رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نعم ثورتنا جميلة .. ولكن إحذروا إجهاضها

أن الثورة التى إندلعت فى مصر يوم 25 يناير وأدت إلى الإطاحة بالنظام السابق للرئيس المخلوع .. لها طبيعة خاصة تختلف عن ثورة تونس أو ليبيا أو اليمن أو تلك التى فى سوريا ، لأن مصر هى مركز للتوجيه والتأثير فى العالم العربى وأى تغيير فيها سيؤدى حتماً إلى تداعيات هامة على المنطقة بأسرها ، ولذلك فالثورة المصرية محلية فى أهدافها وعربية وعالمية فى تأثيرها .

وهناك أمور أصبحت واقع لا يمكن إنكارها على المستويين المحلى والدولى ، فعلى المستوى المحلى تحققت أشياء منذ قيام الثورة وحتى الآن لم نكن نحلم أن تتحقق ولو بعد عشرات السنين لو بقى النظام السابق جاثماً على أنفاسنا بظلمه وجبروته المنقول إلينا من عهد إلى عهد ومن وريث إلى وريث ، ولعل أهم هذه الإنجازات أحكام القضاء الرائعة وأحدثها حكم حل المجالس المحلية وهو القرار الذى ظلت السلطة الانتقالية تتلكأ فى إتخاذه رغم أنه كان من أول الطلبات التى أجمع عليها الناس خلال الثورة .

أما على المستوى العالمى فقد تأثرت كل المجالات فى العالم من بنوك وبورصات وأسواق تجارية وبترول وشحن وطيران .. الكل تأثر إرتفاعاً أو إنخفاضاً فى نشاطه .. الكل كان يترقب ما يحدث فى مصر منتظراً ما تسفر عنه الثورة من نتائج ، بل يمكن الذهاب لأبعد من ذلك والقول بأنها سببت وبشكل مباشر قلقاً لأمريكا وجعلت إسرائيل تشعر بالهلع وتتصنع طمأنة النفس وهذا يفسر زيادة الجزء المخصص من موازنتها للتحصين وزيادة القوة الدفاعية لمواجهة آثار التغيير لربيع الثورات العربية .

 ورغم التفاؤل العام الذى ساد عقب الثورة وما حققته من نجاح تمثل فى الإطاحة برأس النظام وعدد من رموز الفساد فى نظامه إلا أن الأحداث التى تشهدها البلاد فى الفترة الأخيرة لا تدعو للارتياح وتمثل خطورة شديدة ليس فقط على إنجازات الثورة ولكن على مستقبل البلاد ككل ، ولن أكون متفائلاً تماماً كالبعض أو متشائماً تماماً كالبعض الآخر ولكن يجب أن نكون حذرين من تأثير الأحداث الجارية لأنها ترجح كفة إنتعاش الثورة المضادة وإجهاض ثورتنا البيضاء الجميلة ، بل إنه من الواضح أن هناك من يعبث لنشر الفزع والفوضى ومقاومة التغيير خوفاً على مصالحه التى ومن المؤكد يشوبها شئ من الفساد .

ومن هنا يصعب على الإنسان أحياناً أن يتنبأ بما هو آت خاصة إذا تداخلت الأحداث وتشابكت وأصبح هناك حالة من عدم وضوح الرؤية .. كما هو الحال الآن فى ظل ما نعيشه من أحداث جسام بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث أن هناك عوامل كثيرة تُصعب علينا إستشراف المستقبل لمصرنا الغالية فى ظل هذه الضبابية والتمويع للأمور ولمجريات تنفيذ مطالب الثورة .

وكما هو الحال فى كل الثورات أن يبحث فلول الأرذال والفاسدين من النظام السابق عن مدخل ومرجعية لهم ليعودوا بالزمن إلى الوراء لينعموا بما كانوا عليه من ظلم وجور وفساد فى الحياة بكافة أشكالها متخذين فى ذلك كل السبل من إنفلات أمنى مازال قائماً حتى الآن و فتنة طائفية ضربت أواصر الوحدة بين طرفى الأمة أكثر من مرة وفى فترة زمنية وجيزة ، وكذلك تحريك الشائعات والتخبط السياسى بين الإئتلافات والحركات – والتى أشك فى نوايا بعضها – والأحزاب وإحداث ذرائع ووقيعة بين الجيش والشعب وبين الشرطة والشعب – أكثر مما هو حاصل الآن ، كل ذلك يُعِـينهم ويمكنهم من تحقيق مرادهم والوصول إلى بغيتهم غير عابئين بالبسطاء والفقراء الذين طحنتهم الحياة برحاها .. غير عابئين بالشهداء الذين روت دماؤهم الميادين والشوارع ولطخت أسلحتهم وسياراتهم .. غير عابئين بأهالى هؤلاء الشهداء الذين لفتهم حرقة فقدان الأب والإبن والزوج وباتوا يحلمون بالإنتقام والقصاص لذويهم ، بل إن هؤلاء الفاسدين يحاولون حتى الإفلات من المساءلة ونيل العقاب الشرعى والعادل لما إقترفته أيديهم فى حق الشعب الذى إئتمنهم على البلد وخانوا الأمانة أبشع خيانة .

