رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إصلاح‮ "‬ثقافة الطاعة‮" ‬أولا‮!‬

دقيقة من فضلك‮.. ‬قد تكون مشغولا في أشياء أتصور أنها نصف مهمة،‮ ‬فما هو المهم في حياتنا الذي نفعله؟‮!‬ أعتذر عن هذه الكلمات،‮ ‬فقد تبدو قاسية لائمة تفتقر إلي‮ »‬آداب المخاطبة‮«‬،‮ ‬كيف يتصرف المرء مع مجتمع يعطي ظهره للحياة وللمستقبل كأنه لا يكترث بشيء،‮ ‬صحيح أن لقمة العيش المراوغة تذل أعناق الرجال،‮ ‬لكن لقمة العيش هي‮ »‬محصلة‮« ‬أي نظام سياسي واقتصادي واجتماعي،‮ ‬فإذا كان النظام معطوبا أو مصابا بالعوار والعيوب،‮ ‬فلقمة العيش عزيزة أو فاسدة أو أصل صراع‮ ‬ممزوج بالجبن والتراجع؟‮!‬

دقيقة من فضلك،‮ ‬وانظر حولك واسأل نفسك‮: ‬كيف يحصل أغلبنا علي لقمة العيش؟‮!‬

الإجابة التي أتوقعها‮: ‬بطلوع الروح‮!‬

السؤال التالي‮: ‬لماذا نحصل عليها بطلوع الروح؟‮!‬

الإجابة البسيطة‮: ‬لأن النظام العام الذي يدير حياتنا‮: ‬ثروة وبشرا انتهي عمره الافتراضي ولم يعد لديه‮ "‬قدرات كافية‮" ‬تشغل ماكينات الوطن بكفاءة معقولة أو بنصف كفاءة‮..‬

وقد نتصور أن لقمة العيش المراوغة هي أسوأ‮ »‬نتائج‮« ‬النظم المعطوبة‮..‬الأسوأ منها هو‮ »‬العقل المعطوب‮«‬،‮ ‬فلقمة العيش مقدور عليها مع العقل السليم حتي لو المجتمع في أزمة موارد واقتصاد،‮ ‬لكن يستحيل حلها مع عقل معطوب،‮ ‬حتي لو توافرت الموارد والثروات‮..‬

والسؤال الأخطر هو‮: ‬ما الذي يعوق إصلاح العقل المصري؟‮!‬

إن الإجابة عن هذا السؤال المبدئي‮.. ‬سنظل ندور في متاهة التخلف أبد الأبدين،‮ ‬ولن تتاح لنا أي فرصة للعثور علي كلمة السر‮..‬

وأتصور أن العائق يكمن في أمرين في‮ ‬غاية التعقيد‮..‬

الأول‮.. ‬ثقافة متخلفة سائدة يشتبك فيها الدين والموروث والخرافة والعادات والتقاليد مكونة مزيجا من الصدأ السميك المتراكم الذي‮ »‬يعطل‮« ‬هذا العقل عن العمل بكفاءة أو حتي بنصف كفاءة‮!‬

الثاني‮.. ‬نخبة حاكمة‮ "‬تعبد‮" ‬السلطة إلي درجة الجنون،‮ ‬ولا تتخيل نفسها دون أن تقبض عليها بيد من حديد وتتحكم بها في رقاب العباد،‮ ‬قد تسمح ببعض هوامش الحركة‮ ‬غير الضارة بنفوذها وسطوتها،‮ ‬لكنها تقطع أوصال كل من يفكر في تعديل هذه الأوضاع تعديلا جذريا‮!‬

وقد يخيل للبعض إن إصلاح النخبة أهم من إصلاح الثقافة،‮ ‬ولكن التجارب الإنسانية عبر التاريخ كله أثبتت أن دور الثقافة المتخلفة لا يقل خطورة في وأد الإصلاح عن دور النخبة الحاكمة المستبدة أو نظام الحاكم الفرد الذي يتنكر في قناع ديمقراطي زائف،‮ ‬لأن الثقافة هي‮ »‬طاقة التشغيل‮« ‬في أي مجتمع،‮ ‬فإذا كانت طاقة التشغيل من القش ونفايات الحيوان،‮ ‬فهي تلائم نمطًا من‮ »‬المعيشة‮« ‬والتفكير يرتبط بالقرون الوسطي وليس بالعصر الحديث،‮ ‬الذي طاقة تشغيله من النفط والماء والرياح والشمس والذرة‮!‬

