رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مصائر شعوب ومصالح حكام

 

ﻻ تستطيع أى تحالفات لمصالح «إقليمية كانت أو دولية» أن ترهن إرادة وطن, قبل أن يبادر هو برهن خياراته أولاً.. تشرح هذه المقولة الوضع القائم للواقع العربى, فحين ظن الحكام أن الصدقات والعلاقات العامة ضمانة للتهديدات الإقليمية أو الأزمات الداخلية, بات الوطن العربى متخوفاً بين حدوده.

فعلى مدى عقود تعامل الحكام العرب مع أقدارهم بما هو أقل من قدراتهم, فوصلوا بأوطانهم إلى شفا الجرف, وأصبحت الأوطان على أيديهم كبيرة الحجم هائلة الصورة, محدودة التأثير, مغلولة الأيدى.
هكذا لخص الاتفاق الذى تم بين إيران من جهة والولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى، حال واقعنا العربى الآن, فقد جلس العرب ينتظرون ما سوف يسفر عنه الاتفاق الأخير, كأن الأمر لا يعنيهم, ارتكنوا إلى صدقاتهم وعلاقاتهم, قدموها على خياراتهم, ضحوا بالمعنى الحقيقى لأمنهم القومى.
ماذا فعل العرب تجاه محاولات إيران التمدد بنفوذها خارج حدودها؟.. ومحاولاتها الحصول على التكنولوجيا النووية؟.. وعقد صفقات السلاح؟.. كان أولى بهم مواكبة الحدث, إصلاح البيت العربى, والحصول على هذه التكنولوجيا بالعلم والمعرفة, وليس بالشراء والمال, فبعد كل هذا الإنفاق السعودى على البرنامج النووى الباكستانى, الذى ما كان له أن يتحقق بدون المال السعودى, نفضت باكستان التزامتها مع السعودية, فهل كانت السياسة السعودية حينها صواباً؟.. فقد ظنت أنها حين تنفق على البرنامج النووى الباكستانى, وتساعد فى تسليح الجيش الباكستانى فهى بذلك تضمن الولاء لها!.. فماذا بعد تخلى باكستان عن دعم السعودية فى حربها فى اليمن؟!
إن التمدد الإيرانى على الخريطة العربية الفاعل الأساسى فيه الأنظمة العربية, عندما جعلت من خصوماتها سواء الشخصية أو المحدودة هى المحرك لسياستها.
إن النفوذ المتنامى لإيران فى العراق المتسبب الأول فيه هى الأنظمة العربية, حين جلست على كراسى المتفرجين, تشاهد الغزو الأمريكى وتسريح الجيش العراقى, ونهب مقدراته, وتدمير بنيته, ولسان حالهم أنه هو السبب.. وليس هكذا تدار السياسة أبداً, مما أتاح بذلك لإيران الفرصة فتمدد نفوذها فى العراق.
وفى سوريا أيضاً ومع رفضنا التام لاستمرار الأسد على كرسى الحكم للأبد, ولكن استغل بعض حكام الخليج الأمر لتصفية خصومات شخصية بينهم وبين الأسد على حساب جثث أطفال سوريا وأجساد نسائها, إنها العزة بالإثم على حساب أخوة الدم والدين, حينها وجد الأسد إيران داعماً لنظام حكمه اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً, فهل له من خيار آخر غير الارتماء فى الأحضان الإيرانية؟!.. وأين ستكون سوريا فى حال بدء مواجهة عربية مباشرة مع إيران؟.. فاللمرة الثانية ترك العرب جزءاً من الوطن العربى فريسة سهلة لصاحب المصلحة الإيرانى.
وفى اليمن أطلقت السعودية شيكات البترودولار, لتتحكم فى اللعبة السياسية, دفعت بسخاء لشراء ولاء بعض القبائل لشبه رئيس, كان نائباً لديكتاتور, جثم على كرسى السلطة لحوالى 30 عاماً, أحسن لعب التوازنات, ولم يترك بصمة فى اليمن لليمن, لم يترك سوى شبكة من المصالح والعلاقات, الذى عاد ليلعب دوراً مرة أخرى

غير وجه الكفيل, لتكن هذه المرة إيران التى لم تتورع عن انتهاز الفرصة التى آتتها على طبق من ذهب ليكون لها يد فى اليمن, وجعلت من «باب المندب» الذى يعبر من خلاله حوالى 30% من بترول العالم ورقة تفاوض بها الغرب لتمرير برنامجها النووى, فللمرة الثالثة يسلم حكام الخليج جزءاً آخر من الوطن لإيران.
وكما فعلوا فى اليمن, سبق وقد نفذ فى لبنان أنه البترودولار, فانقسم المجتمع اللبنانى, فوجدت إيران أقدامها على المتوسط.
لم يعى بعض الحكام أن السياسة هى فن الممكن, فجعلوا سياستهم فى الخفاء, فنزلوا بمطالبهم, فتأثرت أهدافهم وهيبتهم, فكما قيل إنه «عندما تنحرف السياسة من القاعات المضيئة إلى سراديب المخابرات حينها تحول الحقوق إلى صفقات مشكوك فيها».
فهل سيظل الاتفاق بين إيران والغرب مطموس المعالم لنا؟.. هل بين طيات الاتفاق صفقات على حساب وطن تتنازع فيه المصالح الخاصة على حساب مصلحة الأمة؟ هل سينجر العرب مرة أخرى لـ «كامب ديفيد»؟.. حيث تختفى القاعات المضيئة للسياسة وينسابون نحو سراديب المخابرات لتتحول الحقوق العربية إلى صفقات مشبوهة, تجحف من تطلعات الشعوب نحو مستقبل يملكون فيه المصير, إلى رهن مصيرهم بعلاقات خاصة يشوبها الغموض!.. هل سيرهن حكام الخليج مرة أخرى إرادتهم للغرب؟
إن مجريات الحدث تظهر وبوضوح أن القيادة المصرية تختلف رؤيتها السياسية للقضايا العربية عن رؤى حكام الخليج فى سوريا والعراق وغيرهما, ولكن مواقف الخليج مع الدولة فى مصر لا يمكن أن ينكرها إلا كل ناكر للجميل.. إنها حقاً لعبة السياسة, فوسط هذا التزاحم بين الحقائق والأوهام لابد أن تطفو الحلول, وإن عدالة القضايا العربية بدون قوة ستكون عاجزة أمام مصائرها, كما أن القوة بدون عدالة تنصف وترد الحقوق ستكون ظالمة.
وأن الاتفاق الاخير فيما بين الدول العربية على تشكيل «قوة عسكرية مشتركة» للدفاع عن مصالحها, سيغير من توازنات القوى الحالية فى المنطقة, وهنا لنا حديث آخر لاحقاً.