عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أعداء الحب.. حكايات ونهايات على أعتاب محاكم الأسرة

بوابة الوفد الإلكترونية

للحب ثلاثة أعداء، قد يقاومهم بعض الوقت ولكنه في النهاية يمكن أن يستسلم تاركًا وراءه كل شيء ويرحل.

 

فالعدو الأول للحب هو الإهمال، وكم من المشاعر الجميلة والأحاسيس الصادقة سقطت ضحية لحظة إهمال قاسية تغيرت معها القلوب، واسودت النفوس، وتحول الحب إلى شظايا لا أحد يعرف في أي الأماكن سكنت.

 

ومن أشد أعداء الحب قسوة، الملل، وفي الحب لا بد أن يكون الإنسان واعيًا لما يحدث حتى لا يجد كل شيء حوله قد تغير وهو لا يعلم، أحيانًا يتحول الحب إلى إحساس بالغربة، ثم ينتقل إلى إحساس أسوأ وهو الوحشة، وفي النهاية يكون الملل هو أسوأ أعداء الحب شراسة رغم أنه في كثير من الأحيان لا يعلن عن نفسه.

 

العدو الثالث في مملكة الحب للأسف الشديد أن البعض يراه من دوافع الحب، ولكن إذا سيطر على مشاعرنا يتحول إلى كابوس دائم، إنه البعاد، وفي الأمثال يقال "إن البعد جفاء"، أي إنه يعلم القلوب كيف تجفو، والبعاد قد يشعل نار الحب، وقد يطفئها تمامًا.

 

ومن توابع البعاد الإهمال حين يغيب التواصل، ومن توابعه أيضًا الملل حين نفقد الأمل فيمن نحب، وما بين الإهمال والملل والبعاد يمكن أن يسقط الحب شهيدًا ونحن لا ندري كيف فرطنا فيه.

 

ثلاثة أعداء للحب، البعاد إذا طال، والملل إذا تحكّم، والإهمال إذا أصبح ضيفًا مقيمًا، حينها يأخذ الحب أحلامه ويرحل.

 

أكبر خطأ يقوم به أكثر الأزواج هو إهمال الأشياء البسيطة التي قد تكون سببًا في إرساء مشاعر السعادة والفرح، يعتقدون بأنها لا تشكِّل أي انعكاس على حياتهم لكنهم غفلوا بأنها قد تكون السبب الأبرز في إنهاء العلاقة، فأبسط تسرُّب للماء يغرق أضخم السفن.

 

"الوفد" ترصد بعض الحالات لزوجات يطلبن الطلاق بسبب إهمال أزواجهن لهن.

 

"زوج بدرجة موظف"

 

"الحب انتهى وعايشين زي الموظفين".. هكذا بدأت "مها" الزوجة الشابة روايتها لأعضاء مكتب تسوية المنازعات الأسرية، وبصوت منكسر تتابع: "كانت حياتنا مثالية، وكنا أنا وزوجي مثارًا لحسد المحيطين بنا والمقرَّبين منا، فكانوا يضربون بقصة حبنا وبيتنا الذي لم يزره الحزن أو الشجار إلا في السنوات الأخيرة المثل، لا أتذكر أن يد زوجى قد طالتني يومًا، أو جرح كرامتي، أو قلَّل من شأني أمام أهله، أو سبَّني في حضرة أحد من معارفنا، بل على العكس كان يكِنّ لي كل الاحترام والتقدير، ويدعمني في عملي، وأنا أيضًا وضعته تاجًا على رأسي، وتفانيت في خدمته وخدمة صغاره، إلى أن تدخلت الماديات بيننا، وبات كل واحد فينا يتحدث بصيغة المفرد عن مرتبه، وعمَّا يصرفه في البيت، حينها انقلب الحال واختفت من حياتنا صيغة المثنى للأبد".

 

تحاول الزوجة الشابة الحفاظ على تماسكها وهي تكمل: "أصبح لكلٍّ منا حياته الخاصة، يفعل ما يحلو له فيها، وسكن البرود قلوبنا بدلًا من الحب، وصِرنا نحيا كالغرباء تحت سقف واحد، لا أعلم عنه شيئًا وهو كذلك، معظم الوقت نقضيه متسمرين أمام حواسبنا وهواتفنا المحمولة، حتى أوقات الإجازات والمصايف لم نعد نتجاذب فيها أطراف الحديث كما كنا في الماضي، وفي آخر أيامنا بت أمضيها برفقة أولادي دونه، أعترف أننا حاولنا كثيرًا أن نطرد هذا الجفاء من حياتنا ونعيد أيام الحب والاستقرار لكن دون جدوى، حتى الوسطاء حاروا في التقريب بيننا وحل مشاكلنا رغم تفاهة الكثير منها، لكن كان جبل الجفاء قد جثم على صدورنا، وأمات ما تبقى فيها من المودة".