وأخطر جوانب التخلف في ثقافتنا هو خلط‮ »‬الدين الصحيح‮« ‬بالموروث والتقاليد،‮ ‬لأنه أفرغ‮ ‬الدين من‮ »‬قوته الدافعة‮« ‬وحوله إلي‮ »‬قوة عكسية‮«‬،‮ ‬وكان الخلط في جزء كبير منه مقصودا بمعرفة رجال الدين أحيانا ورجال السلطة‮ ‬غالبا،‮ ‬وتسبب في عراك مصطنع بين الدين والحياة،‮ ‬فلم يعد الأصل في التشريع السماوي هو الإباحة بل المنع،‮ ‬والمنع دائما يحتاج إلي سلطة تشرف علي تطبيقه،‮ ‬سلطة من رجال دين أو سلطة من رجال حكم،‮ ‬فإذا أراد إنسان ما أن يصنع فعلا ما،‮ ‬فعليه أن يلجأ أولا إلي من يفتيه،‮ ‬في

حرمته أو حلاله،‮ ‬وكلما كان‮ »‬المنع‮« ‬هو القانون المعمول به في الغالب زادت سلطة‮ »‬من يفتي‮« ‬سواء كان المفتي شخصا أو قسا أو قارئا في زاوية أو معمما في قرية أو داعية في التليفزيون‮!‬

والمدهش أن الدين الإسلامي حل هذه المشكلة حلا جذريا،‮ ‬فأول كلمة نزلت فيه من السماء هي‮ »‬اقرأ‮«‬،‮ ‬ولا أعرف لماذا ابتعد المسلمون عن المعني الناهض في هذه الكلمة الرائعة والمغزي النابض فيها،‮ ‬فـ»القراءة‮« ‬حالة عقلية،‮ ‬فيها ترديد وتفكير وفهم واستيعاب وتدبير وقرار،‮ ‬أي أن الوصول إلي الله سبحانه وتعالي طريقه العقل البشري‮ ‬غير‮ »‬العاطل‮« ‬أو‮ »‬المتعطل‮«!‬

والتدبر الصحيح في الحياة هو من صميم العبادة،‮ ‬فعمران الأرض ونشر العدل وإسعاد الآخرين بجعل حياتهم أيسر وأقل تعقيدا هو جوهر علاقات الإنسان بالإنسان‮. ‬

هذا هو الدين‮..‬

‭ ‬لكن في الواقع‮.. ‬تفترس الأمية نسبة هائلة من سكان مصر،‮ ‬أغلبهم في الريف تحت سيطرة‮ »‬شيوخ‮« ‬حاملين ثقافة إن لم تكن شديدة التخلف فهي ترجع إما‮ ‬إلي الفكر العثماني أو الفكر الصحراوي البدوي‮!‬

وإذا تركنا الثقافة وقلبنا في أوراق النخبة الحاكمة سنجد هذه النخبة هي من أسس‮ »‬تعطل‮« ‬العقل،‮ ‬فالعقل العاطل هو عقل تابع بالضرورة،‮ ‬لا يعرف حدوده ولا حقوقه،‮ ‬وكل ما يحدث في حياته هو‮ »‬قدر مكتوب‮« ‬ونصيب لا مفر منه‮!‬

وأهم سمات العقل المتعطل هو‮ »‬الطاعة‮«‬،‮ ‬والطاعة كلمة لها جاذبية شديدة في الثقافة العربية،‮ ‬طاعة المرأة للرجل،‮ ‬طاعة المحكومين للحاكم‮.. ‬وهنا لا يرد البديل الصحيح للطاعة وهو الاحترام،‮ ‬فالاحترام ليس فيه تسليم مثل الطاعة‮.. ‬وكما يسعي الرجل إلي طاعة المرأة،‮ ‬يسعي كل صاحب سلطة إلي طاعة مرؤوسيه،‮ ‬والمجتمع المطيع يشبه القطيع في سلوكه ونمط حياته إلي حد كبير‮.. ‬ومجتمع القطيع يسلم عقله لقائد وحيد يمضي خلفه ولو إلي الهاوية‮!‬

ولم تعمل النخبة الحاكمة أبدا علي إصلاح العقل،‮ ‬لأن العقل الفكر الناقد هو أكبر خطر علي سلطاتها وامتيازاتها‮..‬

ولا يمكن أن نصلح ما‮ »‬تعطل‮« ‬في رؤوسنا دون أن نفك الارتباط الوثني أولا بين ثقافة متخلفة ونخبة عابدة للسلطة‮.‬