عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الاقتصاد الخفى

 

إن «الاقتصاد الموازى» يعد من أهم الملفات التى تواجه الدولة المصرية، خاصة بعد حقبة سادت فيها العشوائية فى القرار واليد المرتعشة, مما أسهم فى ترسيخ الفساد فى البنية الاقتصادية المصرية, ويقصد به «كل المخرجات من منتجات وخدمات وكذلك القوى العاملة فى النشاطات غير المسجلة لدى الدولة وأيضاً فى النشاطات المسجلة ولكنها غير مبلغ عنها», ويبلغ حوالى 30% من الناتج المحلى, ويذكر أحد الباحثين أن حجم صناعة «بئر السلم» يقدر بـ 75 مليار جنيه من إجمالى قطاع التجارة الداخلية, التى تصل لـ 150 مليار جنيه مما يضيع على الدولة مليارات الجنيهات من مواردها, وقد ذكر الباحث الاقتصادى «هرناندو دى سوتو» أن قيمة الاقتصاد الموازى تقدر بـ 2.6 تريليون جنيه وهو رقم يساوى حوالى خمسة أضعاف جملة الدخل القومى المصرى, كما ذكر أيضاً أن الضرائب المستحقة على هذا القطاع لو تم إدراجها فى الدخل القومى ستقدر بـ 150 مليار جنيه, وهو رقم يقترب من العجز فى الموازنة العامة للدولة, وأيضاً نسبة حوالى 70% من العاملين في هذا (الاقتصاد الخفى) خارج الاقتصاد الرسمى للدولة.

ومع أن ما يعرف بـ (الاقتصاد الموازى) قد ساهم فى توفير سيولة نقدية, إلا أنه يتسبب فى إبطاء عملية النمو الاقتصادى وذلك لممارسات غير رسمية للمنافسين الرسميين، وقد كان تأثيره واضحاً فى السنوات الأخيرة, وبالأخص بعد ثورة 25 يناير وما صاحبها من مرور البلاد باضطرابات سياسية وأمنية أثرت بالتالى على المنظومة الاقتصادية, مثل توقف العائد من النشاط السياحى بنسب فاقت الـ 70% فى أوقات كثيرة, وتوقف العديد من المصانع عن الإنتاج كنتيجة مثلاً للوقفات الفئوية لموظفين وعمال تلك المصانع, فقام أصحابها من رجال الأعمال بغلقها.. وبحسب تسمية بعض الباحثين للمال المتداول فى هذا النوع من الاقتصاد وإطلاقهم عليه مصطلح «رأس المال الميت» فإن الاستثمار فيه بشكل رسمى يمكن من تلقي قروض الاستثمار والنمو, كما يسمح ذلك لأفراده بالدخول فى منظومة التأمين الاجتماعى، فعدم وجود منظومة منضبطة للتشريعات والرقابة فى التنفيذ, يعرقل من الخطوات التى تقوم بها الدولة لتحقيق النمو السريع.. والآن نحن فى أشد الحاجة لتنفيذ إصلاحات تشريعية تعمل على إدراج جميع الأعمال التجارية داخل المنظومة القانونية لاقتصاد الدولة, وتفعيل الرقابة على تنفيذ القانون, حتى تعود الفائدة على الدولة والمواطن.
ومن أهم مظاهر «الاقتصاد الموازى» فى مصر ظاهرة «الباعة الجائلين» المنتشرة فى الشوارع, التى يعمل بها أكثر من 3 ملايين, ويتعاملون فى أكثر من 30 مليار جنيه, وتعتمد فى أغلبها على منتجات مستوردة رديئة, أيضاً ظاهرة «الدروس الخصوصية» التى يصل حجم التعامل فيها لأكثر من 45 مليار جنيه, تدفعها الأسر المصرية من كدها مما يؤثر على باقى احتياجاتها الأخرى, بالإضافة للمعاملات

التجارية والزراعية بالريف المصرى التى تتعدى الـ 60% من المعاملات التجارية اليومية كلها خارج الدفاتر النظامية من وارد وصادر مما يسهل من تهرب المواطن من المستحقات المترتبة عليه تجاه الدولة من رسوم وضرائب.
إن تأخر الدولة فى إصلاح هذا الاعوجاج يزيد كل يوم من تكلفة إصلاحه, ويؤثر على الناحية الأخلاقية والاجتماعية وأيضاً الصحية وذلك لعدم وجود رقابة من أجهزة الدولة, وقد بات ذلك جلياً فى صناعات بئر السلم والأغذية الفاسدة التى تفتقد السلامة الصحية.
ويعد من أهم أسباب انتشار هذا الاقتصاد التعقيدات الإدارية والتنظيمية وارتفاع الرسوم وتعقيد الإجراءات القضائية والأمنية والفساد الإدارى والمالى والأنظمة الضريبية غير العادلة التى تساوى بين صغار المنتجين وكبار المحتكريين.
إن أول خطوات العمل على إدراج «الاقتصاد الموازى» هو حصره عن طريق التقدير المباشر والاستقصاء والاستعلام والإحصائيات.. وتكون الخطوة الثانية بتحفيز أصحاب هذا الاقتصاد على إظهاره.. وثالثاً العمل على دمج هذا النشاط بالاقتصاد القومى وهو ما سيتم بتعاون الوزارات المختلفة من الصناعة والتجارة والزراعة والداخلية والتضامن الاجتماعى و...... ورابعاً تجديد التشريعات الضريبية والجمركية لسد منافذ الفساد التى ينفذ منها هذا الاقتصاد الذى تحول إلى غول ينهش فى جسد الوطن, الذى كان المتسبب الأول فيه الدولة الرخوة, التى تجاهلت هذا الاقتصاد السرى الذى يميل إليه غالبية القوى العاملة لربحيته العالية وسهولة إنتاجه,  ولو على حساب صحة المواطن أو اقتصاد الدولة.. وأخيراً فإن إدراج الاقتصاد الموازى فى الموازنة العامة للدولة يعظم من العائدات الضريبية للدولة مما يساعدها فى حل المشكلات التى تواجهها فى تقديم الخدمات, ويرفع الضغط من على ميزان المدفوعات, كما يسهم فى توفير فرص العمل.
كلنا نعلم أن إصلاح المنظومة الاقتصادية والقضاء على هذه الظاهرة ليس بالأمر اليسير, ولكن مهما كانت صعوبة الطريق, فإن البداية دائماً تعطى الأمل لتنير المستقبل.