 

وبنبرة مجروحة تنهي الزوجة حديثها: "وبعدما يئست من انصلاح الحال، قررت أن أطلب الطلاق حفاظًا على خط الاحترام الرفيع الذي تبقى بيننا، ولأنني لم أعد أتحمل أن أحيا كالغريبة مع الرجل الوحيد الذي دقَّ له قلبي، وتعلمت على يديه دروب الحب وقواعد العشق، ولكنه لم يرضخ لرغبتي،  فوقفت على أعتاب محكمة الأسرة آملة في أن أجد حلًّا لإنهاء الأمر، ولكي لا يصبح الطلاق أمرًا فاشلًا كزواجنا".

 

 "180 درجة"

 

على مقربة من قاعة الجلسات بمحكمة أسرة زنانيري، جلست "سحر" صاحبة الثلاثين ربيعًا برفقة ابنتها التي لم تكمل عامها الخامس بعد، في انتظار بدء نظر طلب منحها الولاية التعليمية، وبدت علامات التعب والملل على ملامح السيدة وابنتها من طول الانتظار، ومع ذلك حاولت كل منهما مقاومتها بطريقتها الخاصة، فالصغيرة انشغلت باللعب، ووالدتها أخذت تتصفح كومة من أرواق تقاوم الفناء، وتستقبل ذكريات زواج انتهى بعد عامٍ واحد بسبب جفاء زوجها وإهماله لها بحسب روايتها.

 

تأخذ الزوجة الثلاثينية نفسها بعمق لتبدأ في سرد حكايتها: "كان زوجي في أيام الخطوبة نموذجًا للرجل ذي الشخصية القوية والرومانسية، التي لا تراها سوى فى الأفلام العاطفية، أو تسمع عنها في الحكايات الخيالية، وربما قلبي المريض بحبه وقتها هو من صوَّر لي ذلك، فكان بمجرد أن ينهي مكالمتنا الهاتفية حتى يباغتني بعدها بدقائق بمكالمة أخرى، ويُلقي على مسامعي كلمات العشق والغرام، رغم أن معظم الوقت كُنَّا نقضيه سويًا، وذلك بحكم عملنا بمصنع واحد، وكان دائمًا يهاديني بباقة من الورود، ويحدِّثني بأننى الملكة الوحيدة المُتوَّجة على عرش قلبه، ويصطحبني في نزهة من فترة لأخرى، ولا أتذكر أنه قد نسي مناسبة لي قط، ولم يكن يرُد لي طلبًا".

 

تلوح على وجه الزوجة الخمري ابتسامة حزينة وهي تواصل روايتها:" لكن بعد الزواج لم يعد زوجي يتذكر أيَّة مناسبة تخصني، وبات يبخل عليَّ بكلمات الحب والمكالمات التي كان معتادًا عليها أيام الخطوبة، حتى ونحن معًا كان شحيح الكلام، وبدأت أصطدم بوجهه الخاضع طوال الوقت لأوامر أهله، الذين كانوا يمسكون بزمام أمره على عكس ما كان يظهر لى سابقًا، ويُحرِّكونه كما يشاءون، ويُحدِّدون لنا معالم حياتنا، ويتدخلون في أدقِّ تفاصيلها، وماذا نأكل ومتى ننام وكم ننفق، حتى الأنفاس كنت أشعر أنهم يحصونها علينا، وبعدما ضاق بي الحال تحدثت إليه عن سبب تغيره والجفاء الذي حلَّ به، والملل الذي أصابه والبرود الذي بات يسكن كل أفعاله ولمساته لكني لم أجد إجابه شافية عنده".

 

تداعب الزوجة شعر ابنتها المجدول وهي تنهي روايتها: "بدأت المشاكل تحاوطنا، ولا ينقطع صوت الشجار من بيتنا، بسبب تدخلات أهله وصمته على تطاولهم عليَّ واستباحتهم لمتعلقاتي الخاصة، وانتهاكهم لحرمة بيتي، وبدأ صبري ينفد، ولم أعد أتحمل تجاهل زوجي لمشاعري وطبيعتي الرومانسية واستسلامه أكثر من ذلك، وتركت له البيت عائدة إلى منزل أهلي، وأصريت على طلب الطلاق، وبعدها حاول زوجي أن يصلح ما أفسده، وأن يعيدنى إليه، وحفاظًا على مستقبل الطفلة عدت إليه، لكني فوجئت أنه جرد البيت

من أثاثه حتى صنابير المياه، فشعرت بالغدر، وجددت طلبي بالطلاق، وبالفعل انفصلنا بعد معاناة، وتوليت أنا رعاية ابنتي التى تعاني الآن بسبب غياب والدها عنها، وربما كان عليَّ أن اتنازل من أجلها".

