عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الخروج من مأزق «تأسيسية الدستور»!

مصر الجديدة التي تضم كافة أطياف المصريين باتت في خبر كان! إن صح هذا التعبير.. أقصد أن مصر التوافقية التي ينشدها الجميع كلام في كلام ودردشة فضائيات وأخبار في الصحف لا أكثر ولا أقل..

فعلي أرض الواقع الأمور مختلفة تماماً، فالذي يحدث الآن هو استبدال مصر الحزب الوطني في حكم الفرد المطلق إلي مصر أخري يتحكم فيها تيار سياسي واحد وهو جماعة الاخوان.. ولذلك قلت قبل ذلك إن الذين تصوروا أن سيناريو 1954 الذي حدث في الماضي سيتم تكراره هم واهمون تماماً.. فالأمور التي نراها علي الساحة السياسية الان تؤكد استبدال المسميات فقط ولا غير، فبدلاً من اسم الحزب الوطني أصبح هناك الاخوان والسلفيون ولا عزاء لباقي الفصائل الاخري داخل المجتمع السياسي..
هناك خطر فادح بات يهدد الجماعة الوطنية التي تضم الاحزاب والقوي السياسية الليبرالية التي تسعي وتنشد دولة مدنية حديثة.. ويوم استأثرت «الجماعة» برئاسة لجان البرلمان كانت البداية الحقيقية لتطبيق سياسة الاقصاء لباقي الاحزاب السياسية، وفضل نواب الجماعة الوطنية الانسحاب من تشكيل اللجان، ظناً منهم أن جماعة الاخوان والسلفيين سيراجعون أنفسهم.. وشهوة السلطة تمكنت منهم ولم يفكروا في باقي الجماعة الوطنية علي طريقة الحزب الوطني البائد.. وكان من الممكن علي البرلمان أن يتفادي ذلك كله لو أحسن اختيار الجمعية التأسيسية  المكلفة بوضع الدستور.. وكان من الممكن ان يتم تمثيل جميع الطوائف والقوي السياسية بنسب معقولة لتفادي المأزق الكائن حالياً، لكن يبدو أن شهوة السلطة التي كانت تحلم بها الجماعة أعمتها عن ذلك..
ماذا يضير «الجماعة» لو أنها قامت بتشكيل الجمعية التأسيسية تشكيلاً متوازناً يضمن تمثيل جميع أطياف مصر، لأن الدستور يجب أن يكون معبراً عن جميع القوي السياسية وليس معبراً عن فصيل سياسي بعينه أو حزب معين بذاته.. لو تم ذلك كانت الأمور ستشهد مواقف اخري، لكن الانقضاض علي الثورة المصرية واتباع سياسة الاقصاء والاستئثار مرفوض جملة وتفصيلاً، وبدلاً من الأزمة الكائنة حالياً، كانت الامور ستشهد ما هو أفضل، لكن ماذا نفعل أمام شهوة السلطة التي تتملك غالباً من يحصدون مقاعد أكثر في البرلمان.. فما أشبه الليلة بالبارحة، ما أشبه الاخوان اليوم بالحزب الوطني السابق البائد.
وبما أننا الآن أمام أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية التي انفرد فصيل سياسي واحد بتشكيلها، وعدم وجود تمثيل لباقي طوائف المصريين الأخري، باتت الأمور تعني ضرورة الغاء تشكيل هذه الجمعية، والجلوس إلي طاولة المفاوضات من جديد للخروج من هذه الازمة، فلا المصريون راضين عن هذا التشكيل، ولا يجوز بأي حال من الأحوال انفراد فصيل واحد بوضع الدستور الدائم للبلاد.. واذا كانت الأزمة قد اشتعلت الان بين الحكومة والبرلمان والمجلس العسكري، وباقي الاحزاب والقوي الوطنية، فإن شهوة السلطة هي التي خلفت هذه الازمة، وهي التي تسببت في هذا المأزق.. وكنا نأمل في جماعة الاخوان المسلمين التي تسببت في كارثة انهيار مصر التوافقية، ألا تلعب هذا الدور، لأن الجماعة التي عانت علي مدار ثمانين عاماً من سياسة الاقصاء وجدناها الان تقوم بنفس السياسة التي شكت منها زمناً طويلاً.. المسألة ليست ثأراً، وممن تثأر؟!.. هل تثأر من شركائها في الثورة المباركة يوم وقف الجميع في خندق واحد لخلع رأس النظام وحاشيته؟!.. هل تثأر من الذين سالت دماؤهم الطاهرة والزكية لتحرير مصر من قبضة الظلم والقبضة الحديدية؟!..
الموقف الان يحتاج وبأسرع ما يمكن لأن تراجع الجماعة نفسها، ويتم اجراء حوار سريع جداً لضمان تمثيل جميع طوائف المصريين في التأسيسية التي ستضع دستور مصر.. ثم إن الازمة المفتعلة مع «العسكري» والحكومة يجب ألا يطول مداها فليس في صالح مصر والمصريين أن تكون هناك أزمة