 

 

ولكن يبقى هناك بعض الأمور غير المفهومة تصفعنا يومياً لتذكرنا بأن الثورة المضادة تسرى بيننا وتحاول الإلتفاف علينا .. مثل إستمرار حالة الانفلات الأمنى وتجاوزات الشرطة فى مواجهة المتظاهرين وهذا يؤكد فساد سياسة جهاز الشرطة متمثلاً فى قياداته التى كانت تخدم كيان فسد حتى النخاع وإستقر فى عقيدتهم أن المهمة الأصيلة للشرطة هى ترويع المواطنين وليس خدمتهم وحمايتهم ، وهذا ما دعا الثوار يطالبون وبإصرار على تطهير هذا الجهاز وجاءت التلبية متأخرة كثيراً ، ولا أفهم لماذا لا يتحرك المجلس الأعلى – وهو الحاكم لمصر الآن – إلا تحت الضغط من الثوار حينما يتظاهرون ويغلقون ميادين مصر .

ومن الأمور الأخرى ما نراه من شواهد باتت تؤكد أن السلطة الإنتقالية ساعية لإنتخاب مجلسى شعب وشورى أولاً وتكون الغلبة فيه للتيارات الإسلامية المتشددة وأصحاب الأعمال وبعض فلول الحزب الوطنى المنحل – التى مازالت تمسك بخناق الإقتصاد والإدارة فى البلاد – ليقوم المنتخبون من أعضاء المجلسين تحت إشراف المجلس العسكرى بوضع دستور نخشى أن يكون صورة مُحسنة من الدستور القديم يُعيد السلطات المطلقة للرئيس القادم ويحوله إلى فرعون جديد وأن يُبقى هذا الدستور على أسس التنظيم الرأسمالى الإحتكارى مُعيداً علينا صوراً أخرى من تزاوج السلطة والثروة مسبباً سوءات أكثر فداحة فى البطالة والفقر ومهدراً للعدالة الإجتماعية ، ولو تحقق ذلك كله سيخرج علينا من رحم هذه الثورة البيضاء جنيناً مسخاً بادى القبح يحمل صفات دميمة من أغوار النظام الفاسد الذى أُسقط ، إضافة إلى الغل والكيد للشعب الذى قام بالثورة والتغيير .

ومن الأمور الهامة أيضاً هذا الهراء المفتعل والتراشق بالألفاظ والمداخلات التليفزيونية والإتهامات المتبادلة ، إضافة إلى كثرة الجدال والإختلاف حول ترتيب الأحداث أيها يأتى أولاً : الدستور أم الإنتخابات البرلمانية أم الرئاسية ، ولا أعلم لما كل هذا الجدال والأمر فى غاية البساطة وهو أن الشعب فى نهاية الأمر لابد أن يقول كلمته فى كل منها إما بالقبول أو الرفض بغض النظر عما يأتى أولاً أو أخيراً ، ومن ثم فعلينا ألا نتخلق بأخلاق الذباب التى يتبناها فريق من الناس الآن بالوقوف على الأخطاء والسعى لتصيدها وإثارتها مستهلكين جهدهم بحثاً عن الملفات القديمة أو تصفية الحسابات الشخصية تاركين العمل والإنتاج ، وإنما علينا أن نتخلق بأخلاق النحل التى لا تأكل إلا طيبا ولا تفرز إلا طيبا .

ولا أخفى عليكم أن هناك شعور بأن المجلس العسكرى يريد " تسكين" الثوار وليس تحقيق مطالبهم فتتم الاستجابة للمطالب ببطء وبعد ضغوط حتى يمل الثوار ويتناسون أو يتنازلون عن بعض مطالبهم ، وأخشى أن ما ما يحدث الآن من تخبط وخطوات بطيئة سيؤدى إلى التقاط النظام البائد لأنفاسه والإنقضاض على مكاسب الثورة  ولذلك فالمرحلة الراهنة لا تحتاج إلى التعامل بمقتضيات السلوك العسكرى وإنما تحتاج إلى التعامل بحنكة سياسية خبيرة فى إدارة الأمور فى مثل هذه الظروف ، أو بمعنى أوضح نريد أن يكون النظام السياسى خادماً للشعب لا سيداً عليه .

