رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لغز الشخصية المصرية!


"التدين، التسامح، الاستقرار، الارتباط بالأرض والأسرة، الرضا، القناعة، النكتة، الدعابة، السخرية التي تجنح أحيانا للحزن، غير أنها  كثيرا ما تلجأ  إلي الصبر والزهد والتقوقع داخل الذات، وبذلك تعود إلي سلبيتها وتخاذلها، وطاعتها العمياء، حتي لو ظلمت وانتابها القهر والتسلط والاضطهاد، وساعد علي ذلك ندرة ثورة الشخصية المصرية علي الواقع، أما الثورات التي حدثت، فكانت متقطعة تدل علي الفردية لا الجماعية بمعناها الواسع، مع استثناءت قليلة، وبخاصة في عصرها الحديث"!

هذا بالنص ما كتبه الدكتور إبراهيم البيومي والدكتور شحاتة زيان من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن سمات الشخصية المصرية..وهي سمات وردت في دراسة بديعة عنوانها "بماذا يحلم المصريون؟، صادرة عن المركز  القومي بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء.

وهذا النص الذي يصف ويحدد سمات الشخصية المصرية لا يمكن التعامل معها إجمالا دون تفسير أو أسباب، فالمصريون فيها كما لو أنهم جنس خاص يتعايش مع الظلم والقهر بنفس الطاقة التي يعيش بها علي ضفاف النهر العظيم، فهو يتحمل التسلط والاضطهاد كما كان يتحمل تقلبات شح مفلس أو فيضان مدمر قبل بناء السد العالي..وهو يطيع ويتخاذل ويتقوقع داخل ذاته كما لو أنها قدر مكتوب عليه ينصاع له وينكسر أمامه..

وقد  نختلف مع هذا الكلام، وقد لا يعجبنا، وربما يغضبنا أشد الغضب، ويدفعنا إلي التساؤل: لماذا نحن علي هذا القدر من السلبية؟!، خاصة أن وقائع تاريخية كثيرة قد تشي بأن الشخصية المصرية فيها أيضا قدر لا بأس به من التمرد علي الأوضاع الشاذة والظروف السيئة، وأن قدرة المصريين الكبيرة علي التحمل لا تعني "أنهم خانعون" لكل ظلم وقهر وتسلط!

وهنا لا يصح الاجتهادات الخاصة في التفسير، فأصحاب هذا الرأي في المصريين هم الأولي بتحليله وبيان أسبابه..

وعموما شخصية أي شعب تأخذ زمنا طويلا حتي تتبلور وتستقر، فإذا ما استقرت وباتت علامة مميزة، فإن تغييرها يكون ببطء شديد، وتظل تنتج آثارها في مختلف التصورات والأحلام والتطلعات المستقبلية.

وشخصية الإنسان تعبر عن مجموعة من العناصر والمكونات مثل الاستعدادات والنزعات والميول والغرائز والقوي البيولوجية الفطرية والموروثة من جهة، وتلك المكتسبة عبر التجارب والخبرات الحياتية من جهة أخري.

ويرجح الدكتور البيومي والدكتور زيان أن هذه السمات مازالت ساكنة في الشخصية المصرية ، بدءا من عصر قدماء المصريين، ومرورا بعصور الإغريق والرومان وصولا إلي العصر الحديث..وهذا يبرهن علي قدرة "المصري" علي الثبات في مواجهة التحديات الهائلة التي تعاقبت عليه، بما حملته من نظم أخلاقية وعقائد دينية وأساليب معيشية مختلفة وأحيانا متضاربة، " ولعل هذه القدرة هي أحد الأسرار التي تفسر لماذا استعصت الشخصية المصرية علي الذوبان أو الانقراض الذي أصاب شعوب بعض الحضارات الأخري في مناطق من العالم القديم..وقد ساعد علي ثباتها: انبساط الطبيعة الجغرافية للبلاد، وعدم وجود حواجز معوقة للتواصل، الأمر الذي ساعد علي تكوين بيئة مناسبة وأسهم في دعم الشعور بهوية واحدة".

و"المصري" محافظ بطبعه، ويصفه بعض الباحثين بأنه محافظ بشدة، أي أنه مقيم علي القديم والتراث والتقاليد والموروثات ولا يقبل علي الجديد بسهولة، وهو بدوره تقليدي ومقلد وغير ثوري، وغير مجدد، بل إنه إذا ثار فإنما ليحافظ علي القديم والموروث.

ولا تخلو الشخصية المصرية من عيوب لا تقل خطورة عما ذكرناه،  وحسب تعبير الدكتور إبراهيم البيومي والدكتور شحاتة زيان " سمات سلبية بالغة التعقيد"، علي رأسها الفهلوة، وقد رجع الباحثان إلي النتائج التي خلص إليها الدكتور حامد عمار ومنها:

1ـ التكيف السريع والقدرة علي التلون مع الموقف ونقيضه، والإدراك في لمح البرق، وفيما يشبه الإلهام، بما هو مطلوب في هذه اللحظة، فيستجيب علي الفور، وهو قادر علي أن يعيش في أي ظروف ويتعامل  مع أي شخصية، ويتباهي بأنه يستطيع أن يلاعب الجن الأحمر، ويتعامل  مع ملائكة السماء والأرض في نفس الوقت دون أن يجد غضاضة ودون جهد كبير..وهذه النزعة الفهلوية هي التي أعطت المصريين القدرة علي التعايش مع حكام وولاة بلغوا غاية الظلم والقسوة، فهو إن لم يذعن فسوف يتعرض للعقاب والنقمة ولن يجني شيئا، وتحول هذا التكيف مع الزمن إلي وصولية وانتهازية.

2ـ العلاقة الملتبسة مع السلطة، فالفهلوي برغبته الدائمة والملحة في تأكيد الذات يشعر في قرارة نفسه بالسخط علي الأوضاع التي توجد التمايز والتفرقة أيا كان نوعها، ويتفرع عن ذلك عدم اعترافه برؤسائه والتنكر لهم، مع أنه في الواقع يبدي الخضوع ويستخدم عبارات فيها مبالغة شديدة للتفخيم (أفندي وبيه وباشا وسعادة الباشا).

3ـ  الإسقاط والتهرب من المسئولية، وهي واحدة من أسلحة الفهلوي، حتي يلقي بالمسئولية علي غيره من الناس أو علي ظروف خارج نطاق الذات، تبرر ما يقع فيه من خطأ أو تقصير.

4ـ الفردية غلبة الأنا، وعدم التوافق مع العمل الجماعي وليس هذا من فبيل الأنانية فحسب، وإنما لتأكيد الذات وعدم تعرضها للاحتكاك مع غيرها، مما قد يؤدي إلي  مواقف تنكشف فيها الإمكانات الحقيقية.

5ـ السلفية..أي الميل إلي الماضي، وهو ما اتعكس بوضوح علي التدين المصري، فالنماذج الشائعة في التدين والالتزام متقمصة من شخصيات السلف والعيش بروحهم، وكلما كان الرمز متشبها بشخصية السلف كلما كان أكثر تأثيرا في المصريين، وهذا نابع من بغض الحاضر ومحاولة الهروب منه.

باختصار من يرد من المصريين أن يتصرفوا أو يتحركوا أو يقوموا بأي فعل..عليه أن يفهم الشخصية المصرية أولا.

[email protected]