عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضمير «الخايب»

بصراحة لم أبحث عنك لأحدثك عن المصيبة التى حلت بى وبأسرتى فجأة.. ولا عن ساقى التى أصبحت «منظراً» ولا تمثل لى سوى وزن زائد فى نصف جسدى الأسفل، حتى قضية حوادث الطرق التى تُخلّف المئات من المصابين وتدخلهم قسراً إلى عالم ذوى الاحتياجات الخاصة يئست من الحديث عنها.

قبل أن يستطرد كلامه بدأت محاولة حل اللغز ما الذى يشغل بال محمود، هذا الشاب العشرين الذى طلب منى الاستماع إلى قضيته والكتابة عنها لأنه وكما وصفها - تهم المجتمع كله؟ ايه الحكاية.. يا محمود؟ وما هى تلك القضية التى تراها تضرب قيم المجتمع فى مقتل؟ سألته فأجابنى بسؤال.. هل صادف أن عايشتِ حادثاً على الطريق؟ فقلت: بصراحة كثيراً، فأنا ممن كُتب عليهم السير فوق الدائرى «مرتين يومياً» يعنى حوادث الطرق أصبحت جزءاً من حياتى.. فقال: أنا أيضاً دخلت الحوادث حياتى ولكن ليس من باب فقد ساقى اليسرى فى إحداها ولكن من أزمة نفسية سببها لى المتفرجون على مصيبتى.. كيف؟!
بعد أن صدمتنى السيارة ودهست ساقى لم أفقد الوعى.. بل كنت أصرخ فيمن حولى قليل منهم كان يحاول الاتصال بالإسعاف بينما معظمهم فتح كاميرا الموبايل وأخذ يلتف حولى كأننى فى مشهد سينمائى، أحدهم كان يقترب من وجهى وأنا اتألم، كان «ناقص يقوللى اضحك علشان الصورة تطلع حلوة».. سألت نفسى بعد أن أفقت على كارثة فشل جراحتين فى إعادة ساقى إلى الحياة، لماذا صورنى كل هؤلاء وأنا ملقى على الأسفلت أصارع الموت؟! لماذا لم يشغلوا أنفسهم بإنقاذى؟ ما المتعة فى تصوير شخص يصارع الألم؟!
منذ أسابيع قليلة شاهدت فيديو يصور أباً يغرق فى بركة مياه بالقرية الكونية، ظل ثلاث ساعات يحاول أن ينجو بحياته إلى أن غاص فى القاع ومات بينما شغل أحدهم نفسه بتصوير اللحظات الأخيرة فى حياة الأب؟! يا سلام.. بل إن سيادة «المصور»

كان يصدر تعليقات ساخرة على زوجته وهى فى هستيريا من هول الصدمة وتستنجد بأى شخص لينقذ زوجها؟ وبعيداً عن قضية الإهمال والقصور وما شابه ذلك من تلك الأمور التى تشغلنا بلا هدف عقب كل كارثة.. هناك القضية الأهم قضية «حاملى كاميرا الموبايل» الذين يصورون هذا وهو ينفجر وهذا وهو يحتضر وتلك فى لحظاتها الأخيرة ثم يتنافسون لعرض إنجازاتهم على «فيس بوك» بعضهم احترفوا المسألة ليبحثوا عن جريدة أو قناة فضائية يبيعون لها تلك المشاهد بأسعار باهظة حسب أهمية الحدث ثم تخرج القناة أو الجريدة لتقول شاهد «فلان وهو يموت»!!
المدهش أن هذه المقاطع التى أراها «سخيفة ولا إنسانية تحظى بنسبة مشاهدة عالية وتعليقات لا حصر لها.. إننا بذلك نمشى على خطى الجماعات المتوحشة التى تعمد لتصوير عمليات ذبح وحرق الأبرياء فى سابقة لم تحدث من قبل ولا يتقبلها إنسان مسلم أو غير مسلم رغم أن مسألة تصوير مصيبة تقابلك فى الطريق أمر مختلف تماماً.. قلت لمحمود ربما يتصور من يلتقط مقاطع فيديو لشخص فى حادث أنه يخدم العدالة أو الضحية ربما يفعل ذلك بتحريض من ضميره ويتصور أنه يقوم بعمل إيجابى، نظر محمود بسخرية واستنكار قائلاً، ضمير؟ ممكن! ولكنه «ضمير خايب».