رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«وإذا كان ذلك كذلك».. المشهد الأخير

(1) بينما كانت جموع الشعب المصرى تهتف فرحاً لخروج المخلوع وكانت الجماهير الثائرة تستشعر نصراً عزيزاً قد حققته.. كان كبار قيادات تيار الدين السياسى يفركون أيديهم فرحاً وقد وقعوا من قبل 11/2 وثيقة التحالف العرفى مع السلطة القادمة لإدارة شئون البلاد، فيما بعد 11/2..

وكانت نتيجتها المباشرة ولم يمض يومان على الحدث الجلل فقد صدر قرار بتشكيل لجنة التعديلات الدستورية وقد ضمت تكنوقراطاً صرفاً عدا ثلاثة دفعة واحدة من تيار الدين السياسى (البشرى، صبحى صالح، وعاطف البنا)، ولم تمثل أى من التيارات السياسية الأخرى فى تلك اللجنة التى انزلقت بمصر إلى ما انزلقت إليه..!! وسريعاً قدمت اللجنة التعديلات المقترحة لمواد من دستور 71 الذى أسقطته الثورة ولم يعترف بسقوطه الإخوان، ومن لف لفهم من تيارات الشمولية الدينية.. لأن ببساطة مواد هذا الدستور الشمولى تتناسب وقدرات التنظيمات السرية على الحركة والاختراق والانتشار وتحقق مآرب تسلفية لطالما سعوا إليها بالتحالف مع كل سلطة سواء كانت ملكية أو جمهورية.. وهذه هى شهادة التاريخ عليهم.
> وكانت أولى المواد التى قامت اللجنة المعينة من المجلس العسكرى بتعديلها المادة 76 وفيها تم وضع شكل لجنة الانتخابات الرئاسية للإشراف على انتخابات رئيس الجمهورية، وجاء أن قراراتها نهائية ونافذة غير قابلة للطعن، ومن ضمن تشكيلها رئيس المحكمة الدستورية ورئيس محكمة استئناف القاهرة.. وجاء نص هذه المادة تحت رقم 28 فى الإعلان الدستورى المعلن بعد استفتاء الجماهير على المواد المعدلة.. وخاضت تيارات الدين السياسى حرباً ضروساً من أجل الموافقة على الاستفتاء، وأشاعت ما أشاعت من أكاذيب حول تعديل المادة 2 من الدستور لإشاعة فتنة طائفية بين أبناء الشعب الواحد وقامت بتوزيع الزيت والسكر دعماً للموافقة من أجل الاستقرار، كما قالوا وهو ما لم يتحقق حتى الآن.. وقاومت القوى المدنية ودعت للاستفتاء بـ«لا» ولكن الجماهير العادية كانت تواقة للاستقرار فانحازت لـ«نعم» كى تجلب الاستقرار كما قالوا لها.. واليوم عرف الجميع من يسعى لنهضة الوطن وأمانه ومن يلهث لركوب الوطن وامتطائه!!
(2)
كان شهر يوليو من العام المنصرم شهراً حاسماً فى تحديد الكثير من المواقف والاتجاهات التى ظلت حاكمة للمشهد بأكمله.. وكانت قد سارت الدعوة لأجل 15 مليون توقيع للدستور أولاً والدعوة بجعل الجمعة 8/7 جمعة الدستور أولاً.. وحدثت مفاوضات ونقاشات بين الأجنحة المختلفة لتخفيف الوطء ولا أدرى أى وطء فى هذا.. وانسحبت «الجبهة الحرة للتغير السلمى» لأن حركة 6 إبريل تجاهلت هذا المطلب ودعت لجمعة الإصرار ـ الفقراء أولاً.. والموقف نفسه تبناه ائتلاف شباب الثورة.. أما الجمعية الوطنية للتغيير فقد دعت لأيد واحدة على الرغم من إيمانها بأن الدستور أولاً ولكن محاولات إعادة إنتاج النظام السابق وتطهير مصر تستدعى وحدة الصف.. أما حزب الوسط فقد رفض مليونية الدستور أولاً، وقال عصام سلطان لا يمكن أن نشارك ونقف مع الدستور أولاً لأن هذا ضد الاستفتاء الشعبى الذى جرى على الإعلان الدستورى.. وقال أيضاً ما هو مثير أكثر للدهشة أن هناك توافقاً حول قواعد اختيار الهيئة التأسيسية ولا ندرى من أين أتى بمثل هذه المعلومات التى هى حتى الآن القنبلة المنفجرة فى وجه جميع القوى السياسية لإصرار وعناد تيار الدين السياسى؟! وفى القلب منه حزب الوسط بغض النظر عن مزاعمه الوسطية والتشبث بالمحاصصة العددية للبرلمان فى تجاهل مقصود لمفهوم الدستور وتعبيره عن جميع أطياف المجتمع وليس البرلمان المعبر عن أغلبية سياسية متغيرة طبقاً لدورية الانتخاب.
