عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مسألة خطيرة جدا

الشفافية في بلادنا مثل الحرية نتحدث عنها دون أن نراها، نحلم بها دون أن نمارسها، نهفو إليها دون أن نعمل بها، ندعوها دون أن نتحرك نحوها!

نعم.. كل شيء في حياتنا العامة غامض وضبابي وسري، وبالطبع ميزانيات المرشحين للانتخابات البرلمانية، فقط نسمع كلامًا عن تمويل من هنا أو تمويل من هناك، دون أن نضع أيدينا علي حقائق يمكن رؤيتها كما نري الشمس والضوء والسماء والسحابة السوداء، لا مستحيل أن يعرف المجتمع كم أنفق كل مرشح، ومصادر تمويل حملته الانتخابية، بالضبط كما لا نعرف ميزانيات الصحف: أرباحها وخسائرها وأرقام توزيعها، الذمة المالية للوزراء والسياسيين والشخصيات العامة.. إلخ، وهذا الغموض والضبابية والسرية هي أعظم مناخ يمكن أن تنمو فيه الأموال القادمة من الخارج وتجري فيه الصفقات المريبة وشراء الذمم، وكلنا سمعنا من قبل عن أسماء ارتبطت ولو بالشبهات بتمويل خارجي سواء كان عربيا من حكومات أو أجنبيا من منظمات، وسمعنا أيضا عن »إكراميات« يدفعها رجال أعمال، وحكايات عن »هدايا ومزايا« لا تتوقف الثرثرة عنها في منتديات القاهرة وسهراتها »وقعدات« وسط البلد!

ويمكن أن نرتب قائمة بـ»الأثرياء الجدد« علي شاكلة أثرياء الحرب، تضم عددا كبيرا من الشخصيات العامة والحزبية والإعلامية ورجال الأعمال الذين هبطت عليهم الثروة بلا أسباب منطقية أو معلومة، فسكنوا شققا فاخرة علي النيل والزمالك والمهندسين، ولهم شاليهات بالملايين في الساحل الشمالي، ومنتجعات علي سواحل البحر الأحمر، وركبوا سيارات فارهة، كما لو أن هذه الثروة  سقطت من »البقع السوداء« في الفضاء البعيد، والتي يقال إن الزمن بها معدوم أو لا وجود له!

وهذه ليست محاولة لـ»القر« والحسد والعياذ بالله، فمصادر الثروة الشرعية  يعلمها البشر منذ بدء الخليقة وهي الإرث والعمل، ومن حق الإنسان أن يعمل ويكسب الملايين ومئات الملايين بالحلال، والحلال هنا هو »القانون« ونظام القيم، القانون الذي يلزم كل مواطن أن يكتب مصادر ثروته في إقرار ضريبي أو ذمة مالية، والقيم التي لا يشعر معها صاحب الثروة بالخجل من كشف مصادرها لو اضطر إلي هذا الإفصاح!

نعم ليست هذه محاولة لـ»النق«، إنما هي  مجرد لطمة علي رأس المجتمع لعله يتذكر قانونا قديما دفناه عمدا في مقابر الفساد هو »من أين لك هذا؟«، ويعمل به العالم أجمع وفي أكثر دول الديمقراطيات الغربية حرية، ويبدو أننا لم نتوقع ونحن نسهل »الانحراف« ونوفر له حماية ضد المحاسبة أن الفساد سوف يتجاوز »نهب« المال العام أو السطو علي أرض الدولة إلي مناطق أكثر خطورة، فأصبح لدينا الآن لوبي سعودي ولوبي قطري ولوبي خليجي ولوبي أمريكي ولوبي أوروبي ولوبي إيراني كما كان لدينا لوبي »صدامي« وهكذا، إلي جانب جماعات الضغط المحلية التي أسسها رجال الأعمال في الصحافة والإعلام بأساليب ملتوية!

وجماعات الضغط هي جزء من »حيوية« أي مجتمع وجدله وصراعاته السلمية بين فئاته المختلفة، لكن بشرط أن تتشكل في النور وتعمل علنا وعلي المكشوف! وإذا كان التمويل الخارجي والرشاوي الداخلية مرفوضين في الماضي دون أن نضبطهما ونحاسبهما لأسباب كثيرة فلم يعد هذا النوع من »المال القذر« مقبولا بالمرة ونحن مقبلون علي مرحلة جديدة في حياتنا السياسية، مرحلة يستوجب فيها الحيطة والحذر

والشفافية، كي نمضي علي طريق »الحرية والديمقراطية« دون أن نقع في فخاخ منصوبة بمهارة أو نتحول إلي دمي أو عرائس خيوطها في عاصمة عربية أو أجنبية أو مع تنظيمات عالمية أو في يد حفنة من رجال الأعمال دون وعي منا، أو بوعي دون أن نقدر علي قطع الخيوط المشبوكة فينا!

إذن نحن أمام حالة »خطيرة« يستحيل أن نتركها ترعي في حياتنا العامة وننتظر الفرج من السماء، والسماء لا تساعد إلا من يساعدون أنفسهم!

وإذا كانت الولايات المتحدة بكل ما تتمتع به من شفافية وحرية صحافة وانضباط في إمساك الدفاتر المالية والتحويلات البنكية قد شعر أهلها بخطورة »تأثير« المال علي سلامة انتخاب الرئيس وأعضاء الكونجرس وينخرطون في حوار عن إصلاحات ضرورية في تمويل الحملات الانتخابية، فما بالك ونحن بالكاد علي باب »حضانة الحرية« وفي سنة أولي ديمقراطية؟!

وقد قرأت تقريرا خطيرا عن الانتخابات الأمريكية التي حدثت قبل فترة، بعنوان مثير للغاية: »المال يكسب«، أول عبارة فيها: تقريبا بمجرد أن تبلورت الانتخابات.. شيء واحد مؤكد فيها هو: المال كسب غالبية المقاعد في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، فالمرشحون الذين نجحوا كانوا هم الأكثر إنفاقا.. بغض النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه المرشح: ديمقراطيا أو جمهوريا.

وهي مسألة تبدو منطقية، فالمال المصروف هو تكاليف »صناعة صورة رائعة« للمرشح تثير خيال الناخبين وتدغدغ مشاعرهم وتلهب أحلامهم وتؤمن مخاوفهم، فيقتنعون بها ويهرعون إلي صناديق الانتخابات يمنحونها أصواتهم، وقد تكون صورة زائفة.. لكن هكذا هي لعبة صناعة »النجم أو الزعيم«.

وكتب هيربرت إسكندر وهو أستاذ في العلوم السياسية بجامعة »ساوث كاليفورنيا« يقول »إن تعديل النظام الحالي لإجراءات تمويل الحملات الانتخابية  سوف يحدث دون شك في السنوات المقبلة«!

إذا كان الأمر كذلك في الولايات المتحدة بكل تراثها واتساعها الرهيب وعدد سكانها وتنوع بيئاتها وبشرها.. فكيف يكون الحال عندنا؟!

نريد نظاما صارما يتسق وحال مجتمعنا وبشرنا ومواردنا المالية، نظام يتسم بشفافية عالية جدا، يطارد أي محاولة ولو خفية لتمويل أي مرشح لمجلس الشعب الحالي أو رئاسة الجمهورية العام المقبل بأموال من الخارج أو غير معروف مصدرها.

[email protected]