إن مصر كانت تعيش خلال الفترة الماضية ما يسمى بفترة " انسداد النهضة " و التى تحول فيه المجتمع المصرى إلى دولة رخوة فقدت دورها الوطنى و الإقليمى وهو ما أدى الى فقدها مكتسباتها الماضية وريادتها لدول أفريقيا مما صعب الأمر حين التعامل فى قضية مياة النيل ، بل إن النظام السابق حوّل مصر إلى عزبة أو وسية يرعى فيها الفساد ، منغلقة على نفسها لا تتصل بالعالم الخارجى ولا تعرف موقعها فى قاطرة التقدم التى زحفت إلى بلاد كثيرة كانت أقل من مصر منذ الستينات إلا أنها أنجزت فى اللحاق بركب التطور والتنمية فى الوقت الذى بقيت فيه مصر – إن جاز لى التعبير – على مسطبة التاريخ .

 

 

لقد دأب النظام السابق على سلسلة من الممارسات كان من شأنها تكريس حالة من إنعدام الثقة بين أفراد المجتمع وبعضهم ، وبينهم وبين الحكومة نفسها مما جعلهم لا يصدقون أية وعود ، وترسخت بداخلهم قناعة أن المستقبل لن يأتى بجديد وأن عليهم أن يفكروا فى ثلاثة أمور : الطعام والشراب – الأولاد وتأمين مستقبلهم – الكيف وكيفية الحصول عليه ، وأن عليهم ألا يفكروا فى ثلاثة أمور : السياسة العامة للدولة – التعبير عن رأيهم بحرية – المطالبة بحقوقهم ولو القليل منها .

أن هذه الترسيبات العقيمة لا يمكن أن تزول بين يوم وليلة ، لكن لا نريد لها أن تعيق تقدمنا نحو الغد الأفضل وسوف تبوء كل المحاولات المستميتة للثورة المضادة بالفشل إذا ظل

المجتمع نشطاً وفاعلاً وظلت الإرادة الشعبية قوية بالقدر الذى يجعلها المحرك الأوحد فى السياسة المصرية للدولة المدنية الجديدة .

إن خروج الثوار إلى ميدان التحرير والميادين الأخرى وإستمرار إعتصامهم حتى اليوم هو دفاع شرعى عن ثورة هذا الشعب ولإحيائها قبل أن تموت لأنهم أحسوا بذلك ونحن أيضاً ، كما أن قوى المعارضة التى كان من المتوقع مشاركتها نراها وقد تفتت إلى عشرات الأحزاب وتضاربت آراؤها ولم تحقق مكاسب كثيرة للثورة كما كان متوقع لها ، وهو ما شعر به الثوار اللذين جاءوا إلى ميدان التحرير وتحملوا الحر الشديد فضلاً عمن أضرب منهم عن الطعام حتى وصل لحد الإغماء ، إلا أن ذلك آتى بالنتائج المرجوة وتم الإعلان عن تعديل وزارى جديد وتغيير للمحافظين إضافة إلى عزل الكثير من القيادات فى الأجهزة الحكومية والذى نأمل أن يكون هذا التعديل وهذا التطهير هما القرار الصحيح فى الوقت المناسب .

لابد أن يعى كل مسئول فى هذه البلد من وزراء ومحافظين ورئيس الوزراء وأعضاء مجلسى الشعب والشورى القادمين بل حتى رئيس الجمهورية القادم .. أن الشعب المصرى له الحق فى التمتع بكافة الحقوق التى يحصل عليها البشر من تعليم متطور ورعاية صحية شافية وسكن آدمى يحفظ حياته وكرامته ، وعدالة إجتماعية وحرية فى التعبير عن رأيه فى حدود القانون والدستور وعمل شريف يحفظ له العيش بكرامة والوفاء بإحتياجاته وإلتزاماته .

ولا ننسى حقه فى قضاء عادل ومنصف وسريع حين يتخاصم الناس ، وأنه لا أحد فوق القانون والكل سواسية أمامه ، وأن تكون هناك شفافية فى عرض قضايا ومشكلات هذا البلد ليعلم الشعب إلى أين يذهب وأين يضع قدمه ، ويساعده فى ذلك أن يكون هناك إعلام حر مستنير ملك له – يكشف الحقائق دون تزييف ودون تهويل أو تهوين .