وبالفعل تحولت جمعة 8/7 إلى جمعة تطهير مصر وعدم إعادة إنتاج النظام السابق وكان للثوار شرف إخراج وزراء النظام السابق وإعادة تشكيل حكومة شرف والتعجيل بمحاكمة مبارك ورموز النظام البائد.
> وجاءت جمعة 29/7 التى أرادتها التيارات الدينية جمعة الهوية لاستعراض عضلاتهم أمام الجميع وتدخل حزب الوسط كالعادة وعقد اجتماعات بين رموز تيار الدين السياسى ورموز القوى الثورية المدنية واتفقوا على جمعة تطهير الوطن.. وبالطبع لم يتحقق شىء مما اتفقوا عليه وحنث تيارات الدين السياسى بوعودها كالعادة وتحول ميدان التحرير إلى جمعة «قندهار» ورفعت أعلام السعودية والقاعدة والخلافة العباسية وغيرها من العلامات ودلائل الترويع والإرهاب الفكرى.
> ولعلنا فى هذا العرض السريع نتساءل: لماذا لم تحرص القوى المدنية على رفض الانتخاب أولاً والإصرار على الدستور أولاً.. لماذا لم تحتج وتعتصم وصولاً لما تريد.. وبالطبع الدستور أولاً هو الطريق القويم الذى سارت عليه جميع الشعوب التى ثارت لتقيم أوطانها على أسس النهضة عن التيار الدينى السياسى فى مصر فقد نال منه شبق السلطة.. المهم القوى المدنية لم تفعل لأنها ليست متسلطة ولا تؤمن بالإرهاب الفكرى وثانياً لأنها ديمقراطية وأفرادها لا يدينون بالولاء والطاعة ويؤمنون بالحوار والفكر، وثالثاً لأنهم يؤمنون بصالح الوطن ووحدته وحمايته من الانقسام بين دينيين ولا دينيين وأثرها فى شق جدار الوطن الواحد.. بالطبع هذا كله يجرنا للمشهد الأخير.
(3)
ولأن طبيعة العلاقة العرفية السريعة طبيعة قلقة متعجلة انتهازية.. وبالطبع لعدم توفر المعلومات الكاملة عن أرضية التوافق والألفة ما بين المجلس العسكرى وجماعة الإخوان فمنذ منتصف مارس تقريباً ونحن نشاهد تمسكاً إخوانياً بإقالة الحكومة وسحب الثقة منها فى حين أنهم أول من

باركوا حكومة الجنزورى حينما كانت دماء الشهداء من شباب الثورة تسيل فى شارع مجلس الوزراء.. وفجأة قررت جماعة الإخوان غير الصفة ذاتها القانونية الرسمية أن تدفع بمرشحها خيرت الشاطر لسدة الرئاسة وتعاقبت الأحداث سراعاً حبس الخلق أنفاسهم وكان الخروج المدوى للثلاثة من السباق (سليمان ـ الشاطر ـ أبوإسماعيل)، وبدأ «الشاطر» حملة التشكيك فى نزاهة الانتخابات، فضلاً عن الطعن فى حيادية لجنة الانتخاب الرئاسية وصاحبه أوركسترا مختلف القيادات الإخوانية عن تدخل العسكرى فى إثارة مشاكل الانسحاب من الجمعية التأسيسية، وهذا قول زور ومغلوط، فخروج جميع القوى المدنية والأزهر والكنيسة جاء نتيجة طبيعية للتسلط الإخوانى على تشكيلة الجمعية التأسيسية والتمثيل المزرى غير اللائق للأزهر والكنيسة ثم جاء حكم الإدارية فاضحاً كاشفاً.. وعلى كل استمرت حملة التشكيل فى الانتخابات المقبلة وتدخلات