مع «العسكري» ولا مع الحكومة ولا مع الاحزاب والقوي السياسية الاخري علي الساحة.. ليس لأن «العسكري» - لا قدر الله - سيقوم بما فعله جمال عبد الناصر عام 1954، وإنما لأن الوطن الان بحاجة إلي تضافر الكل البرلمان والحكومة و«العسكري» بصفته الحارس علي الثورة، وباقي الجماعة الوطنية من أحزاب وقوي سياسية والازهر والكنيسة وخلافهم.. مصر في حاجة ماسة وشديدة لأن يتضافر ابناؤها كلهم للخروج بها من هذا المأزق والعبور بها إلي بر الأمان.
ليس في صالح الاخوان أو أي تيار سياسي أن يتحمل المسئولية وحده للعبور بالبلاد من هذه الورطة الحالية، فالبلاد تحتاج إلي جهد كل مصري غيور ووطني.. ولماذا يتحمل فصيل واحد المسئولية في هذه المرحلة؟!.. ثم إن البلاد لم تعد تتحمل التجارب في ظل هذه الاوضاع المتردية، فالمواطن لم يعد يتحمل أكثر من ذلك وكفي ما لاقه وواجهه علي مدار عقود طويلة من القهر والاذلال والمهانة ولا يزال يعاني معاناة شديدة.. الصراع السياسي الدائر حاليا ليس في مصلحة المواطن فهو الوحيد الذي يتحمل فاتورة هذا الصراع، في حين أنه من المفروض أن يحصد ما فعله من ثورة عظيمة سيظل يذكرها التاريخ أبد الدهر.. الذي يحدث الآن هو خلاف ما كان يحلم به المواطن..
الآن لم يعد هناك وقت للتأخير بالوطن أكثر من ذلك، فمصر تنادي الجميع الحكومة والبرلمان و«العسكري» والاحزاب والقوي الوطنية للجلوس علي طاولة مفاوضات أولاً للخروج من مأزق تشكيل الجمعية التأسيسية، وعلي الجميع أن يتخلي أولاً عن شهوة السلطة والصعود إلي الكراسي، وثانياً وضع مصلحة الوطن والمواطن فوق أي اعتبار، وثالثاً الاجماع علي بطلان تشكيل «التأسيسية» بوضعها الحالي، ورابعاً اعادة تشكيل التأسيسية بمعايير مختلفة تضمن تشكيل كل طوائف الشعب المصري بلا استثناء، وبشرط تمثيل كافٍ ومناسب يبتعد عن سياسة الاقصاء..
حلم المصريين في الثورة كان هو دولة مدنية حديثة ديمقراطية ولا يمكن أن تتحقق في ظل سياسة الاقصاء والانفراد بالسلطة.. وعلي الجميع وبدون تخوين أن يتكاتف من اجل الوطن الجريح الذي يئن، ومن أجل المواطن الذي لا يجد فرقاً الان بعد الثورة وخلال حكم الرئيس المخلوع.. علي الجميع أن يضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.. ومن أجل ذلك لابد أن يشعر المواطن بأن السلطة ترعاه بعين الاهتمام فهل حلم المواطن المصري مستحيل؟!.. لا أعتقد ذلك.. والمصريون مهما صبروا علي بلواهم، لا يعرفون نسيان حقوقهم مهما طال الوقت..