رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كارلوس غصن .. حكاية لم تنته فصولها

بوابة الوفد الإلكترونية

المهاجر الذى أنقذ شركات عالمية من الإفلاس فطاردته العدالة

هو مهاجر وابن وحفيد مهاجرين لبنانيين، هاجر جدَّه من لبنان إلى البرازيل عندما كان عمره 13 عامًا، وكان الجد يعمل فى تجارة المطاط، وبيع وشراء المنتجات الزراعية، أما والده فقد ورث مهنة الجد، وأمه نيجيرية الأصل، ومن هنا ولد فى البرازيل، وعاش فيها حتى سن السادسة، عندما كان عمره عامين أصيب بمرض نتيجة لشربه ماء ملوث، فانتقلت به والدته إلى ريو دى جانيرو، ولم يتعاف تمامًا هناك، وفى عام 1960 عاد إلى لبنان الوطن الأم مع والدته وأخته حيث تعيش جدته، وأكمل هناك دراسته، ثم دراسة تحضيرية فى باريس فى كلية ستانيسلاس، وتخرج عام 1974 بدرجة بكالوريوس فى الهندسة، وأصبح المهاجر ابن المهاجر خبيرًا ملهمًا فى عالم صناعة السيارات، وأنقذ شركات عالمية من الإفلاس، إلا أنه فجأة أصبح طريد العدالة، ومطاردًا منها بسبب تصارع مصالح كبريات شركات صناعة السيارات فى اليابان وفرنسا، وليقع هو ضحية هذا الصراع، فما حكاية كارلوس غصن.

يحمل كارلوس غصن عدة جنسيات البرازيلية و‌اللبنانية و‌الفرنسية، ويتحدث 4 لغات بطلاقة هى العربية، الفرنسية، البرتغالية و‌الإنجليزية، عندما أنهى دراسته بالهندسة.

دخل مجال صناعة السيارات عبر شركة ميشلان لتصنيع الإطارات المطاطية، ثم شغل عدة مناصب قيادية - فى وقت واحد - فى شركتى رينو ونيسان وميتسوبيشى، حتى أصبح الرئيس التنفيذى لتحالف رينو – نيسان، وهو الذى ألقى حبل النجاة لشركة نيسان اليابانية التى كانت تتخبط فى الديون وتقرب من الإفلاس سنة 1999، فأصبح رئيسها التنفيذى وقام مباشرة بدمج الشركتين، ليُولد تحالفًا من أشهر التحالفات الصناعية فى العالم، وهو تحالف رينو - نيسان والذي أُلحقت به فيما بعد شركة ميتسوبيشى، لتصبح طاقة إنتاج هذا التحالف 10 ملايين سيارة سنويًا.

وبسبب نشاطه الإدارى الواسع وارتباطه بثلاث دول «فرنسا، اليابان والبرازيل» كان كثير السفر، ومستفيدًا بشكلٍ كبير من امتيازات عديدة فى القارات الثلاث، وفى 19 نوفمبر 2018 حطَّت الطائرة الخاصة التابعة لشركة نيسان التى كانت تقله فى مطار هانيدا بطوكيو، بدت له تلك نهاية رحلة عادية، غير أنها كانت بداية معاناة امتدت لأكثر من سنة! حيث تم اقتياده إلى مصلحة جوازات السفر واتهم بوجود مشكلة تتعلق بتأشيرته، ثم وُجهت إليه تهم مباشرة تتعلق بقضايا مالية خطيرة واختلاسات وعمولات وأُلقى القبض عليه، وأودع فى السجن المؤقت، وبدا أن السلطات اليابانية كانت تخطط منذ مدة من أجل اعتقاله، ثم أطلق سراحه لفترة وجيزة فى مارس 2019 بكفالة 9 ملايين دولار، ثم أعيد اعتقاله بتهم جديدة، وأطلق سراحه مرة ثانية فى أبريل، بعدما دفع سندات أخرى قدرها 4.5 مليون دولار، رغم ذلك لم تتوقف السلطات اليابانية عن ملاحقته أو إملاء التعليمات وفرضت عليه الإقامة الجبرية والرقابة الأمنية.