العسكرى وإقالة الحكومة إلى المطالبة بإلغاء المادة 28 من الإعلان الدستورى متجاهلين كيف بذلوا الغالى والرخيص وكيف هلل مشايخ الدين السياسى للواجب الشرعى لـ«نعم» ولغزوة الصناديق.. وكذا للمطالبة بإقالة فاروق سلطان و«عبدالمعز» والأخير هو نفسه من أدار الانتخابات البرلمانية الأخيرة التى قالوا عنها! إنها أنزه انتخابات شهدتها مصر.. و«عبدالمعز» هو الذى ترك صناديق الانتخاب فى العراء يتم رصدها دون حسيب أو رقيب.. ولم يتابع السقف المالى للمرشحين فكانت حنفية الأموال تجرى بلا محابس وغض البصر تماماً عن الانتهاكات التى تمت بلجان الانتخاب من تدخل مناديب الحرية والعدالة إلى وقوفهم بأجهزة الحاسوب على أبواب اللجان.. إلخ من الانتهاكات التى تكاد تصل إلى درجة التشكيك فى نزاهتها وعدم جدية إجراءاتها، فضلاً عن استخدام فزاعة الخمسمائة جنيه لإرهاب تضليل البسطاء للتصويت لصالح الحرية والعدالة.. كل هذا كان جميلاً فى وقت الصفاء وعندما استيقظت الهواجس أصبحت لجنة الانتخاب مشكك بها وإقالة «عبدالمعز» واجبة!
> فى ذاك المناخ التهييجى تحركت فصائل «أبوإسماعيل» للمرابطة أمام وزارة الدفاع لإعلان مطالبها التى هى نفسها مطالب الإخوان، أضف إليها ضرورة تسليم السلطة من العسكر!!، وزحف معهم حركة 6 إبريل نفسها التى تخلت عن المطالبة بالدستور أولاً فى جمعة 8/7 الشهيرة.. وبالطبع فإن القائم بأعمال رئيس الدولة وهو المجلس العسكرى هو المسئول مسئولية كاملة عن حفظ أرواح ودماء المصريين وعن حماية الاعتصام والمعتصمين.. ولكن ولا شك أن محاولات استدراج الجيش لمعارك لا معنى لها والانتخابات الرئاسية على بعد أيام وتوريط الجيش فى نزاعات واحتكاكات يكون من شأنها سقوط ضحايا من الطرفين مما يقذف بالوطن وأبنائه لهوة سحيقة..
> كل هذه المحاولات تثير العديد من الأسئلة المفخخة للحالة المصرية التى تتحرك كل يوم خطوتين للخلف وخطوة للأمام فالحالة التونسية تتقدم ويتوافق المختلفون قدر الإمكان، مقدرين مصلحة الوطن على المصالح الحزبية الضيقة.. ولكن مصر تبقى أسيرة شبق السلطة والتنازع عليها.. وليس هذا جديداً على تيار الإخوان فقد سبق لمرشدهم أن صرح (طظ فى مصر)... فمصر اليوم لا بواكى عليها من الطامعين فى سدة الرئاسة والحكومة والبرلمان والجمعية التأسيسية وقد عرفهم الشعب جيداً.. وعرف هؤلاء الراغبون فى التهام الغنيمة كاملة أو ليذهب الوطن وناسه إلى ما يذهبون إليه.. الثورات تتعرض فى طريقها لنوبات مد وجزر.. لحظات هبوط وصعود.. خلل واضطراب.. ولكن الجماهير والشعب الذى صنعها هو الذى يتدخل ويحميها وينقذها من وهداتها.. وقى الله مصر من كل شر مستطير ورحم شهداءها وكل من جاد بدمائه النبيلة لصالح هذا الوطن وحفظ شعبها الصابر الأمين.