رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"النجم المضيء" لن ينطفئ

بقلم: محمود حسونة

تأخرت في الكتابة لأنني تأخرت في استيعاب الصدمة، ولا زلت أعيش حالة من الذهول منذ تلقيت خبر وفاة أعز الأصدقاء عادل القاضي. هل يعقل أن يكون سبّاقاً إلى الرحيل عن هذه الدنيا أكثر الشباب والرجال حيوية؟

حين يرحل الأحبة هكذا بغمضة عين، ترتبك مشاعرنا وتتصارع الأفكار والذكريات في أذهاننا، لتكر كالسبحة أمامنا مستعيدين معها أجمل اللحظات التي جمعتنا بهم. المشاهد تتوالى بلا ترتيب، فالخبر أربكها وأربكني، لحظة أراني مع عادل في الحرم الجامعي، ولحظة أسمع ضحكاته الأخيرة حين كنا معاً في الإمارات.. وبين الماضي والحاضر، تقفز تساؤلات لا تخطر في بالنا إلا بعد رحيل الأعزاء: ترى هل قلت له كم أحترمه وأقدره؟ ترى هل كان يعلم المعزة التي أكنها له؟ كم مضى من الوقت لم نتحدث فيه ولم نتواصل، لكن عادل كان ساكناً في ركنه الخاص الذي حجزته له في نفسي منذ أيام الجامعة.

أعود إلى الوراء 30 عاماً، وأحاول أن ألملم الذكريات الجميلة لأكتب بعضاً منها منذ بداية معرفتي به وحتى فراقنا قبل 9 أعوام عندما قرر العودة إلى أحضان الوطن بعد سنوات من الغربة تنقل خلالها بين السعودية والإمارات.

عرفته عام 1981، نجماً مضيئاً وسط 400 طالب وطالبة التحقوا للتو بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. وخلال سنوات الدراسة الأربع كان نموذجاً يُحتذى دراسياً وأخلاقياً. كان حريصاً على إقامة علاقة طيبة مع كل زملائه، وإذا رأى أحد الطلبة القادمين من الأرياف متقوقعاً على ذاته في ركن بعيد في المدرّج الجامعي، ذهب إليه محاولاً إخراجه من عزلته، مداعباً إياه وممهداً أمامه الطريق لينضم إلى الباقين. وإذا جمعتنا جلسة سواء في الجامعة أو المدينة الجامعية، لا يكل ولا يمل من مداعبة الجميع، وضحكته الشهيرة كانت من علاماته المميزة التي رافقته طوال حياته. وإذا حدث نقاش حاد ظهرت خلاله خلافات في وجهات النظر بين المتناقشين، تجده بسرعة بديهته وذكائه الحاد يحول الموقف إلى "هزار" ليجنب الرفاق مشكلة كادت أن تقع.

وأنا أتذكر هذه الأحداث، تنبهت إلى أن صديقي حمل ملامحه ونبل صفاته وأخلاقه في اسمه، فهو كان القاضي العادل بين الطلبة والزملاء.

ككل الطلبة الجامعيين، كان معظمهم ينقسمون إلى شلل، لكن عادل لم ينتم يوماً إلى أي شلّة، ولم أره مرة غاضباً من هذا أو متخذاً موقفاً من ذاك،

كما لم يشك من هؤلاء أو يحتد على أولئك. كان ببساطة، السهل الممتنع في علاقته مع الجميع.

أذكر جيداً ذاك الشاب الرومانسي العاشق لموسيقى فيلم LOVE STORY   وكنت كلما ذهبت إلى غرفته في المدينة الجامعية أجده يذاكر ولحن الحب رفيقه، وقد ترجم رومانسيته إلى واقع من خلال أشهر وأجمل قصة حب في كلية الإعلام، والتي ربطته برفيقة دربه هالة بعد التخرج. وكأن قصة حبهما انتصار لقيمة الحب الطاهر النقي الذي يعيش إلى الأبد ويترك آثاره في الأبناء فينعكس على شخصيتهم ويثري تجربتهم الحياتية والإنسانية.

بعد التخرج انصرف "النجم المضيء" للعمل في جريدة الوفد، وانصرفت للعمل في جريدة الأهرام، ولم نعد نلتقي إلا في المناسبات، وإن كانت صورته ظلت ترافقني حتى التقينا مرة أخرى على أرض الإمارات في جريدة "الاتحاد"، وعمل هو مسئولاً عن الديسك، وتحملت مسئولية قسم المنوعات وملحق "دنيا". وسوياً ومع الأصدقاء الآخرين، عشنا تجربة صحافية ناجحة جداً ومهمة في مسيرة حياة كل منا، رغم صعوبتها وقسوتها في بعض الأحيان.

ملامح "النجم المضيء" لم تبدلها الأيام، ولم تغيرها الظروف، ولم تنل منها الهموم والمسئوليات، وظل عادل القاضي يسير طوال حياته على نهج واحد لم يتبدل. وإن كنا قد افترقنا، إلا أنني تابعت أخباره ونجاحاته من خلال شقيقته لبنى وزوجها أحمد صفي وعبر صفحات الانترنت، حتى جاءني الخبر الصدمة الذي هزني.

في قلوب كل من عرف عادل حزن كبير، لكنني أصر على أن "النجم المضيء" لن ينطفئ، وستظل سيرته تضيء حياة أبنائه وزوجته وأخوته وتلاميذه وزملائه بعد رحيله.

[email protected]