عند اعتقال كارلوس غصن وسجنه، كان أعلى صوت طالب بالإفراج عنه هو صوت كارول غصن، وهى زوجته الثانية، سيدة أعمال وحاملة للجنسية الأمريكية، ولقد روت الممارسات التى تعرض لها زوجها من عنف وإذلال حسب تصريحها، وأنه تعرض للعنف الجسدي والمعنوي مرات كثيرة من قبل السلطات اليابانية، ولقد خضعت كارول غصن فيما بعد كإجراء خاص، للتحقيق فى الأمور المالية المتعلقة بزوجها، لتغادر اليابان مباشرة بعد ذلك وتبدأ رحلة تحرير زوجها ولفت الرأى العام لقضيته.

من الناحية العملية لا ينكر أحد براعة كارلوس غصن وحنكته فى التسيير الإدارى، والتفكير الاستراتيجى الإبداعي، ولكن موقف اليابان ضده بسبب طريقته التى تعامل بها مع التحالف عرف بتحالف رينو – نيسان، وفيما بعد تحالف رينو – نيسان – ميتسوبيشى، حيث انحاز نوعًا ما للشركة الفرنسية رينو على حساب شركة نيسان، إذ استحوذت رينو الفرنسية

على ما نسبته 48% من أسهم الشركة اليابانية نيسان، وهذا أمر أغضب اليابانيين، الذين شعروا بتهديد للشركة، ما جعلهم يتجهون لاعتقال غصن وتوجيه تهم غير منطقية له.

وسواء كانت التهم حقيقية أم مزيفة، يبقى الاتجاه الذى اختاره اليابانيون فى التعامل مع هذا الموضوع، وما لا ريب فيه أن «غصن» قد اختار الجانب الفرنسى، وفرنسا بدورها لن تسمح بأن تصل الأيادى اليابانية الى كارلوس غصن، حيث قال مسئولون فرنسيون، إن فرنسا لن تسلم «غصن» إذا دخل أراضيها، وهى دعوة واضحة لاستقباله، وتمكَّن كارلوس غصن فى ديسمبر الماضى من الفرار من اليابان وإقامته الجبرية إلى لبنان موطن أجداده، ولا يعرف كيف نجح فى الفرار من اليابان التى أدرجت اسمه فى قوائم الممنوعين من السفر وكان كل جوازات سفره مع محاميه، إلا أن طائرة خاصة هبطت فى مكان ما باليابان، وحملته إلى تركيا، ومن تركيا إلى لبنان، ويشار أن زوجته الأمريكية هى الضالعة وراء هروبه، وقدَّمت اليابان طلبًا دوليًّا للقبض على «كارلوس»، وتسعى من خلال ذلك للضغط على الحكومة اللبنانية، غير أنه لا توجد أى معاهدات متعلقة بتبادل المطلوبين للعدالة بين البلدين، ما يجعل الموقف اليابانى أضعف، خاصة بتصريح الحكومة اللبنانية بعدم تسليمه وكذلك تصريح فرنسا الذى يجعل موقف كارلوس غصن أفضل.

ولكن للأسف فى لبنان لم يكن الحال أفضل كثيرًا، فقد استدعته المحكمة العسكرية بتهمتين موجهتين ضده: الأولى هو أنه مطلوبٌ للإنتربول، والثانية دعوى رفعتها ضده محامية لبنانية بخصوص زيارته إلى إسرائيل عام 2008، وهى الشكوى التى تساءل لماذا لم تُرفع من قبل، لكنه صرح بقوله: أنا أؤمن بالقضاء اللبنانى العادل، بسؤاله عن ردة فعل لبنان إذا ما تم وضعها فى موقف اختيار بينه كشخص وبين مصالحها الاقتصادية مع لبنان، قال إن هذا السؤال يجيب عنه المعنيون، أما عن سبب اختياره للبنان دون الدول التى يحمل جنسيتها، فقال إن تلك الدول ما زالت خيارًا مطروحًا، لكن السبب المباشر هو أن زوجته لبنانية - أمريكية مقيمة فى لبنان.

يقول «غصن»: أنا لست مليارديرًا ولا مليونيرًا وغير مهتم بالمناصب السياسية وغير مستقر بعد على نوع سيارتى مستقبلًا، وكل ما يهمنى الآن هو تبرئة اسمى مما لُفق له، وقد اخترت الفرار من اليابان لأنى مُنعت من الدفاع عن نفسى، إضافة إلى حرمانى رؤية عائلته، لم أكن سجينًا بل أسيرًا، ولا يمكن لوم أسير على الخروج من أسره.