 

"فرحة البدايات"

 

تشير عقارب الساعة إلى العاشرة صباحًا، تتخطى "مروة" الباب الحديدى المفضي إلى الطابق الاول لمحكمة أسرة البساتين بثوبها الأسود المطرز وحجابها الحريرى الذي يفضح ما أصاب رأسها من شيب رغم عمرها الذى لا يزال فى عامه الأول بعد الثلاثين، وبعين يملأها الحزن أخذت تتصحف أرجاء المكان بحثًا عن ركن تغرق فيه بهمومها بعيدًا عن الزحام، وبعد عناء تجد ضالتها في كرسي معدني قابع وحيد فى طرقة طويلة أرضيتها خشنة وفي نهايتها أبواب قاعات الجلسات، تهرع السيدة صوبه وعلامات الارتياح ترتسم على ملامح وجهها، تسقط بجسدها النحيل عليه، ثم تلتقط من حقيبتها الرثة حافظة مستندات باهتة اللون تحوى أوراق دعوى الطلاق للضرر التي أقامتها ضد زوجها "شعبان" بعد زواج دام عامين أثمر عن إنجاب طفلها "آسر".

 

تنتزع مروة من شفتيها الجافة ابتسامة باهتة تداري بها قلة حيلتها وضعفها وهي تقول: "تعرَّفت عليه  أثناء عملى فى إحدى الشركات وفضَّلته على كثيرين لدماثة خلقه وطيبته، فتنِّي من النظرة الأولى بكلامه الموزون بميزان العقل وهندامه المنمق، وحلمت أن ألبس له الفستان الأبيض وأزف إلى بيته فى موكب تحيطه الفتيات من الجانبين حاملات باقات الورود، معلنة فرحتي للعالمين، وأنني أصبحت ملكًا لمن توَّجه قلبي ملكة على عرشه، وقطعت على نفسى عهدًا ألَّا أخرج من حضنه إلا لأسكن قبري".

 

تلوح على ثغر الزوجة الثلاثينية ابتسامة حزينة وهى تقول: "مرت الشهور الأولى من زواجي كالحلم، ذقت فيها طعم السعادة ونعمت بحياة هادئة ومثالية، لا أتذكر أن حبيب عمري ألقى على مسامعى خلالها كلمة تسيء لأنوثتى أو تجرح كرامتى، حتى شارك أحد أصدقائه في عمل خاص بهما، وذاق طعم المال، حينها خلع ثوب حبه واحترامه لي واهتمامه ببيته الذى لم يعد يبرحه إلا للنوم، وانقلب إلى رجل غير الذى تزوجته وعشقته".

 

أنهت الزوجة حديثها بنبرة وهن وانكسار: ولم يكتفِ بإهمال بيته وطفله الرضيع، بل وصل به الأمر إلى أن تعدى عليَّ بالضرب المبرح حين وجهت إليه اللوم بسبب تأخيره وإهماله،قائلًا "أنا راجل وأعمل اللي أنا عاوزه أتأخر متأخرش أنا حر"، وقتها لم أجد سبيلًا أمامي سوى أن أترك البيت وأنجو بنفسي وبالصغير من تلك الحياة البائسة، عدت إلى بيت أهلي، لأحتمي وابني بظلهم، ولجأت إلى محكمة الأسرة لرفع دعوى طلاق للضرر لأتخلص بها من ذلك الرجل، وأتفرغ فقط لتربية ابني".

 

"الإهمال يعصف بالحياة الزوجية"

 

وفي هذا الشأن يقول عبدالسميع محمد أمين، إمام وخطيب بوزارة الاوقاف، إن الشريعة الإسلامية جعلت الزواج ميثاقًا غليظًا، وجعلت الرجل قوَّامًا على المرأة، وإن هذا من باب التكليف لا التشريف، كما يفهم بعضنا؛ لذا قال ربنا جلّ جلاله "وعاشروهن بالمعروف.." وقال النبي ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ "والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئول عنهم.."، وقال أيضًا "استوصوا بالنساء خيرا.."، ولا شك أن العمل بهذه التوجيهات يحافظ على استقرار البيت وإدامة المودة والرحمة فيه؛ وإلا فإن إهمال الرجل لزوجته يجعل البيت يعيش في توتر، بل ربما يزين للمرأة أن تبحث عمن يهتم بها ويقدرها، وربما يكون في الحرام عياذًا بالله، ولا شك أن هذا الإهمال مما نهى الله ورسوله عنه؛ سواء كان في أمور الإنفاق وما على شاكلتها أو حقوقها الخاصة وإدخال السرور عليها، وإن كثيرًا من الأسر تهدمت بسبب إهمال الرجل لزوجته نفسيًا أو معنويًا؛ لذا وجب على الزوج أن يتذكر ما عليه من الحقوق فلا يقصر فيها والزوجة كذلك؛ فإذا ما حدث تقصير -وهو شأن البشر- يجبره التغافل والإبقاء على المودة والرحمة.

 

" الراوي" لفت أيضًا إلى الأمور التي تسبب الإهمال، وهي عدم مراقبة الله تعالى في هذه الزوجة، أو سماع كلام بعض الأصدقاء ممن يـُخَبِّبُهُ عليها، أو إهمال المرأة في نفسها فلا تريه من محاسنها -قولًا وفعلًا- ما يجعله متعلقًا بها فيستسهل الحرام ويطلق بصره نحوه فلا يرى ما أكرمه الله به من الحلال، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال "خير النساء التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر".