المساعدات التى تمنحها الشركات القابضة الأخرى التابعة لوزارة البترول.

كما كشفت المستندات ذاتها عن أرقام شيكات ببعض المبالغ السابق بيانها، واعتماد مجلس إدارة جاسكو فى 8 أكتوبر 2007 صرف 250 ألف جنيه قيمة إصدار مطبوعات دورية بدار الهلال على مدار عام كامل بخلاف مبلغ الـ 125 ألف جنيه قيمة مساهمات جاسكو فى نشرة الهلال البترولى خلال العام نفسه.

 

صحفيو البترول:

تقدم إبراهيم يسرى المحامى والدكتور إبراهيم مصطفى زهران الخبير البترولى ببلاغ للنائب العام حمل رقم 6706  لسنة 2011 ضد كل من وزير البترول الأسبق سامح فهمى وحمدى عبد العزيز رئيس الإدارة المركزية للإعلام بالوزارة و محرر البترول بصحيفة الأهرام، جاء فيه:

 "أن حمدى عبد العزيز كان يُسخِّر بعض الصحفيين للتغطية على انحرافات وزارة البترول وذلك بشراء ذممهم.

صحفيو البنوك:

ذكر تقرير رقابى أن الجهاز المصرفى به العديد من المخالفات التى تعوق النمو داخل المجتمع، وأن نهب البنوك كان يتم بمظلة إعلامية من مجموعة من المحررين الاقتصاديين الذين تستروا على هذا الفساد مقابل رواتب خصصت لهم تتراوح بين 60  إلى 250 ألف جنيه شهرياً تحت بند مستشارين إعلاميين،  إضافة إلى حصة من الإعلانات لصحفهم يحصلون على عمولاتها.

مستشار وزير البيئة:

كشف مستند  صادر عن وزارة البيئة بتاريخ 2/ 8 / 2011 عن موافقة وزيرها على اعتماد 12 ألف جنيه  لصحفي عمل  مستشار الإعلامى للوزير أنذاك.


 

التمويل الأجنبى:

مع السنوات الأولى من القرن الـ21 عادت الصحف الخاصة مرة أخرى للوجود فى مصر، والتى حصلت على تراخيص من المجلس الأعلى للصحافة كشركات مساهمة، يمتلك الجزء الأكبر من أسهمها رجال أعمال أو شركاء يمارسون دور الغطاء المحلى للبرنامج الأمريكى المعلن لدعم الديمقراطية بإنشاء صحف ومواقع إلكترونية وقنوات تلفاز عربية. وقد ذكرت تسريبات ويكليكس أن السفارة الأمريكية بالقاهرة قد مولت بعض الصحف الخاصة فى عام 2006 بمبلغ 16 مليون دولار .

 وبعد سقوط نظام مبارك شكلت قضية تمويل منظمات المجتمع المدنى الحدث الساخن والأهم فى مصر، وقررت وزارة التعاون الدولى فتح تحقيق رسمى فى يوليو 2011 بعد أن أعلنت السفيرة الأمريكية فى مصر آن باترسون أن بلادها وزعت 40 مليون دولار لمنظمات غير حكومية وأشخاص وجهات سياسية منذ اندلاع الثورة، ما أدى إلى توتر سياسى بين القاهرة وواشنطن.

...