عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

برلمان "النفق المسدود"!

"جاءت الحزينة تفرح لم تجد لها مطرحا"

هذا المثل بالرغم من البؤس الطافح فيه يكاد يكون هو أدق وصف للنتائج الأولية لانتخابات مجلس الشعب، يبقى فقط أن نحدد من هي "الحزينة" التي لا مطرح لها في عالم الفرح، هل هي مصر من أقصاها إلى أقصاها، مصر الناس الذين تنشب فيهم الأسعار والبطالة والتخلف وفساد الإدارة وأوجاع الحياة أظافرها بلا رحمة؟!..هل هي جماعة عبده مشتاق التي كانت تحلم بكرسي في البرلمان سواء لخدمة الناس أم لخدمة مصالهم الخاصة، فلم يأت الكرسي؟!

 

بالطبع الأكثر خسارة هي "مصر"الناس، الرعايا الذين أحوالهم المعيشية  تصعب على الكافر، ويحصلون على دخل وخدمات صحية وتعليمية وحقوق إنسان أقل من مائة دولة في العالم..بشهادة  رسمية من منظمات إقليمية ودولية ومحلية في تقارير عن التنمية في العالم، إذ تسبقنا دول لا أود أن أذكرها حتى أجنبكم رفع ضغط الدم أو الإحساس بالمهانة، يكفي أن نعرف أن ترتيب مصر هو الثالث عشر في المنطقة العربية ( واحدة من أكثر بقاع العالم تراجعا واستبدادا)!

 

نعم مصر الناس هي التي خسرت.. وستدفع من راحة بالها ومستقبل أجيالها ولحمها الحي ثمن هذه الخسارة الفادحة..

فنتائج الانتخابات تصرخ فينا بالصوت العالي: لا أمل في مؤسسة تشريعية متوازنة نسبيا، فلم نكن نود أن يخسر الحزب الوطني الاغلبية، لكننا لم نكون نريد على الإطلاق أن يحتكر البرلمان احتكار تاما، إلا من  بضعة أعضاء لا ينتمون إليه،  مثل أفراد قادمين من الفضاء الخارجي وسمح لهم بالوجود المؤقت.

هل يعقل أن تسفر نتائج انتخابات الجولة الأولي عن فوز الحزب الوطني بأكثر من 96% من المقاعد التي حسمت دون إعادة، مقابل بضع مقاعد لا تسمن ولا تغني من جوع، وتجعل المؤسسة التشريعية مجرد " قسم" في الحكومة، بالله عليكم كيف لبرلمان كله إلا قليلا من الحزب الحاكم يراقب ويحاسب حكومة من الحزب؟!

 

باختصار هو برلمان على الكيف والمزاج.. برلمان غيب عنه نواب أمثال مصطفي بكرى وحمدين صباحي  والبدري فراغلي وسعد عبود ..الخ ، وطبعا لا استجوابات عنيفة، لا كشف لفساد أو فضح قضايا ساخنة كالعلاج الفاسد على نفقة الدولة ..

حكاية بدايتها وردية ونهايتها مأسوية..

في الأول قابل المصريون انتخابات البرلمان الجديد بصدر مفتوح وبعض التفاؤل الحذر بالرغم من دعاوي المقاطعة والرفض، فالذين يقاطعون هم "السلبيون" غير القادرين على الفعل حتى لو لم يثمر عما نريد تماما،  وتساءل المصريون: هل يمكن أن يكون البرلمان الجديدة هو بداية الإصلاح الذي طال انتظاره؟!

لم يكد المصريون يكملون السؤال التلقائي الحالم،  حتى دهمتهم النتائج أو دهست قلوبهم بتعبير أدق، إذ عادت الأفكار القديمة والنتائج القديمة، كما لو أن التغيير هو مجرد  إجراءات شكلية وتصريحات وردية  واسطوانات محفوظة!

 

وقد يعترض واحد جهبذ من أعضاء الحزب الوطني ويسأل: لماذا الحكم المتعجل وأكثر من نصف المقاعد سيعاد التصويت عليها مرة ثانية يوم الأحد المقبل؟|

يرد عليه المثل المصري العبقري يقول: الجواب يبان من عنوانه!

وكان عنوان الجواب للبرلمان الجدبد يبدد أي شعاع من نور الأمل: فكل المعارضين الأقوياء سقطوا بالضربة القاضية التي يصفها

البعض بأنها "غير فنية وتحت الحزام"، وأتصور أن هذا الوصف صحيح مائة في المائة، لأن فيه أسماء من الذين لم يفزوا يصعب تصور أن الناخبين أداروا لهم ظهورهم والقوا ببطاقات الانتخاب في حجر الحزب الوطني، كما أن محافظات بعينها - لم يفز فيها الحزب الوطني إلا بمقاعد قليلة في الانتخابات الماضية- أخذها كلها هذه المرة،كما لو أن الأهالي ندموا على ما فعلوا وهجروا ما صنعوا وصوتوا بالصوت الحياني للوطني فقط!

ومنذ إعلان النتائج الأولية لم تكف التليفونات المحمولة عن الرنين، ولم تسكت الألسن عن الكلام، ولم يتوقف النبض عن اللهاث: شفت ما حدث..مصيبة والله

 

والمدهش أن المستنيرين في الحزب الوطني أقلقتهم هذه النتائج، بل أن بعضهم قال: هذه دعوة لعودة العنف..فإذا كان الحياة السياسية مغلقة أمام الآخرين بالضبة والمفتاح..فالبديل هو العنف!

وبالطبع خرج ساحر الشائعات المخلوطة بالحقائق من مصباحه السحري يخلب أذهان الجمهور بحكايات غريبة ولا ألف ليلة وليلة، ينام عليها المصريون، ويستيقظون عليها كأطفال الحواديت!

وإذا كانت الحدوتة بطبعها خرافية مستوحاة من الأساطير يقتصر غرضها على استثارة الخيال، فأن ما حدث كان حدوتة مستوحاة من الواقع المر وحساباته، من الظرف الصعب وضغوطه، من الاستقرار المزعوم وثباته!

 

يا تري نجاح المسؤلين الكبار والوزراء جميعا دون استثناء من أول جولة  هو مجرد مصادفة كونية؟!، هل الوزارة الحالية "محبوبة" جدا من الناس إلى درجة أن المواطنين خرجوا من بيوتهم عرايا الروؤس يهتفون لها بالروح بالدم ننتخب أي وزير، أم أن النتيجة تعبير عن قدرة السلطة على إنجاح مرشحها حتى لو كانت الناس لا تحبهم وخرجوا في السنوات الثلاث الماضية يتظاهرون ويحتجون ويعتصمون ضدهم دون استثناء أيضا؟!

كانت مصر تحلم بأن تتقدم خطوة إلى الأمام في طريق الإصلاح والديمقراطية وتعدد الأفكار والرؤي والاجتهادات، لكنها لأسباب خارجة عن إرادتها رجعت مائة خطوة إلى الخلف، بل يمكن أن نصف ما حدث بأنه سد بصخور جرانيتية باب النفق المحشورة فيه لسنوات مقبلة..لتقبع في  نفس المكان وترقص ذبيحة على نفس الإيقاع المملل لسنوات قادمة!