عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الخيانة العظمى

يحمل الشعب المصرى العظيم مكانة خاصة بين الأمم والشعوب فى شتى أنحاء العالم من حيث الحضارة والريادة وصفات كثيرة تبدأ بالكرم والطيبة وتنتهى بالتدين ومكارم الأخلاق، ويكفينا فخراً أن نبينا محمد «صلى الله عليه وسلم» قد وصف جندنا بأنهم «خير أجناد الأرض»، وقال إنهم «فى رباط إلى يوم الدين»، وقبل هذا وذاك قول ربنا فى محكم التنزيل «ادخلوها بسلام آمنين» فى إشارة واضحة لأرض الكنانة التى ضربت بجذورها القديمة فى دروب التاريخ البعيدة.

ولفظ مصر يا إخوانى يعنى «الحصينة» أو «المكنونة» وهى الدولة الوحيدة التى ذكرت فى الديانات السماوية الثلاث، وظلت لفترة طويلة رائدة العالمين العربى والإسلامى بما تملكه من أرصدة تاريخية كونتها عبر آلاف السنين، ففيها الأزهر منارة العلم، وفيها الكنيسة القبطية التى تعد إحدى الكنائس الخمس الأول على مستوى العالم.

عاش فيها سيدنا يوسف، وتزوج منها سيدنا محمد، وكلم فيها سيدنا موسى ربه فوق جبل الطور، ومر بها سيدنا عيسى فى رحلة العائلة المقدسة، وكتب عنها الشعراء والأدباء، وبها أوصى المصطفى «صلى الله عليه وسلم» عندما قال: «إذا فتح الله عليكم مصر فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لنا فيهم نسباً وصهراً».

وسط هذه المكانة العظيمة التى تقلدتها مصر قديماً وحديثاً ولد جيل الشباب ليجد نفسه محاطاً بتاريخ طويل يعرفه القاصى والدانى، فقام بثورته البيضاء على الظلم والفساد الذى أخذ ينهش فى جسد الأمة العظيم، ليخرج لنا فى النهاية بثورة من أعظم الثورات فى التاريخ الحديث.

وأظنكم يا إخوانى قد رأيتم صورة ميدان التحرير التى تصدرت كل فضائيات العالم وصحفه ومجلاته لما يربو على 18 ليلة كاملة، وذلك يدعونا للتأمل والنظر فى مكانة مصر ودورها بين دول العالم شرقها وغربها، شمالها وجنوبها على السواء، لماذا كل هذا الاهتمام ولماذا كل هذا الترقب ولماذا كل هذا الانتظار؟ الإجابة تكمن فى كلمات بسيطة «إنها مصر يا إخوانى».

لقد خرجت ثورة الشباب العظيمة بمجموعة من المعانى العظيمة وتحلت الأخلاق بأسمى معانيها، وأظنكم جميعاً لمستم ما حدث فى ميدان التحرير، لقد رأينا الصغير يحترم الكبير، رأينا الرجل يخاف على المرأة، رأينا الهلال يعانق الصليب، غابت عن أعيننا مظاهر السرقة والتحرش والبلطجة والفتن بكل أنواعها، وسادت بين أبناء المحروسة الذين توافدوا من كل حدب وصوب حالة من السمو الروحى وتكاتف الجميع واجتمعوا حول هدف واحد هو القضاء على النظام الفاسد الذى جثم على صدورنا طيلة ثلاثين عاماً كاملة.

لقد ضربنا مثلاً أمام العالم كله حول حضارتنا وتاريخنا لكن «وا أسفاه»!! فسرعان ما انتهت حالة الصفو والطمأنينة إلى حالة من الفوضى والانقسام وصلت إلى حد التشابك بين أبناء الوطن الواحد، ورأينا هذا يتهم ذاك بالخيانة والعمالة، والآخر يقول عن غريمه إنه من الفلول والأذناب، وتركنا وراءنا حالة من التشرذم وأصبحنا مقبلين على حرب أهلية لا تعرف الأطراف جميعاً أوزارها.

لقد رأينا بعد الثورة فتناً جديدة فهذا يُشعل النار فى كنيسة، وذاك يروع الآمنين فى وضح النهار، والآخر

يقطع طرق القطارات وقلة تقتحم وزيراً فى مكتبه، ومسيرات تجوب هنا وهناك للمطالبة بمجموعة من المطالب الفئوية الضيقة، لنجد أنفسنا بين ليلة وضحاها بلا سياحة ولا استثمار ويصل اقتصادنا إلى النقطة صفر، وتتحول الثورة إلى مجاعة يأكل فيها القوى الضعيف ونجد من بيننا فى النهاية من يتحسر على أيام النظام السابق.

وأياً كانت الظروف والملابسات يا إخوانى فالجميع فى النهاية شركاء فى هذا الوطن لابد أن يخافوا عليه ويصونوا ثورته ويحققوا مطالبه المشروعة، يسعون جميعاً إلى العمل والبناء والتعمير وليس الهدم والتدمير والتخريب، إننا نحتاج اليوم إلى أيد تبنى وتعمر من أجل مصر لا نريدها معاول للهدم وفزاعات للانقسام بين من يقول الدستور أولاً وآخر يقول الانتخابات قبلها!! فعلينا جميعاً أن نتفق وحسبنا من أيد غريبة تنبش بيننا لنصبح فى ذيل الأمم لا فى مقدمتها.

وأظن أن من يمتثل لمثل هذه الدعاوى لا فرق بينه وبين من يحاكم بتهمة الخيانة العظمى فالاثنان سواء، هذا لا قيمة عنده للولاء والانتماء، والآخر يعمل ضد مصالح الوطن وأمنه واستقراره ويتحالف مع الشيطان وكأنه يجهله!!

يا إخوانى إن الأمر جد خطير فمن منا لا يعلم أن هناك مؤامرات تحاك ضدنا فى الماضى والحاضر والمستقبل، ومن منا لا يعلم أن مصر مستهدفة من قوى كثيرة لها مصالح وأجندات لا يمكن تنفيذها إلا إذا سقطت مصر.. إن التاريخ يشهد ومصر سوف تبقى.. ولن أجد لأنصاف الرجال الذين يحاربوننا من خلف ظهورنا قولاً أصدق مما قاله شاعر النيل وتغنت به سيدة الغناء العربى حيث أنشد قائلاً على لسان مصر:

> وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أبنى قواعد المجد وحدى.

وبناة الأهرام فى سالف الدهر كفونى الكلام عند التحدى.

> أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق ودراته فرائد عقدى.

> إن مجدى فى الأولياتى عريق من له مثل أولاياتى ومجدى.

أنا إن قدّر الإله مماتى لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى.

> ما رمانى رامٍ وراح سليماً من قديم عناية الله جندى.