وليعلم هؤلاء المسئولون أيضاً أن هذا الشعب لن ينظر إلى الوراء مرة أخرى ولن يسكت على ظلم أو فساد .. فإذا وعى هؤلاء كل ذلك فلن نحتاج إلى ثورات أو إعتصامات أو تظاهرات بل لن يكون أمامنا سوى العمل والإنتاج لرفعة هذا الوطن وهذا هو المشهد الباهى الذى نتمناه ، ولكن لا يجب ألا نغمض الجفن عن البقعة السوداء فى هذا المشهد والتى من الممكن أن تطفئ نور هذا المشهد ألا وهى عدم تحقيق مطالب الثورة المعروفة والمحددة كأن يفلت الفاسدون من العقاب أو أن يبرأ قتلة الثوار .. ساعتها دعونا لا نتخيل ما سيحدث لأنها لن تكون ثورة ثانية ولكنها ستكون إجتياح من الشعب ضد الحكومة وضد جميع السلطات فى الدولة بكافة أشكالها ، ولن يكون ذلك سعياً لإسقاط نظام لأنه لن يكون هناك نظام وقتها ، بل ستعم الفوضى وسيرعى فيها البلطجية والخارجين عن القانون وسينقلب الأمر فى تصاعد سريع إلى موجات نهب وسرقة لثروات البلد أو ما تبقى منها سواء كانت ملكاً للدولة أو ملكاً للأفراد مع تخريب وحرائق بعد النهب والسرقة وستحدث جرائم خطف وإغتصاب وقتل لا حصر لها وسيتكرر مشهد فتح السجون وحرق أقسام الشرطة ، ولن يتلفت الناس إلى أقوال رجالات الدين أو المثقفين والحكماء من هذا الشعب وإنما سيختفى صوت العقل وستكون الكلمة العليا للجموع الغاضبة والقوة الباطشة والثأر بلا حدود .. وسأكتفى بذلك ولكم أن تتخيلوا باقى أحداث هذا المشهد الدامى ولن ينسى التاريخ هذا ولن تسامحنا الأجيال القادمة على ذلك .

 

لقد آن الآوان للفاسدين والسارقين الذين غفلت عنهم العيون أن يسكن عقولهم الحق وأن يسكن قلوبهم الضمير بل إن الآوان قد آن للعجزة والعواجيز ممن يتقلدون المناصب القيادية أن يستريحوا ويتركوا أماكنهم للشباب –الذين ضحوا بأنفسهم من أجل نسمات الحرية – ليأخذوا بزمام الأمور ودفة القيادة لهذا البلد بما لديهم من عزم وجهد لا يمل وبما لديهم من رؤية تناسب أفكارهم وأحلامهم وبما لديهم من ضمير وحب لهذا البلد وإحساس بنبض الشعب الذى عانى كثيراً وحان الوقت ليستريح ويأمن ويهنأ بالعيش ، وليلقى كل قاتل وفاسد وسارق جزاء ما إقترفت يداه ، ولا تأخذنا بهم شفقة ولا رحمة - التى نزعت من قلوبهم حينما قاموا بما بدر منهم تجاه هذا الشعب ، وأن تطبق عليهم كل القوانين المُعاقبة لجرمهم بما فيها " قانون الغدر " الذى يمنع ويجرم أى شخص يشغل منصب " موظف عام بالحكومة " أن يستغل وظيفته أو منصبه فى إفساد أو الإضرار بنظام الحكم أو الحياة السياسية أو التربح أو تسهيل الإستيلاء على المال العام .. والذى يعاقبه بعقوبات كثيرة أقلها عزله من وظيفته وأشدها إسقاط الجنسية المصرية عنه ، وتشمل هذه العقوبات رد الأموال التى سرقها ودفع غرامة مماثلة .

وليكن هدفنا الأسمى شمس للحرية بزعت ولن يغيب ضوؤها والثأر لشهدائنا من القتلة (من قتل ومن أمر بالقتل) بالقصاص العادل والسريع حتى تستريح أرواحهم ويُشفى الغليل فى صدور كل الآباء والأمهات الثكالى والنساء الأرامل ، ومعاقبة الناهبين لأموالنا وأرض هذا البلد تاركين الناس لا يجدون قوت يومهم ولا يجدون ما يغطى أجسادهم فى ليال الشتاء ، والعمل بجد لإسترداد هذه الأموال ، ولا ننسى النظر – بعين الرحمة والكرامة – لفقراء ومساكين هذا البلد عند التخطيط لبناء مصراً جديدة لنحقق المبادئ التى قامت من أجلها الثورة ودرءاً لأى خطر قد يأتى من بينهم تحت أى مسمى (ثورة جياع أو ثورة بلطجية) ، وحين تتحقق هذه الأهداف سنبدأ مشوار التنمية والتطوير لإعادة مصر الحقيقية على كافة الأصعدة داخلياً وخارجياً مستعينين بالله راجين إياه أن يحفظ مصر وأن يرسل علينا مع كل فجر جديد الأمن والحب والأمل والخير .